الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأجانبُ منك على جانب، ولتكن صلتك للأقارب وصلةُ الرحم ليس لمقاربة الدار وتعاقب المزار، وليكن بموافقة القلوب، والمساعدة في حالتي المكروه والمحبوب.
أرْوَاحُنا في مكانٍ واحد، وإن كانت
…
أشْبَاحُناَ بِشَآمٍ أوْ خُرَاسَانِ «1» . هـ.
ولمّا كان كل نبى أبا لأمته، أخذ عليهم العهد فى إرشادهم، ونصحهم، كما ينصح الأب ابنه، فقال:
[سورة الأحزاب (33) : الآيات 7 الى 8]
وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (7) لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً (8)
يقول الحق جل جلاله: وَاذكر إِذْ أَخَذْنا حين أخذنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ بتبليغ الرسالة، والدعاء إلى الدين القيم، وإرشاد العباد ونصحهم. قيل: أخذه عليهم في عالم الذَّرِّ. قال أُبيّ بن كعب: لما أخرج الله الذرية، كانت الأنبياء فيهم مثل السُرُج، عليهم النور، فخُصُّوا بميثاقٍ وأخذ الرسالة والنبوة. وقال القشيري: أخذ الميثاق الأوَل وقت استخراج الذرية من صُلب آدم، عوندَ بعثة كل رسول، ونُبُوَّة كل نبيٍّ، أخذ ميثاقه، وذلك على لسان جبريل عليه السلام، ومنَ اختصه بإسماعه كَلَامَهُ بلا واسطة ملك- كنبينا ليلة المعراج، وموسى- عليهما السلام فأخذ الميثاق منهم بلا واسطة، وكان لنبينا- عليه الصلاة السلام- زيادة حال بأن كان مع سماع الخطاب كشف الرؤية. ثم أخذ المواثيق من العباد بقلوبهم وأسرارهم. هـ.
قال في الحاشية: والذي يظهر: أن أخذ الميثاق منهم مباشرة لا بوحي، وذلك في الغيب، ولذلك قدّم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأنه النور الأول قبل آدم، ثم انتقل إلى ظهره، وحينئذ، فأخذ الميثاق هنا غيبي، ولذلك قدّمه. وفي قوله: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ
…
«2» في عالم الظهور، فلذلك قدّم نوحاً، وثنَّى بنبينا لأن نوحاً أول أُولي العزم، ونبينا خاتمهم. والله أعلم. هـ. والحاصل: أن أخذ الميثاق كان مرتين في عالم الغيب وفي عالم الشهادة. وهل المراد به هنا الأول أو الثاني؟ قولان.
(1) البيت لأبى تمام، يمدح سليمان بن وهب. انظر ديوان أبى تمام (3/ 335)، وتاريخ بغداد (10/ 97) وفيهما:
أرْوَاحُنا في مكانٍ واحد، وغدت
…
إلخ.
(2)
الآية 13 من سورة الشورى.
وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، قال النسفي: وقدَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم على نوح ومَن بعده لأن هذا العطف لبيان فضيلة هؤلاء لأنهم أولو العزم، وأصحاب الشرائع، فلمَّا كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أفضل هؤلاء قُدّم عليهم، ولولا ذلك لقدّم مَن قدمه زمانه. هـ. وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً وثيقاً. وأعاد ذكر الميثاق لانضمام الوصف إليه.
وإنما فعلنا ذلك لِيَسْئَلَ اللهُ الصَّادِقِينَ أي: الأنبياء عَنْ صِدْقِهِمْ عما قالوه لقومهم، وهل بلغوا ما كلفهم به. وفيه تبكيت للكفار، كقوله: فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ «1» ، أو: ليسأل المصدّقين للأنبياء عن تصديقهم: هل كان بإخلاص أم لا؟ لأن مَن قال للصادق: صدقت كان صادقاً في قوله. أو: ليسأل الأنبياء: ما الذي أجابتهم أممهم؟ وهو كقوله: يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ «2» ، وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ بالرسل عَذاباً أَلِيماً، وهو عطف على «أخذنا» لأن المعنى: أن الله تعالى أخذ على الأنبياء العهد بالدعوة إلى دينه لأجل إثابة المؤمنين، وأعد للكافرين عذابا أليما. أو: على ما دلّ عليه: لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ، كأنه قال: فأثاب المؤمنين، وأعد للكافرين عذابا أليماً.
الإشارة: كما أخذ الله الميثاق على الأنبياء والرسل أخذ الميثاق على العلماء والأولياء. أما العلماء فعلى تبيين الشرائع وتغيير المناكر، وألا تأخذهم في الله لومة لأئم، وأما أخذه على الأولياء فعلى تذكير العباد وإرشادهم إلى معرفة الله، وتربية مَن تعلّق بهم، وسياسة الخلق، ودلالتهم على الحق، فمَن قصَّر من الفريقين استحق العتاب.
قال القشيري: فلكلِّ من الأولياء والأكابر حال، على ما يؤهلهم له قال صلى الله عليه وسلم:«لقد كان في الأمم مُحَدِّثون، وإن يكُن في أمتي فَعُمر» ، وغير عُمَر مشارك لعُمر في خواص كثيرة، وذلك سر بينهم وبين ربِّهم.
ثم قال: قوله تعالى: لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ سؤال تشريف لا تعنيف، وإيجاب لا عتاب.
والصدقُ: ألا يكون في أحوالك شَوْبٌ، ولا في اعتقادك ريب، ولا في عملك عَيْبٌ، ويقال: من أمارات الصدق في المعاملة: وجودُ الإخلاص من غير ملاحظة، وفي الأحوال: تصفيتُها [من غير مداخلة الحجاب]«3» ، وفي القول:
سلامته من المعاريض، [فيما بينك وبين نفسك] «4» . وفيما بينك وبين الناس: تباعدٌ من التلبيس والتدليس، وفيما
(1) الآية 6 من سورة الأعراف.
(2)
متفق عليه، أخرجه البخاري فى (فضائل الصحابة، باب: مناقب عمر، ح 3689) ومسلم فى (فضائل الصحابة، باب: من فضائل عمر 4/ 8164، ح 2398) .
(3)
فى القشيري [من غير مداخلة إعجاب] .
(4)
ما بين المعقوفتين ليس فى الأصول، وأثبته من القشيري، وهو ضرورى يقتضيه السياق.