الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإشارة: من اعتمد على غير الله، أو ركن إلى شيء سواه، فهو مجرم عند الخصوص، وذلك الشيء الذي ركن إليه صنم في حقه، يتبرأ منه يوم القيامة، ويُبلس من نفعه، وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ: الآية.
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ فريقٌ هم أهل الوصلة، وفريق هم أهل القطعة، فريق في المنة، وفريق في المحنة، فريق في السرور، وفريق في الثبور، فريقٌ في الثواب، وفريق في العقاب، فريق في الفراق، وفريق فى التلاق. قاله القشيري. وإذا كان الأمر هكذا، فَجِدَّ، أيها المؤمن، في طاعة مولاك، وأَكْثِرْ من ذكره، صباحاً ومساء، وليلاً ونهارا لتنال ذلك الوعد، وَتَنْجَو من الوعيد، كما أبان ذلك بقوله:
[سورة الروم (30) : الآيات 17 الى 19]
فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ (19)
قلت: «فسبحان» : مصدر لمحذوف، أي: سبحوا سبحان. و (حين) : متعلق بذلك المحذوف، وجملة:(وله الحمد) : معترضة بين معطوفات الظروف. و (في السموات) : حال من الحمد، أي: وله، على عباده، الحمد كائناً في السموات.. الخ.
يقول الحق جل جلاله: فَسُبْحانَ اللَّهِ أي: فسبّحوا الله ونزّهوه تنزيهاً يليق به في هذه الأوقات التي تظهر فيها قدرته، وتجدد فيها نعَمه، وهي حِينَ تُمْسُونَ تدخلون فى السماء، وَحِينَ تُصْبِحُونَ تدخلون في الصباح. وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي: وله، على المميّزين كلّهم، من أهل السموات والأرض، أن يحمدوه، وَعَشِيًّا أي: وسبحوه عشياً آخر النهار، وَحِينَ تُظْهِرُونَ تدخلون في وقت الظهيرة.
قال البيضاوي: وتخصيص التسبيح بالمساء والصباح لأن آثار العظمة والقدرة فيهما أظهر، وتخصيص الحمد بالعشي- الذي هو آخر النهار، من عشى العين إذا نقص نورها- والظهيرة- التي هي وسطه لأن تجدد النعم فيها أكثر. ويجوز أن يكون عَشِيًّا معطوفا على حِينَ تُمْسُونَ، وقوله: وَلَهُ الْحَمْدُ.. إلخ- اعتراضاً. وعن ابن عباس: الآيةُ جامعة للصلوات الخمس، (تُمسون) : صلاتا المغرب والعشاء، (تصبحون) : صلاة الفجر، (وعشياً) : صلاة العصر، (وتُظهرون) : صلاة الظهر «1» . ولذلك زعم الحسن أنها مَدَنِيَّةٌ لأنه كان يقول:
(1) أخرجه ابن جرير فى التفسير (21/ 29) ، والطبراني فى الكبير (10/ 304 ح 10596) ، والحاكم فى المستدرك (2/ 401) ، وصححه، ووافقه الذهبي.
كان الواجب عليه بمكة ركعتين، في أي وقت اتفقت، وإنما فرضت الخمس بالمدينة. والأكثر على أنها فرضت بمكة. هـ.
ثم ذكر وجه استحقاقه للحمد والتنزيه بقوله: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ، الطائر من البيضة، والإنسان من النطفة، أو: المؤمن من الكافر، والعالم من الجاهل. وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ، البيضة من الطائر، والنطفة من الإنسان، أو: الكافر من المؤمن، والجاهل من العالم. وَيُحْيِ الْأَرْضَ بالنبات بَعْدَ مَوْتِها بيبسها، وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ، والمعنى: أن الإبداء والإعادة متساويان في قدرة مَن هو قادر على إخراج الحي من الميت، وعكسه.
رُوِي عن ابن عباس رضي الله عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ.. إلى الثلاث آيات، وآخر سورة الصافات: سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ.. إلخ.. دُبُرَ كُلّ صلاة، كتب له من الحسنات عدد نجوم السماء، وقطر الأمطار، وورق الأشجار، وتراب الأرض. فإذا مات أجرى له بكل لفظ عشر حسنات في قبره» «1» نقله الثعلبي والنسفي. وعنه- عليه الصلاة والسلام: «مَن قَالَ حِينَ يُصْبِحُ: فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ.. إلى قوله:
وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ أدرك ما فاته في يوْمِهِ، ومن قاله حين يُمْسِي أَدْرَكَ مَا فَاتَهُ فِي لَيْلَتِهِ» «2» . رواه ابو داود.
وقال الضحاك: من قال: فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ.. إلخ كان له كعدل مائتي رقبة من ولد إسماعيل. هـ.
زاد كعب: ولم يفته خَيْرٌ كان في يومه، ولا يدركه شر كان فيه. وإن قالها فى المساء فكذلك. وكان إبراهيم الخليل عليه السلام يقرأها ست مرات في كل يوم وليلة. هـ.
الإشارة: أما وجه الأمر بالتنزيه حين المساء والصباح فلأنَّ المجوس كانوا يسجدون للشمس في هذين الوقتين تسليماً وتوديعاً، فأمر الحق تعالى المؤمنين أن ينزهوه عمن يستحق العبادة معه، وأما العشي فلأنه وقت غفلة الناس فى جمع حوائجهم، وأما وقت الظهيرة فلأن جهنم تشتعل فيه كما في الحديث، وأمر بحمده والثناء عليه في كل وقت لما غمره من النِعَم الظاهرة والباطنة.
قال القشيري: فمن كان صباحُه بالله بُوركَ له في يومه، ومن كان مساؤه بالله بورك له في ليلته، وأنشدوا:
وإنَّ صَبَاحاً نلتقي في مسائه
…
صَبَاحٌ على قلب الغريب حبيب «3»
(1) انظر: تفسير النسفي (2/ 695) .
(2)
أخرجه أبو داود فى (الأدب، باب ما يقول إذا أصبح، 5/ 316، ح 5076) ، والطبراني فى الكبير (12/ 239 ح 12991)، وابن السّنّي فى عمل اليوم والليلة (ح 55) من حديث ابن عباس رضي الله عنه. قال الحافظ ابن كثير فى تفسيره (3/ 428) : إسناده جيد.
(3)
البيت: لإبراهيم بن المهدى، يذكر ابنه. انظر الكامل للمبرد (2/ 314)، وفيه: صباح إلى قلبى، الغداة، حبيبُ.