الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مرتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه، ثم آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، ورجل مملوك أدى حق الله وحق مواليه، ورجل كانت عنده أمة فأعتقها وتزوجها» «1» .
وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ يدفعون الخصلة القبيحة بالخصلة الحسنة، يدفعون الأذى بالسِلم، والمعصية بالطاعة. وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ يتصدقون، أو يزكون، وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ الباطل، أو الشتم من المشركين، أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا للاغين: لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ أمان منا عليكم، لا نقابل لغوكم بمثله، لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ لا نريد مخالطتهم وصحبتهم، أو: لا نبتغي دين الجاهلين، أو محاورة الجاهلين وجدالهم، أو: لا نريد أن نكون جهالاً.
وفي السَير: أن أصحاب النجاشي لَمَّا كلمهم جعفر رضي الله عنه في مجمع النجاشي، بَكَوْا، ووقر الإسلام في قلوبهم، فقدِموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فقرأ عليهم القرآن، فأسلموا، وقالوا: آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا.. الآية. فلما خرجوا من عنده صلى الله عليه وسلم استقبلتهم قريش فسبوهم، وقالوا: ما رأينا قوماً أحمق منكم، تركتم دينكم لمجلس ساعة مع هذا الرجل، فقالوا لهم: سَلامٌ عَلَيْكُمْ.. إلخ «2» .
الإشارة: مَنْ تَحَمَّلَ من العلماء مشقة تَحَمُّلِ العلمِ الظاهر، ثم ركب أهوال النفس ومحاربتَها في تحصيل العلم الباطن، فهو ممن يؤتى أجره مرتين، وينال عز الدارين ضعفين بسبب صبره على العِلْمَيْن، وارتكاب الذل مرتين، إذا اتصف بما اتصف به أولئك، بحيث يدرأ بالحسنة السيئة، وينفق مما رزقه الله من الحس والمعنى، كالعلوم والمواهب، ويعرض عن اللغو- وهو كل ما يشغل عن شهود الله- ويحلم عن الجاهل، ويرفق بالسائل. وبالله التوفيق.
ولما حرص صلى الله عليه وسلم على إسلام عمه، نزل:
[سورة القصص (28) : آية 56]
إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56)
(1) أخرجه البخاري فى (العلم، باب تعليم الرجل أمته وأهله ح 97) ، ومسلم فى (الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس، 1/ 134، ح 241) من حديث أبى موسى الأشعري رضي الله عنه. [.....]
(2)
عزاه ابن كثير فى تفسيره (3/ 394) لمحمد بن إسحاق فى السيرة.
يقول الحق جل جلاله: إِنَّكَ يا محمد لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ، أي: لا تقدر أن تُدخل في الإسلام كل من أحببت أن يدخل من قومك وغيرهم، يعني: أن خاصية الهداية خاصة بالربوبية، وخاصية الربوبية لا تكون لمخلوق، ولو كان أكمل الخلق. وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ يخلق الهداية في قلب من يشاء، وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ بمن يختار هدايته ويقبلها.
قال الزجاج: اجمع المفسرون أنها نزلت في أبي طالب، وذلك أنه قال عند موته: يا معشر بني هاشم صدقوا محمداً تُفلحوا، فقال صلى الله عليه وسلم:«يا عَمّ تأمُرُهُم بالنَّصِيحة لأنفسهم، وتَدعُها لنفسك!» فقال: ما تريد يا ابن أخي؟
فقال: «أُريدُ منك أن تقُول: لا إله إلا الله، أشْهَدُ لَكَ بِهَا عند اللَّهِ» . فقال: يا ابن أخي أنا قد علمت أنك صادق، ولكن أكره أن يقال جزع عند الموت. هـ. وفي رواية قال:(لولا أن تُعيرني نساء قريش، ويقلن: إنه حملني على ذلك الجزع، لأقررتُ بها عينك)«1» . وفي لفظ آخر عند البخاري: قال له: «يا عم، قُل: لا إله إلا الله، أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عند الله» . فقال أبو جهل وعبد الله بن أمية: يا أبا طالب، أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فقال: بل على ملّة عبد المطلب، فنزلت الآية «2» .
وفيها دليل على المعتزلة لأنهم يقولون: الهدى هو البيان، وقد هدى الله الناس أجمع، ولكنهم لم يهتدوا بسوء اختيارهم، فدلت الآية على أن وراء البيان ما يسمى هداية وهو خلق الاهتداء، وإعطاء التوفيق والقدرة على الاهتداء. وبالله التوفيق.
الإشارة: الآية ليست خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، بل هي عامة لكل من يريد الهداية لأحد من خاصته، كتب شيخ أشياخنا، سيدي «أحمد بن عبد الله» ، إلى شيخه، سيدي «أحمد بن سعيد الهبري» يشكو له ابنه حيث لم ير منه ما تَقَرُّ بِهِ عينه، فكتب إليه: أخبرني: ما الذي بَنَيْتَ فيه؟ دع الدار لبانيها، إن شاء هدمها وإن شاء بناها. هـ. وفي اللباب- بعد كلام-: قد رضي الله على أقوام في الأزل، فاستعملهم في أسباب الرضا من غير سبب، وسَخِطَ على أقوام في الأزل، فاستعملهم في أسباب السَّخَطِ بلا سبب. فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ «3» الآية.
(1) أخرجه مسلم فى (الإيمان، باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت، 1/ 55، ح 42) من حديث أبى هريرة رضي الله عنه.
(2)
أخرجه البخاري فى (التفسير- سورة القصص، ح 4772) ، ومسلم فى الموضع السابق ذكره (1، 54، ح 39) ، من حديث سعيد ابن المسيب رضي الله عنه.
(3)
الآية 125 من سورة الأنعام.