الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المحاضرة، والمقتصد: صاحب المكاشفة، والسابق: صاحب المشاهدة. وبعضهم قال: يراه الظالم في الآخرة في كل جمعة، والمقتصد: في كل يوم مرة، والسابق: غير محجوبٍ عنه أَلْبتة. هـ. باختصار.
والتحقيق: أن الأقسام الثلاثة تجري في كل من العارفين، والسائرين، والعلماء، والعُبّاد، والزهّاد، والصالحين.
إذ كل فن له بداية ووسط ونهاية. ذلك السبق إلى الله هو الفضل الكبير، جنات المعارف يدخلونها، يُحلَّون فيها فيها من أساورَ من ذهب، وهي الأحوال، ولُؤلؤاً، وهي المقامات، ولباسهم فيها حرير، وهي خالص أعمال الشريعة ولُبها. وقالوا: الحمد للَّهِ الذى أَذْهَبَ عنا الحزَن إذ لا حزن مع العيان، ولا أغيار مع الأنوار، ولا أكدار مع الأسرار، ما تجده القلوب من الأحزان فلما مُنعت من العيان. ولابن الفارض رضي الله عنه في وصف الخمرة:
وإِنْ خَطَرَتْ يوما علَى خاطر امرئ
…
أقامتْ بها الأفراحُ وارْتحَلَ الهَمُّ
وقال أيضاً:
فما سكَنتْ والهمَ يوماً بموضِعٍ،
…
كذلك لم يسكُنْ مع النَّغَم الغَم «1»
إِنَّ ربنا لغفور بتغطية العيوب، شكور بكشف الغيوب، الذي أحلّنا دار المُقامة، هي التمكين في الحضرة، بفضله، لا بحول منا ولا قوة، لا يمسنا فيها نصب. قال القشيري: إذا أرادوا أن يَرَوْا مولاهم لا يحتاجون إلى قَطْعِ مسافةٍ، بل هم في غُرَفِهم يشاهدون مولاهم، ويُلَقَّون فيها تحيةَ وسلاماً، وإذا رأوه لا يحتاجون إلى تحديق مُقلةٍ من جهةٍ، كما هم يَرَوْنه بلا كيفية. هـ.
ثم ذكر أضدادهم، فقال:
[سورة فاطر (35) : الآيات 36 الى 37]
وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37)
(1) فى الأصول الخطية: [كذلك لا يسكُنْ مع النعم الغم] .
قلت: «فيموتوا» : جواب النفي.
يقول الحق جل جلاله: وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ، يُخلدون فيها، لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا أي: لا يحكم بموت ثان فيستريحوا، وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها ساعة، بل كلما خبت زِيد إسعارها، وهذا مثل قوله: لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ «1» ، وذكر عياض انعقاد الإجماع على أن الكفار لا تنفعهم أعمالهم، ولا يُثابون عليها. ولا تخفيف عذاب. وقد ورد في الصحيح سؤال عائشة عن ابن جدعان، وأنه كان يصل الرحم، ويطعم المساكين، فهل ذلك نافعُه، فقال عليه السلام:«لا، فإنه لم يقل يوماً: رب اغفر لي خطيئتي يومَ الدين» . ثم قال عياض: ولكن بعضهم يكون أشد عذاباً، بحسب جرائمهم.
وذكر أبو بكر البيهقي: أنه يجوز أن يراد بما ورد في الآيات والأخبار من بطلان خيرات الكفار: أنهم لا يتخلصون بها من النار، ولكن يُخفف عنهم ما يستوجبونه بجناية سوى الكفر، ودافعه المازري. قال شارح الصغاني بعد هذا النقل: وعلى ما قاله عياض، فما ورد في أبي طالب من النفع بشفاعته صلى الله عليه وسلم، بسبب ذبِّه عنه ونصرته له، مختص به. هـ. ويرد عليه ما ورد من التخفيف في حاتم بكرمه، فالظاهر ما قاله البيهقي. والله أعلم.
ومثل ما قاله في أبي طالب، قيل في انتفاع أبي لهب بعتق ثويبة، كما في الصحيح «2» .
والحاصل: أن التخفيف يقع في بعض الكفار، لبره في الدنيا، تفضلاً منه تعالى، لا في مقابلة عملهم لعدم شرط قبوله. انظر الحاشية.
كَذلِكَ أي: مثل ذلك الجزاء الفظيع، نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ مبالغ في الكفران وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها: يستغيثون، فهو يفتعلون، من: الصراخ، وهو الصياح بجهد ومشقة. فاستعمل في الاستغاثة لجهر صوت المستغيث. يقولون: رَبَّنا أَخْرِجْنا منها، ورُدنا إلى الدنيا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ، فنؤمن بعد
(1) من الآية 75 من سورة الزخرف.
(2)
كانت السيدة (ثويبة) مولاة لأبى لهب، عم الرسول صلى الله عليه وسلم، فأعتقها حين بشرته بمولد النبي صلى الله عليه وسلم على أصح الأقوال- حين قالت لأبى لهب:
أشعرت أن آمنة قد ولدت غلاما لأخيك عبد الله، فقال لها: اذهبي فأنت حرة. ويؤكد ذلك ما أخرجه الإمام البخاري فى (النكاح، باب وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ ح 5101) عن عروة بن الزبير «أن ثوبية مولاة أبى لهب، وكان أبو لهب أعتقها، فأرضعت النبي صلى الله عليه وسلم، فلما مات أبو لهب، أريه بعض أهله بشر حيبة. قال له: ماذا لقيت؟ قال أبو لهب: لم ألق بعدكم [راحة- رخاء] غير أنى سقيت فى هذه بعتقي ثويبة» وأشار إلى النقيرة التي بين الإبهام والتي تليها من الأصابع.
وقد نظم شمس الدين محمد بن ناصر فى هذا المعنى شعرا، قال فيه:
إذا كان هذا كافرا جاء ذمه
…
وتبت يداه فى الجحيم مخلدا
أتى أنه فى يوم الاثنين دائما
…
يخفف عنه للسرور بأحمدا
فما الظن بالعبد الذي كان عمره
…
بأحمد مسرورا ومات موحدا
انظر: شرح المواهب (1/ 138- 139) وأيضا: الطبقات الكبرى لابن سعد (1/ 108) وكتاب «أعظم المرسلين» لشيخنا البركة الدكتور «جودة المهدى» (177- 79) .