الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال تعالى: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ
…
حتى قال له تعالى: يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا «1» لَمَّا تَحَتَّمَ عليهم العذاب، فتأمله.
ثم ذكر قصة شعيب، فقال
[سورة العنكبوت (29) : الآيات 36 الى 37]
وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (36) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (37)
يقول الحق جل جلاله: وَأرسلنا إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً، فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وحده، وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ أي: خافوه، واعملوا ما ترجون به الثواب فيه، وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ قاصدين الفساد، فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ الزلزلة الشديدة، أو: الصيحة من جبريل عليه السلام لأن القلوب رجفت بها، فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ بلدهم وأرضهم، جاثِمِينَ باركين على الرُكب ميتين.
الإشارة: العبادة مع الغفلة عن العواقب الغيبية المستقبلة، لا جدوى لها، كأنها عادة، وخوف العواقب، من غير استعداد لها، خذلان، والاجتهاد في العمل، مع ارتقاب العواقب الغيبية، فلاح، من شأن أهل البصائر، كما قال تعالى في حق من مدحهم من أكابر الرسل: أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ «2» .
ثم ذكر قوم هود وصالح وموسى- عليهم السلام فقال:
[سورة العنكبوت (29) : الآيات 38 الى 40]
وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38) وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ (39) فَكُلاًّ أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40)
(1) الآيتان: 75- 76 من سورة هود.
(2)
الآيتان: 45- 46 من سورة «ص» .
يقول الحق جل جلاله: وَعاداً وَثَمُودَ أي: اذكر عاداً وثموداً، أو أهلكنا عاداً، وثموداً، يدل عليه فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ لأنه في معنى الإهلاك، وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ ما وصفنا من إهلاكهم مِنْ مَساكِنِهِمْ الدارسة. أو تبين لكم بعض مساكنهم الخربة إذا مررتم بها خالية. وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ من الكفر والمعاصي، فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ عن الطريق الذي أُمروا بسلوكه، وهو الإيمان بالله ورسوله. وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ متمكنين من النظر والاستبصار وتمييز الحق من الباطل، ولكنهم لم يفعلوا. أو عارفين الحق من الباطل بظهور دلائله، لكنهم عاندوا، حسداً. يقال: استبصر: إذا عرف الشيء على حقيقته. أو: متيقنين أن العذاب لا حق بهم بإخبار الرسول، لكنهم لجّوا. أو: مستبصرين في ضلالتهم معجبين بها.
وقال الفراء: عقلاء ذوو بصائر، يعني: علماء في أمور الدنيا، كقوله: يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا
…
«1»
الآية. وقال مجاهد: حسبوا أنهم على الحق، وهم على الباطل. هـ.
وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ، أي: أهلكناهم، وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ فائتين، بل أدركهم أمر الله فلم يفوتوه. يقال: سبق طالبه: فاته، فَكُلًّا أَخَذْنا عاقبناه بِذَنْبِهِ، فيه رد على من يُجوز العقوبة بغير ذنب. قاله النسفي، وهو جائز عقلاً في حقه تعالى، لكنه لم يقع لإظهار عدله. فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً
أي: ريحاً عاصفة فيها حصباء أو: مَلِكاً رماهم بها.
قال ابن جزي: فيحتمل عندي أنه أراد به المعنيين لأن قوم لوط هلكوا بالحجارة، وعاداً هلكوا بالريح. وإن حملناه على المعنى الواحد نقض ذكر الآخر، وقد أجاز كثير من الناس استعمال اللفظ الواحد في معنيين، ويقوي ذلك إن المقصود عموم أصناف الكفار. هـ.
وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ كمدين وثمود، وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ كقارون، وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا كقوم نوح، وفرعون وقومه، وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ فيعاقبهم بغير ذنب إذ ليس ذلك من عادته- عز وجل، وإن جاز في حقه، وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ بالتعرض للعذاب بالكفر والطغيان، وبالله التوفيق.
(1) الآية 7 من سورة الروم.