الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المصحف. إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ استثناء من النساء لأنه يتناول الأزواج، وقيل: منقطع، أي: لكن ما ملكت يمينك، فيحل لك ما شئت، وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً حافظاً ومُطلعاً. وهو تحذير عن مجاوزة حدوده.
والله تعالى أعلم.
الإشارة: مَن نكح أبكار الحقائق العرفانية ودخل بأسرار العلوم اللدنية، لا يحل له أن ينكح ثيبات نساء العلوم الرسمية، ولا أن يتبدل بما عنده من المواهب الربانية، بغيرها من العلوم اللسانية، ولو أعجبك حُسنها ورونقها- على الفرض والتقدير- إذ التنزُّل إليها بطالة عند المحققين، إلا ما كنت تملكه قبل علم الحقيقة، فلا بأس أن تنزل إلى تعليمه وإفادته، إن توسعت في علم الباطن، وصرت من الأغنياء الكبار، تُنفق كيف تشاء، فلا يضرك حينئذ التنزُّل إلى علم الظاهر. وقد كان شيخ شيوخنا سيدي يوسف الفاسى رضي الله عنه عنده مجلسان مجلس لأهل الظاهر، ومجلس لأهل الباطن. فإن كان في مجلس الظاهر، وجاء إليه أحد من الفقراء، يقول: اذهب حتى نأتي إلى مجلسكم، وإن كان في مجلس أهل الباطن، وجاء إليه أحد من أهل الظاهر، قال: اذهب حتى نأتي إليكم. وكان له هذا بعد الرسوخ في علم الحقيقة. وبالله التوفيق.
ولمّا أو لم- عليه الصلاة والسلام على زينب، جلس قوم فى بيته يتحدثون، فأنزل الله تعالى فى شأنهم:
[سورة الأحزاب (33) : الآيات 53 الى 54]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً (53) إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (54)
يقول الحق جل جلاله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ وكانت تسعاً، إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ أي: إلا وقت أن يُؤذن لكم، أو: إلا مأذوناً لكم، فجملة:(إلا أن يُؤذن) : في موضع الحال، أو الظرف. و (غير ناظرين) : حال من (لا تدخلوا) ، وقع الاستثناء على الوقت والحال، كأنه قيل: لا تدخلوا بيوت
النبي إلا وقت الإذن، ولا تدخلوها إلا غَيْرَ ناظِرِينَ أي: منتظرين إِناهُ أي: إدراكه ونضجه. قال ابن عزيز: إِناهُ: بلوغ وقته، يقال: أنِيَ يَأنَى، وآن يئين: إذا شهى، بمنزلة: حان يحين. هـ. وقال الهروي: أي:
غير ناظرين نضجه وبلوغ وقته، مكسور الهمزة مقصور، فإذا فتحت مددت، فقلت: الإناء، أي غير ناظرين وقت الطعام وساعة أكله.
رُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم أو لّم على زينب بتمر وسويق، وذبح شاةً، وأمر أنساً أن يدعوا الناس، فترادفوا أفواجاً، يأكل كل فوج، فيخرج، ثم يدخل فوج، إلى أن قال: يا رسول الله دعوتُ حتى ما أجد أحداً أدعوه. فقال: «أرفعوا طعامكم» وتفرّق الناس، وبقي ثلاثة نفر يتحدثون، فأطالوا، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرجوا، فطاف بالحجرات، وسلّم عليهن، ودعون له، ورجع، فإذا الثلاثة جلوس يتحدثون. وكان صلى الله عليه وسلم شديد الحياء، فتولى، فلما رأوه متولياً خرجوا، فنزلت الآية، وهي آية الحجاب. قال أنس: فضرب بيني وبينه الحجاب «1» .
قال تعالى: وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا، فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا: تفرقوا، وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ أي: ولا تدخلوها حال كونكم مستأنسين لحديث، أو: غير ناظرين ولا مستأنسين، فهو منصوب، أو مجرور، عطف على «ناظرين» ، نُهوا أن يُطيلوا الجلوس في بيته صلى الله عليه وسلم مستأنسين بعضهم ببعض، لأجل حديث يتحدثون به، إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ من إخراجكم وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، يعني أن إخراجكم حق، ما ينبغي أن يُستحى منه، ولا يُترك بيانه، حياءً، أو: لا يأمر بالحياء في الحق، ولا يَشرع ذلك.
وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ أي: نساء النبي صلى الله عليه وسلم، بدلالة البيوت عليهن لأن فيها نساءه، مَتاعاً عارية أو حاجة، فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ستر، ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ من خواطر الشيطان وعوارض الفتن. وكانت النساء قبل هذه الآية يبرزن للرجال، وكان عمر رضي الله عنه يُحب ضَرْبَ الحجاب عليهن، ويودّ أن ينزلَ فيه، وقال: يا رسول الله: يدخل عليك البرّ والفاجر، فلو أمرتَ أمهاتِ المؤمنين بالحجاب؟ فنزلت «2» .
وقيل: إنه عليه الصلاة والسلام، كان يَطعمَ ومعه بعض أصحابه، فأصابت يدُ رجلٍ يدَ عائشة، فكَرِهَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذلك فنزلت الآية «3» . والله تعالى أعلم.
(1) أخرجه البخاري فى (التفسير، سورة الأحزاب، ح 4793) وفى (الاستئذان) ، ومسلم فى (النكاح، باب زواج زينب بنت جحش 2/ 1052، ح 95 من كتاب النكاح) من حديث سيدنا أنس رضي الله عنه.
(2)
أخرجه البخاري فى (التفسير، باب: واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى، ح 4483) . عن أنس رضي الله عنه.
(3)
أخرجه الطبري فى التفسير (22/ 39) والواحدي فى أسباب النزول (ص 374) عن مجاهد، مرسلا. [.....]
الإشارة: العلماء ومشايخ التربية ورثة الأنبياء، فإذا دَعوا إلى طعام فلا يدخل أحد حتى يُؤذن له، فإذا طعموا فلينتشروا، وإذا سأل أحدٌ حاجته من أهل دار الشيخ فليسأل من وراء الباب، وليتنحَّ عن مقابلة الباب لئلا يتكشف على عِرض شيخه، فيسيء الأدب معه، وهو سبب الخسران.
ثم نهى عن تزوج نساء النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:
وَما كانَ لَكُمْ
…
يقول الحق جل جلاله: وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ أي: ما صحَّ لكم إيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو كفر، وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً تعظيما لحرمته صلى الله عليه وسلم، ولبقاء عصمته عليهن، ولذلك وجبت نفقتهن بعده، لقوله:«ما بقي بعد نفقة أهلي صدقة» . وكذا السكنى كما قد علم، وبه قال ابن العربي.
وعَطفُ (ولا أن تنكحوا) على (أن تؤذوا) من عطف الخاص على العام إذ تزوج نسائه من أعظم الإيذاء. إِنَّ ذلِكُمْ أي: الإيذاء أو التزوُّج كانَ عِنْدَ اللَّهِ ذنباً عَظِيماً.
إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً من أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو نكاح أزواجه، أَوْ تُخْفُوهُ في أنفسكم، فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً، فيُعاقبكم عليه. رُوي أن رجلاً من الصحابة قال: لئن قُبض النبي صلى الله عليه وسلم لأنكحنَّ عائشة، فنزلت، فَحُرّمن «1» . وفيه نزلت: إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أي: من نكاح عائشة، أَوْ تُخْفُوهُ
…
إلخ. وكان- عليه الصلاة والسلام مَلَك قتيبة بنت الأشعث بن قيس، ولم يبنِ بها، فتزوجها عكرمة بن أبي جهل، بعد ذلك، فهمَّ به أبو بكر، وشقّ عليه، حتى قال له عمر: يا خليفة رسول الله، ليست من نسائه، ولم يُخيرها، ولم يحجبها، وقد برأها الله منه بالردة، حين ارتدت مع قومها، فسكن أبو بكر. وقال الزهري: إن العالية بنت ظبيان، التي طلق النبي صلى الله عليه وسلم تزوجت رجلاً وولدت له قبل أن يحرم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم «2» .
(1) ذكره الواحدي فى أسباب النزول (ص 374) بدون سند. وعزاه السيوطي فى الدر المنثور (5/ 404) لابن مردويه، عن ابن عباس رضي الله عنه.
(2)
أخرجه البيهقي فى الكبرى (7/ 73) عن يونس، عن ابن شهاب، بلاغا.