الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الشّعراء
مكية، إلا قوله: وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ فإنها مدنية. وهى مائتان وسبع وعشرون آية. وفى الحديث:
«أعطيت طه والطواسين والحواميم من ألواح موسى» «1» عليه السلام أي: بدلها، كما فى حديث آخر. ومناسبتها لما قبلها: أنه لما ذكر تكذيب قريش وأوعدهم بلزوم العذاب، ذكر تلهف رسوله صلى الله عليه وسلم عليهم، حيث لم يؤمنوا حتى استوجبوا ذلك بقوله: لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ
…
الآية، ثم سلاه بما ذكر من قصص الأنبياء وتكذيب قومهم وإهلاكهم بأنواع العذاب، ثم افتتح السورة برموز بينه وبين حبيبه، كما هو شأنه حين يريد أن يقص عليه قصص من قبله، فقال:
[سورة الشعراء (26) : الآيات 1 الى 6]
بسم الله الرحمن الرحيم
طسم (1) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (2) لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَاّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (4)
وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَاّ كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (6)
يقول الحق جل جلاله: طسم أي: يا طاهر، يا سيد، يا محمد، أو: أيها الطاهر السيد المجيد. وقال الواحدي: أقسم تعالى بطَوله وسنائه وملكه، والمقسم عليه: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ
…
إلخ. تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ أي: ما نسرده عليك في هذه السورة وغيرها من الآيات، هي آيات الكتاب، أي: القرآن المبين، أي: الظاهر إعجازه، وأنه من عند الله، على أنه من أبان، بمعنى بان، أو: المبين للأحكام الشرعية والحِكَم الربانية، أو: الفاصل بين الحق والباطل. وما في الإشارة من معنى البُعد للتنبيه على بُعد منزلة المشار إليه في الفخامة ورفعة القدر.
ثم شرع في تسليته بقوله: لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أي: قاتل نفسك. قال سَهْلٌ: تهلك نفسك باتباع المراد في هدايتهم وإيمانهم، وقد سَبق مني الحُكم بإيمان المؤمنين وكفر الكافرين، فلا تبديل ولا تغيير. و «لعل» : للإشفاق،
(1) أخرجه مطولا، البيهقي فى السنن (10/ 9)، والحاكم فى المستدرك (1/ 568) عن معقل بن يسار. وفيه «عبد الله بن أحمد» . قال الذهبي: تركوا حديثه.
أي: أشفق على نفسك أن تقتلها حسرة على ما فاتك من إسلام قومك أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ أي: لعدم إيمانهم بذلك الكتاب المبين، إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً، هو تعليل لِما قبله من النهي عن التحسر ببيان أن إيمانهم ليس مما تعلقت به المشيئة، فلا وجه للطمع فيه والتألم من فواته، والمفعول محذوف، أي: إن نشأ إيمانهم ننزل عليهم من السماء آية ملجئة لهم إلى الإيمان، قاهرة لهم عليه، فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ منقادين.
والأصل: فظلوا لها خاضعين، فأقمحت الأعناق لزيادة التقرير ببيان موضع الخضوع، وترك الخبر على حاله من جمع العقلاء. وقيل: لمَّا وصفت الأعناق بصفة العقلاء أجريت مجراهم، كقوله تعالى: رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ «1» . وقيل: المراد بالأعناق: الرؤساء ومقدمو الجماعة، وقيل: الجماعة، من قولهم: جاءنا عنق من الناس، أي: فوج. وقرئ: خاضعة، على الأصل.
وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ، هذا بيان لشدة شكيمتهم وعدم ارعوائهم عما كانوا عليه من الكفر والتكذيب لصرف رسوله صلى الله عليه وسلم عن الحرص على إسلامهم، وقطع رجائه فيهم على الجملة، قال القشيري: أي: ما نُجَدِّد لهم شَرْعاً، أو نرسل رسولاً إلا أعرضوا عما دلّ برهانه عليه، وقابلوه بالتكذيب، فلو أنهم أنعموا النظرَ في آياتهم، لا تضح لهم صدقهم، ولكن المقسوم من الخذلان في سابق الحُكْمِ يمنعهم من الإيمان والتصديق. هـ.
والتعرض لعنوان الرحمة لتغليظ شناعتهم، وتهويل جنايتهم فإن الإعراض عما يأتيهم من جنابه عز وجل على الإطلاق شنيع قبيح، وعما يأتيهم بموجب الرحمة، لمحض منفعتهم، أشنع وأقبح، أي: ما يأتيهم من موعظة من المواعظ القرآنية، أو من طائفة نازلة من القرآن تُذكّرهم أكمل تذكير، وتنبهُهم من الغفلة أتم تنبيه، بمقتضى رحمته الواسعة، إلا جددوا إعراضاً عنه على وجه التكذيب والاستهزاء إصراراً على ما كانوا عليه من الكفر والضلال.
فَقَدْ كَذَّبُوا بالذكر الذي يأتيهم تكذيباً مقارناً للاستهزاء، فَسَيَأْتِيهِمْ أي: فسيعلمون أَنْبؤُا أي:
أخبار ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ، وأنباؤه: ما يحيق بهم من العقوبات العاجلة والآجلة، عبّر عنها بالأنباء إما لكونها مما أنبأ بها القرآن الكريم، وإما لأنهم، بمشاهدتها، يقفون على حقيقة القرآن الكريم، كما يقفون على الأحوال الخافية عنهم، باستماع الأنباء. وفيه تهويل: لأن الأنباء لا تُطلق إلا على خبر خطير له وقع كبير، أي: فسيأتيهم لا محالة مِصداق ما كانوا يستهزؤون به، إما في الدنيا، كيوم بدر وغيره من مواطن الحتُوف، أو يوم القيامة. والله تعالى أعلم.
(1) من الآية 4 من سورة يوسف.