الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدينية أو النَّسَبِيَّةِ. أو بيوتاً فارغة، أو مسجداً، بأن تقولوا: السلام عليكم، أو السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، إن كانت خاوية. تَحِيَّةً، مَنْ نَصَبَ فعلى المصدر لِسلِّمُوا لأنها في معنى تسليماً، مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أي: بأمره مشروعه من لدنه، أو لأنها طلب للسلامة، وهي بيد الله، مُبارَكَةً: مستتبعة لزيادة الخير والثواب ودوامهما، طَيِّبَةً: تطيب بها نفس المستمع. وعن أنس رضي الله عنه أنه- عليه الصلاة والسلام قال: «من لقيت أحداً من أمتي فسلم عليه، يَطُلْ عُمْرُكَ. وإذا دخلت بيتك فسلم عليهم يكْثُرُ خَيْرُ بَيْتِك، وصل صلاة الضحى فإنها صلاة الأبرار الأوابين» «1» .
كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ، تكرير لتأكيد الأحكام المختتمة وتفخيمها، لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ: لكي تعقلوا ما في تضاعيفها من الشرائع والأحكام، وتعملوا بموجبها، فتفوزوا بسعادة الدارين. والله تعالى أعلم.
الإشارة: السلام على النفس: هو طلب الأمان لها ومنها، فإذا سَلِمَت النفس من موجبات الغضب من الله، سَلِمَ صاحبها منها، قال القشيري: السلامُ: الأمانُ، فسبيل المؤمن إذا دخل بيتاً أن يُسلِّمَ مِنَ الله على نَفْسه، يعني: بأن يقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وأن يطلب السلامة والأمان من الله تعالى، لِتسْلَمَ نَفْسُه من الإقدام على ما لا يرضي الله، إذ لا يحل لمُسلم أن يفْتُرَ لحظة عن الاستجارة بالله، بأن لا يرفع عنه ظل عصمته بإدامة حِفظهِ من الاتصاف بمكروه الشرع. هـ.
ولمّا تكلم على الاستئذان فى الدخول، تكلم على الاستئذان فى الخروج، إذا كان مع كبير القوم، فقال:
[سورة النور (24) : آية 62]
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62)
يقول الحق جل جلاله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، إنما ذكر الإيمان بالله ورسوله في حيز الصلة للموصول الواقع خبراً للمبتدأ، مع تضمنه له تقريراً لِمَا قبله، وتمهيداً لما بعده، وإيذاناً بأن ما بعده حقيق بأن يُجْعَلَ قريناً للإيمان بهما ومنتظماً في سلكه.
(1) أخرجه مطولا، البيهقي فى شعب الإيمان (ح 8758) ، وزاد المناوى عزوه فى الفتح السماوي (2/ 879) للثعلبى والجرجاني فى تاريخ جرجان، وسنده ضعيف.
وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ: عَطْفٌ على (آمنوا) ، دَاخِلٌ في حيز الصلة، أي: إنما الكاملون في الإيمان: الذين آمنوا بالله ورسولِه عن صميم قلوبهم، وأطاعوه في جميع الأحكام والأحوال المطردة الوقوع، والأحوال الواقعة بحسب الاتفاق، كما إذا كانوا معه- عليه الصلاة والسلام على أمر مُهم يجب الاجتماع في شأنه كالجمعة، والأعياد، والجهاد، وتدريب الحروب، وغيرها من الأمور الداعية إلى الاجتماع، لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ، ويأذن لهم، ولو كان الأمر يقوم بدونهم، ليتميز المخلص من المنافق، فإن دَيْدنه التسلل للفرار، ولتعظيم الجرم لما في الذهاب بغير إذنه صلى الله عليه وسلم من الخيانة.
وَلَمَّا أراد الحقُّ تعالى أَنْ يُرِيَهُمْ عِظَمَ الجنايةِ في ذهاب الذاهب عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير إذنه، إذا كانوا معه على أمر جامع، جعل ترك ذهابهم والصبر معه، حتى يأذن لهم: ثالث الإيمان، وجعل الإيمان برسوله كالسبب له، والبساط لذكره، وذلك مع تصدير الجملة ب «إنما، ثم عقبة بما يزيده توكيداً وتشديدا حيث أعاده على أسلوب آخر، فقال: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، فقضَى بأن المستأذنين هم المؤمنون خاصة. وفي «أولئك» : من تفخيم المستأذنين، ما لا يخفى، فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ في الانصراف لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ أي: أمرهم المهم وخطْبهم الملم. فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ لما علمت في ذلك من مصلحة وحكمة.
وهذا بيان لما هو وظيفته صلى الله عليه وسلم في هذا الباب، إثر بيان ما هو وظيفة المؤمنين، وأن الإذن منه- عليه الصلاة والسلام ليس بأمر محتوم، بل هو مفوّض إلى رأيه عليه الصلاة والسلام، وفيه مِنْ رَفْع شأنه صلى الله عليه وسلم ما لا يخفى.
والفاء: لترتيب ما بعدها على ما قبلها، أي: بعد ما تحقق أن الكاملين في الإيمان هم المستأذِنُون.
فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ، فإن الاستئذان، وإن كان لعذر، فقد لا يخلو من شائبة تقديم أمر الدنيا على أمر الآخرة، ففيه دليل على أن الصبر وترك الاستئذان أفضل. إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ مبالغ في غفران فَرَطَاتِ العباد، وفى إفاضة آثار الرحمة عليهم.
وما ذكره الحق تعالى في شأن الصحابة مع الرسول- عليه الصلاة والسلام في شأن الاستئذان ينبغي أن يكون كذلك مع أئمتهم ومقدّميهم في العلم والدين، لا يتفرقون عنهم إلا بإذن. والآية نزلت في الخندق، كان المنافقون يرجعون إلى منازلهم من غير استئذان، فنزلت «1» . وبقي حكمها عاماً إلى يوم القيامة. والله تعالى أعلم.
(1) عزاه السيوطي فى الدر المنثور (5/ 110) لابن إسحاق وابن المنذر، والبيهقي فى الدلائل، عن عروة ومحمد بن كعب القرظي.