الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سَبَق المُفَرِّدُونَ، قيل: مَن المفردون يا رسول الله؟ قال: المستهترون بذكر الله، يَضَعُ الذِّكرُ عنهم أثقالَهُمْ، فيَردُون يَوْمَ القيامةِ خِفَافاً» «1» وسئل صلى الله عليه وسلم: أيّ المجاهدين أعظمُ أجراً؟ قال: «أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكرا. وقيل: فأي الصالحين أعظم أجراً؟ قال: أكثرهم لله تبارك وتعالى ذِكْراً. ثم ذَكَرَ الصلاة والزكاة والحج والصدقة، كل ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكراً» . فقال أبو بكر لعمرَ: يا أبا حفصٍ ذهب الذاكرون بكل خيرٍ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أجل» «2» رواه أحمد والطبراني.
وقوله تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ
…
الآية. قال الورتجبي: صلوات الله: اختياره العبدَ في الأزل لمعرفته ومحبته، فإذا خصَّه بذلك جعل زلاته مغفورة، وجعل خواص ملائكة مستغفرين له، لئلا يحتاج إلى الاستغفار بنفسه عن اشتغاله بالله ومحبته، وبتلك الصلاة يُخرجهم من ظلمات الطبع إلى نور المشاهدة، وهذا متولد من اصطفائيته الأزلية ورحمته الكافية القدسية. ألا ترى إلى قوله: وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً أي: قبل وجودهم، حيث أوجدهم، وهداهم إلى نفسه، بلا سبب ولا علة. ثم قال عن ابن عطاء: أعظم عطية للمؤمن في الجنة: سلام الله عليهم من غير واسطة. هـ.
وقوله تعالى: تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ قال القشيري: التحيةُ إذا قُرِنَتْ بالرؤية، واللقاءُ إذا قُرن بالتحية، لا يكون إلا بمعنى رؤية البصر، والتحية: خطاب يُفاتح بها الملوك، أخبر عن عُلُوِّ شأنهم، فهذا السلام يدلّ على علو رتبتهم. هـ.
ولمّا أمر بذكره وتنزيهه، ذكر شهادته لرسوله، ليدلّ على اقترانها فى صحة الإيمان وكمال الذكر، فقال:
[سورة الأحزاب (33) : الآيات 45 الى 48]
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً (47) وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (48)
(1) أخرجه بلفظه الترمذي فى: (الدعوات، باب: فى العفو والعافية 5/ 539، ح: 3596) ، وبنحوه أخرجه مسلم فى (الذكر والدعاء، باب الحث على ذكر الله تعالى 4/ 2062، ح 2676) من حديث أبى هريرة رضى الله عنه.
والمستهترون بذكر الله: المولعون بالذكر: المداومون عليه، لا يبالون ما قيل فيهم، ولا ما فعل بهم.
(2)
أخرجه أحمد (3/ 438)، وقال الهيثمي فى مجمع الزوائد (10/ 74) : رواه أحمد والطبراني، وفيه: زبان بن فائد، وهو ضعيف، وقد وثّق، وكذلك ابن لهيعة، وبقية رجال أحمد ثقات.
قلت: «شاهداً» : حال مقدرة، كمررت برجل معه صقر صائداً به غداً.
يقول الحق جل جلاله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً على من بعث إليهم، على تصديقهم وتكذيبهم، أي: مقبولاً قولك عند الله، لهم وعليهم، كما يُقبل قول الشاهد العدل في الحكْم، وَمُبَشِّراً للمؤمنين بالنعيم المقيم، وَنَذِيراً للكافرين بالعذاب الأليم، وَداعِياً إِلَى اللَّهِ إلى الإقرار بربوبيته، وتوحيده، وما يجب الإيمان به، من صفاته، ووعده، ووعيده، بِإِذْنِهِ بأمره، أو: بتيسيره. وقيّد به الدعوى إيذاناً بأنه أمر صعب، لا يتأتى إلا بمعونةٍ من جناب قدسه، وَسِراجاً مُنِيراً يُستضاء به في ظلمة الجهالة، وتُقتبس من نوره أنوار الهداية، قد جلى به الله ظلمات الشرك، واهتدى به الضالون، كما يجلى ظلام الليل بالسراج المنير، ويهتدى به. وقيل: المراد به القرآن، فيكون التقدير: وذا سراج. ووُصف بالإنارة لأن من السُرج مَن لا يضيء جدًّا إذا قلّ سَلِيطُه، - أي: زيته- ورقَّت فتيلته. أو: شاهداً بوحدانيتنا، ومبشراً برحمتنا، ونذيراً بنقمتنا، وداعياً إلى عبادتنا، وسراجاً تُنير الطريقَ إلى حضرتنا.
وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً ثواباً عظيماً، يربو على ثواب سائر الأمم. وفي الحديث:
«مثَلُكمْ ومَثَلُ اليهود والنصارى كمَن استأجر عُمالاً إلى آخر اليوم، فعَمِلَتِ اليهودُ إلى الظهر، ثم عجزوا، ثم عملت النصارى إلى العصر، فعجزوا، ثم عملتم إلى آخر النهار، فاستحققتم أجر الفريقين، فغضبت اليهود والنصارى، وقالوا: نحن أكثر عملاً، وأقلّ أجراً، فقال لهم الله تعالى: هل ظلمتكم من حقكم شيئاً؟ قالوا: لا، قال: فذلك فضلي أوتيه من أشاء» «1» وفي رواية: «أنهم عملوا إلى الظهر، أو العصر، وقالوا: لا حاجة لنا بأجرك، فبطل أجر الفريقين» . وهذا في حق مَن أدرك الإسلام منهم ولم يؤمن. والحديث في الصحيح. نقلته بالمعنى.
قال البيضاوي: ولعله معطوف على محذوف، أي: فراقب أمتك وبشِّرهم. هـ.
وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ أي: دُم على مخالفتهم، وهو تهييج وتنفير عن حالهم، وَدَعْ أَذاهُمْ أي: لا تلتفت إليه، ولا تحتفل بشأنه. وهو من إضافة المصدر إلى الفاعل، أي: اجعل إيذائهم إياك في جانب، وأنت في جانب، ولا تُبال بهم، ولا تخفْ من إيذائهم. أو: إلى المفعول، أي: دع إيذاءك إياهم مجازاةً ومؤاخذة على كفرهم. ولذلك قيل: إنه منسوخ. وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فإنه يكفيكهم، وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا موكولا عليه،
(1) أخرجه البخاري فى (الإجارة، باب الإجارة إلى نصف النهار، ح 2268) من حديث سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنه. [.....]