الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نور الزوج غالباً- إذا كان ذا نور- فإن العِرْقَ نَزَّاعٌ، فيسرى ذلك في الفروع، فلا تكاد تجد أولاد أهل الزنا إلا زناة، ولا أولاد أهل العفة إلا أعِفَّاء، وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً «1» .
وفي الحديث: «إياكم وخَضْرَاءَ الدِّمَنِ، قيل: وما خضراء الدمن يا رسول الله؟ قال: المرأة الحسناء في المنبت السوء» «2» . قال ابن السكيت: شبهها بالبقلة الخضراء في دِمْنَةِ أرض خبيثة لأن الأصل الخبيث يحن إلى أصله، فتجيء أولادها لأصلها فى الغالب. فيجب على اللبيب- إن ساعفته الأقدار- أن يختار لزراعته الأرض الطيبة، وهي الأصل الطيب، لتكون الفروع طيبة. وفي الحديث:«تخيَّرُوا لنطفكم ولا تضعوها إلاّ في الأَكْفَاءِ» «3» هـ وبالله التوفيق.
ثم ذكر حدّ القذف، فقال:
[سورة النور (24) : الآيات 4 الى 5]
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (4) إِلَاّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)
قلت: «ثمانين» : مفعول مطلق، و «جلَدة» : تمييز. «إلا الذين تابوا» : إما: استثناء من ضمير «لهم» ، فمحله:
الجر، او: من قوله: «الفاسقون» ، فمحله: النصب لأنه بعد مُوجَبٍ تام.
يقول الحق جل جلاله، في بيان شأن العفائف، بعد بيان شأن الزواني: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أي: يقذفون بالزنا الْمُحْصَناتِ الحرائر العفائف المسلمات المكلفات، بأن يقول: يا زانية، أو: يا مُحبة، ولا فرق بين التصريح والتعريض، ولا بين النساء والرجال، قاذفاً أو مقذوفاً. والتعبير بالرمي، المنبئ عن صلابة الآلة، وإيلام المرمى، وبعده عن الرامي إيذان بشدة تأثيره فيهن، وكونه رجماً بالغيب. والتعبير بالإحصان يدل على أن رميهن إنما كان بالزنا، لا غير.
(1) من الآية 58 من سورة الأعراف.
(2)
أخرجه الشهاب القضاعي، فى مسنده (957) ، والديلمي (الفردوس ح 1537) عن أبي سعيد الخدري. قال العجلونى، فى كشف الخفاء (1/ 272) : قال ابن عدى: تفرد به الواقدي، وذكره أبو عبيد فى الغريب. ورواه الدار قطنى فى الأفراد، وقال: لا يصح من وجه.
(3)
أخرجه بلفظ: «تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء» : ابن ماجة فى (النكاح، باب الأكفاء، 1/ 633، ح 1968) ، والبيهقي فى السنن (7/ 133) ، والدارقطني فى السنن (2/ 298)، من حديث السيدة عائشة رضى الله عنها. وأخرجه بلفظ المفسر: ابن عدى فى الكامل (2/ 614) ، والبغدادي فى تاريخ بغداد (1/ 264) ، وانظر كشف الخفا (1/ 302) .
ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ يشهدون عليهن بما رموهن به، وفي كلمة «ثم» إشارة إلى جواز تأخير الإتيان بالشهود، كما أن في كلمة «لم» : تحقق الإتيان بهم. وشروط إحصان القذف: الحرية، والعقل، والبلوغ، والإسلام، والعفة عن الزنا، فإن توفرت الشروط فَاجْلِدُوهُمْ أي: القاذفين ثَمانِينَ جَلْدَةً لظهور كذبهم وافترائهم لقوله تعالى: فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ «1» ، وتخصيص رميهن بهذا الحكم، مع أن رمي المحصنين أيضاً كذلك لخصوص الواقعة، وشيوع الرمي فيهن. والحدود كلها تشطر بالرق، فعلى العبد في الزنا خمسون، وفي القذف أربعون.
وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ بعد ذلك شَهادَةً أَبَداً زجراً لهم لأن رد شهادتهم مؤلم لقلبهم، كما أن الجلد مؤلم لبدنهم. وقد آذى المقذوف بلسانه، فعوقب بإهدار شهادته، جزاء وفاقاً. والمعنى: ولا تقبلوا منهم شهادة من الشهادات، حال كونها حاصلة لهم عند الرمي، أبداً، مدة حياتهم، فالرد من تتمه الحدّ، كأنه قيل: فاجلدوهم وردوا شهادتهم، أي: فاجمعوا لهم بين الجلد والرد. وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ، كلام مستأنف غير داخل في جزاء الشرط لأنه حكاية حال الرامي عند الله تعالى بعد انقضاء الجزاء، وما في اسم الإشارة من معنى البُعد للإيذان ببُعد منزلتهم في الشر والفساد، أي: أولئك هم المحكوم عليهم بالفسق، والخروج عن الطاعة، والتجاوز عن الحد، فإنهم المستحقون لإطلاق اسم الفاسق عليهم، دون غيرهم.
إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ القذف، وَأَصْلَحُوا أحوالهم، فهو استثناء من الفاسقين، بدليل قوله:
فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ أي: يغفر ذنوبهم ويرحمهم، ولا ينظمهم في سلك الفاسقين. فعلى هذا لا تُقبل شهادته مطلقاً فيما حدّ فيه وفي غيره لأن رد شهادته وُصلت بالأبد، وأما توبته فإنما تنفعه فيما بينه وبين الله، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، وهو قول ابن عباس وشريح والنخعي. وقيل: الاستثناء راجع لقوله: وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً، فإذا تاب وأصلح قبلت شهادته مطلقاً لأنه زال عنه اسم الفسق، والأبد عبارة عن مدة كونه فاسقاً، فينتهي بالتوبة، وبه قال الشافعي وأصحابه، وهو قول الشعبي ومسروق وابن جبير وعطاء وسليمان بن يسار. وفصل مالك، فقال:
لا تجوز فيما حدّ فيه، ولو تاب، وتجوز فيما سواه، وكأنه جمع بين القولين. والله تعالى أعلم.
الإشارة: الغض عن مساوئ الناس من أفضل القرب، وهو من شيم ذوي الألباب، وبه السلامة من الهلاك والعطَب، والتعرض لمساوئهم من أعظم الذنوب، وأقبح العيوب، ولله در القائل:
(1) من الآية 13 من سورة النور.