الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم يتحقق بأوصاف الكمال كالسخاء والكرم، فيبذل ما عنده فى مرضات ربه، فيكون من المتصدقين بأموالهم وأنفسهم، حتى لا يكون لأحد معهم خصومة فيما أخذوا منهم وقالوا فيهم، ثم يصوم عن شهود السِّوى، ثم يحفظ فرجه عن وِقاع الشهوة والهوى، فلا ينزل إلى سماء الحقوق، أو أرض الحظوظ، إلا بالإذن والتمكين، والرسوخ في اليقين. ثم يكون من المُسْتَهتَرين بذكر الله، أعني ذكر الروح والسر، وهو مقام الإحسان، الذي هو محل العيان، فيكون ذاكراً بالله، مذكوراً في حضرة الله، مشهوراً في ملكوت الله. جعلنا الله منهم بمنِّه وكرمه.
ثم ذكر قضية تزويجه- عليه الصلاة والسلام زينب، مناسبا للحافظين فروجهم، فقال:
[سورة الأحزاب (33) : آية 36]
وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً (36)
يقول الحق جل جلاله: وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ أي: ما صحّ لرجل مؤمن، ولا امرأة مؤمنة، إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً من الأمور أَنْ يَكُونَ «1» لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ أي: أن يختاروا من أحدهم شيئاً، بل الواجب عليهم أن يجعلوا رأيهم تبعاً لرأيه، واختيارهم تلواً لاختياره.
نزلت في زينب بنت جحش، وأخيها عبد الله بنَ جَحْش. وكانت زينب بنت أميمةَ بنت عبد المطلب، عمة النبي صلى الله عليه وسلم، فخطبها- عليه الصلاة والسلام لمولاه زيد بن حارثة، فلما خطبها، ظنت أنه يخطبها لنفسه، فرضيت، فلما علمت أنه خطبها لزيد كرهت وأبت، وقالت: أنا أم نساء قريش، وابنة عمتك، فلم أكن أرضه لنفسي، وكذلك قال أخوها. وكانت بيضاء جميلة، وكان فيها بذاذة، فأنزل الله الآية «2» ، فأعلمهم أنه لا اختيار لهم على ما قضى اللهُ ورسولُه. فلما نزلت الآية إلى قوله: مُبِيناً قالت: رضيتُ يا رسول الله، وجعلت أمرها بيد النبي صلى الله عليه وسلم
(1) قرأ عاصم، وحمزة، والكسائي:(يكون) بالياء من تحت. وقرأ الباقون بالتاء وقد أثبت المفسر- رحمه الله قراءة التاء.
انظر الإتحاف (2/ 376) .
(2)
أخرجه ابن جرير فى التفسير (22/ 11) .
وكذلك أخوها، فأنكحها صلى الله عليه وسلم زيداً، فدخل بها، وساق إليها النبي صلى الله عليه وسلم عشرة دنانير، وستين درهماً، وملحفة، ودرعاً، وإزاراً، وخمسين مدًّا من طعام، وثلاثين صاعاً من تمر «1» . وقيل نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي مُعَيط، وكانت من أول مَن هاجر من النساء، فوهبت نفسها للنبى صلى الله عليه وسلم فقبلها، وقال: زوجتها من زيد، فسخطت هي وأخوها، وقالا: إنما أردنا النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فنزلت «2» . والأول أصح.
وإنما جمع الضمير في «لهم» ، وكان من حقه أن يُوحَّد لأن المذكورين وقعا نكرة في سياق النفي، فعمَّا كل مؤمن ومؤمنة، فرجع الضمير إلى المعنى، لا إلى اللفظ. والخيرة: ما يُتخير، وفيه لغتان: سكون الياء، وفتحها، وتؤنث وتذكَّر باعتبار الفعل لمجاز تأنيثها.
وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فيما اختار وقضى فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً بيِّن الانحراف عن الصواب.
فإن كان العصيانُ عصيانَ رد وامتناع عن القبول فهو ضلال كفر، وإن كان عصيانَ فعلٍ، مع قبول الأمر، واعتقاد الوجوب، فهو ضلال فسق.
ثم إن زينب مكثتْ عند زيد زمانا، فأتى عليه الصلاة والسلام ذات مرة دار زيد، لحاجة، فأبصرها في درع وخمار، فوقعت في نفسه، وذلك لِمَا سبق في علم الله من كونها له. فقال:«سبحان مقلِّب القلوب» «3» ، وكانت نفسه قبل ذلك تنفر منها، لا تُريدها، فانصرف، وسمعت زينب بالتسبيحة، فذكرتها لزيد، ففَطِنَ، وأُلقي في نفسه كراهيتُهَا والرغبة عنها في الوقت، وقال: يا رسول الله إني أُريد فراق صاحبتي؟ فقال: «مالك، أرابك منها شىء؟»
(1) انظر تفسير البغوي (6/ 353) .
(2)
أخرجه ابن جرير فى التفسير (22/ 12) وعزاه السيوطي فى الدر (5/ 381) لابن أبى حاتم. عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
والحديث معضل.
(3)
قال الحافظ ابن حجر فى الكافي (ص 134 رقم 224) : (ذكره الثعلبي بغير سند، وأخرج الطبري «22/ 13» معناه من رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم) قلت: هذه الرواية، وإن ساقها عدد من المفسرين، إلا أن العلماء المحققين ردوها فالروايات كلها جاءت من طرق ضعيفة، ولا يوجد شىء منها فى كتب الحديث المعتمدة، والذي جاء فى الصحيح يخالف ذلك. ولا يجوز أن يستند إلى روايات ضعيفة فى إثبات خبر فيه نيل من عصمة المعصوم صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ ابن كثير فى تفسيره:(3/ 490) : (ذكر ابن جرير، وابن أبى حاتم، هاهنا، آثارا عن بعض السلف، أحببنا أن نضرب عنها صفحا لعدم صحتها، فلا نوردها) - ثم إن السيدة «زينب بن جحش» - رضى الله عنها- ابنه عمته، ويعرفها مذ كانت طفلة حتى كبرت، وهو الذي زوّجها لمولاه زيد، وكان بإمكانه أن يتزوجها قبل أن يزوجها زيدا. فغير معقول- والحال كما ذكر- أن يزوجها لغيره ثم يرغب فيها.
والحق فى المسألة ما سيذكره الشيخ ابن عجيبة بعد، نقلا عن الشيخ عبد الرحمن الفاسى من أن المعنى: وتُخفي في نفسك ما اطلعت عليه من مفارقة زيد لها، وتزوجك إياها بعده
…
إلخ كلامه.
للمزيد راجع: الشفاء للقاضى عياض (2/ 878- 880) روح المعاني للألوسى، (22/ 24- 25) الإسرائيليات والموضوعات للدكتور محمد أبى شهبة (323- 328) .