الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة الروم (30) : الآيات 37 الى 39]
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (37) فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (38) وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39)
يقول الحق جل جلاله: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ أي: يضيق على من يشاء، فينبغي للعبد أن يكون راجياً ما عند الله، غير آيس من روح الله إذ دَوَامُ حَالٍ من قضايا المحال، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ فيستدلون بها على كمال قدرته وحكمته، ولا يقفون مع شيء دونه. قال النسفي: أنكر عليهم بأنهم قد علموا أنه القابض الباسط، فما لهم يقنطون من رحمته؟ وما لهم لا يرجعون إليه، تائبين من معاصيهم، التي عوقبوا بالشدّة من أجلها، حتى يعيد عليهم رحمته؟
ولما ذكر أنّ السيئة أصابتهم بما قدمت أيديهم، أتبعه ذكر ما يحب أن يفعل وما يجب أن يترك، يعني: عند البسط فقال: فَآتِ ذَا الْقُرْبى أعطِ قريبك حَقَّهُ من البر والصلة مما بسط عليك. وَأعط الْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ حقهما من الصدقة الواجبة أو التطوعية، حسبما تقتضيه مكارم الأخلاق. والخطاب لمن بسط عليه، أو: للنبى- عليه الصلاة والسلام، وغيره تبع. ذلِكَ أي: إيتاء حقوقهم الواجبة، والتطوعية، خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ أي: ذاته المقدسة، أي: يقصدون، بمعروفهم، إياه، خالصاً. وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الفائزون بكل خير، قد حَصَّلوا، بما بسط لهم، النعيم المقيم.
وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ أي: وما أعطيتم من مال لتأخذوا من أموال الناس أكثر منه، كَيْفِيَّةً أو كَمِّيَّةً، فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ ولا يبارك فيه، بل يُسحته ويمحقه، ولو بعد حين. وهذه صورة الربا المحرمة إجماعاً، وقيل: وما أعطيتم من هدية لتأخذوا أكثر منها، فلا يربو عند الله، لأنكم لم تقصدوا به وجه الله.
وهذه هدية الثواب، جائزة، إلا في حقه- عليه الصلاة والسلام لقوله تعالى: وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ «1» . وقرأ ابن كثير: «أتيتم» بالقصر، بمعنى ما جئتم به من إعطاء ربا. وقرأ نافع «3» :«لتُرْبُوا» بالخطاب، أي: لتصيروا [ذَوِي]«2» ربا، فتزيدوا فى أموالكم.
(1) الآية 6 من سورة المدثر.
(2)
فى الأصول [ذا] .
(3)
وكذا قرأ أبو جعفر ويعقوب. وقرأ الباقون بياء الغيب وفتحها. انظر الإتحاف (2/ 357) .
وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ صدقة، تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ تبتغون به وجهه خالصاً، لا تطلبون به زيادة، ولا مكافأة، ولا سمعة، فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ أي: ذوو الأَضْعَافِ من الحسنات، من سبعمائة فأكثر. ونظير المُضْعِفِ: المقوي، والموسر، لذي القوة واليسار. والالتفات إلى الخطاب في (أولئك
…
) إلخ في غاية الحسن لما فيه من التعظيم، كأنه خاطب الملائكة وخواص الخلق تعريفاً بحالهم، وتنويهاً بقدرهم، ولأنه يفيد التعميم، كأنه قيل: مَنْ فَعَلَ هذا فسبيله سبيل المخاطبين المقبول عليهم. ولا بد من ضمير يعود إلى «ما» الموصولة، أي:
المضعفون به. أو: فَمُؤْتُوه أولئك هم المضعفون. وقال الزجاج: أي: فأهلها هم المضعفون، أي: يضاعف لهم الثواب، من عشر إلى سبعمائة. والله تعالى أعلم.
الإشارة: البسط والقبض يتعاقبان على العبد تَعَاقُبَ الليل والنهار. فالواجب على العبد: الرجوعُ إلى الله في السراء والضراء، فالبسط يشهد فيه المنّة من الله، ومقتضى الحق منك الحمدُ والشكر. والقبض يشهده من الله امتحاناً وتصفية، ومقتضى الحق منك الصبرُ والرضا، وانتظار الفرج من الله فإن انتظار الفرج، مع الصبر، عبادة. قال القشيري: الإشارة إلى ألا يُعلِّق العبدُ قلبَه إلا بالله لأن ما يسوءهم ليس زواله إلا من الله، وما يسرهم ليس وجودُه إلا من الله. فالبسطُ، الذي يسرهم ويؤنسهم منه، وجوده، والقبض، الذي يسوءهم ويوحشهم منه، حصولُه. فالواجب: لزوم [عهوده بالإسرار]«1» ، وقطعُ الأفكار عن الأغيار. هـ.
وقال في قوله: فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ: القرابة على قسمين قرابةُ النسب وقرابةُ الدين، وهي أمسُّ، وبالمواساة أحقّ. وإذا كان الرجلُ مشتغلا بالعبادة، غيرُ متفرَغ لطلب المعيشة، فالذي له إيمان بحاله، وإشرافٌ على وقته، يجب عليه أن يقوم بشأنه، بقدر ما يمكنه، مما يكون له عونٌ على طاعته، مما يشوش قلبه، من حديث عياله، فإن كان اشتغال الرجل بشيء من مراعاة القلب فحقّه آكد، وتَفَقُّدَه أوْجَب، ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ، والمريدُ هو الذي يُؤْثِرُ حقَّ الله على حظِّ نَفْسِه. فإيثارُ الإخوان، لمن يريد وجه الله، أتمُّ من مراعاة حال نفسه، فهمّه بالإحسان لذوي القربى والمساكين يتقدم على نظره لنفسه وعَيْلَتِهِ، وما يهمه من نصيبه. هـ.
وقال في قوله: يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ: لا تستخدم الفقير بما تُريده به من رفق، بل أفضل الصدقة على ذي رَحمٍ كاشح، أي: قاطع حتى يكون إعطاؤُه لله مجرداً عن كل نصيبٍ لَكَ. فهؤلاء هم الذين يتضاعِفُ أجِرْهم بمجاهدتهم [لنفوسهم]«2» ، حيث يخالفونها، وفوزهم بالعِوَضِ من قِبَل الله. ثم الزكاة هي التطهير، فتطهيرُ المال
(1) فى القشيري [عقوة الأسرار] .
(2)
فى الأصول [لنفسهم] .