الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البخاري «1» . وقال ابن رشد: ليس بعد الشرك أقبح من الزنا لِما فيه من هتك الأعراض واختلاط الأنساب، ومن تاب فإن الله يتوب على من تاب. وبالله التوفيق.
وقوله تعالى: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ: قال في الإحياء: في الحديث: «خيار أمتي أَحِدَّاؤُهَا» «2» يعني: في الدين قال تعالى: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ، فالغيرة على الحُرَمِ، والغضب لله وعلى النفس، بكفها عن شهوتها وهواها، محمود، وفَقْدُ ذلك: مذمومٌ. هـ. وبالله التوفيق.
ثم نهى عن نكاح الزواني، فقال:
[سورة النور (24) : آية 3]
الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَاّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَاّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3)
يقول الحق جل جلاله: من شأن الزَّانِي الخبيث: أنه لا يرغب إلا في زانية خبيثة من شكله، أو في مشركة، والخبيثة المسافحة لا يرغب فيها إلا من هو من شكلها، من الفسقة أو المشركين. وهذا حُكْمٌ جار على الغالب المعتاد، جيء به لزجر المؤمنين عن نكاح الزواني، بعد زجرهم عن الزنا بهن إذ الزنا عديل الشرك في القبح، كما أن الإيمان قرين العفاف والتحصن، وهو نظير قوله: الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ «3» .
روي أن المهاجرين لَمَّا قدموا المدينة، وكان فيهم من ليس له مال ولا أهل، وبالمدينة نساء بغايا مُسافِحَات، يُكرين أنفسهن، وهُنَّ أخْصَبُ أهل المدينة، رغب بعضُ الفقراء في نكاحهن لحسنهن، ولينفقوا عليهم من كَسْبِهِنّ، فاستأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت «4» ، فنفرهم الله تعالى عنه، وبيَّن أنه من أفعال الزناة وخصائص المشركين، فلا تحوموا حوله لئلا تنتظموا في سلكهم وتَتَّسِمُوا بسمتهم.
قيل: كان نكاح الزانية محرماً في أول الإسلام، ثم نسخ بقوله: وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ «5» . وقيل: المراد بالنكاح: الوطء، أي: الزاني لا يزني إلا بزانية مثله، وهو بعيد، أو باطل.
(1) أخرجه البخاري، مطولا فى (الجنائز، باب 93 ح 1386) من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه.
(2)
أخرجه الطبراني فى الأوسط (ح 5793) والبيهقي فى الشعب (ح 8301) من حديث سيدنا علىّ، بسند ضعيف، وزادا:(والذين إذا غضبوا رجعوا) .. [.....]
(3)
الآية 26 من سورة النور.
(4)
عزاه السيوطي فى الدر (5/ 38) لابن أبى حاتم، عن مقاتل.
(5)
من الآية 32 من سورة النور.
وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن زنا بامرأة ثم تزوجها. فقال: «أَوَّلُهُ سِفَاحٌ، وآخره نكاح، والحرام لا يُحرم الحلال» «1» .
ومعنى الجملة الأولى: وصفُ الزاني بكونه غير راغب في العفائف، ولكن في الفواجر. ومعنى الثانية: وصف الزانية بكونها غير مرغوب فيها للأعفاء، ولكن الزناة، وهما معنيان مختلفان. وقدّم الزاني هنا، بخلاف ما تقدم في الجلد لأن تلك الآية سيقت لعقوبتهما على ماجنيا، والمرأة هي المادة التي منها نشأت تلك الجناية، كما تقدم، وأما هنا فمسوقة لذكر النكاح، والرجل اصل فيه.
ثم ذكر الحُكْم، فقال: وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أي: نكاح الزواني بقصد التكسب، أو: للجمال لِمَا في ذلك من التشبه بالفساق وحضور مواضع التهمة، والتعرض لسوء المقالة والغيبة والطعن في النسب، وغير ذلك من المفاسد التي لا تكاد تليق بأحد من الأداني والأراذل، فكيف بالمؤمنين والأفاضل؟، ولذلك عبّر عن التنزيه بالتحريم، مبالغة في الزجر، وقيل: النفي بمعنى النهي، وقرئ به. والتحريم: إما على حقيقته، ثم نسخ بقوله:
وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ
…
«2» إلخ، أو: مخصوص بسبب النزول. والله تعالى أعلم.
الإشارة: الصحبة لها تأثير في الأصل والفرع، فيحصل الشرف أو السقوط بصحبة أهل الشرف أو الأراذل، وفي ذلك يقول القائل:
عَلَيْكَ بأَرْبَابِ الصُّدُورِ، فَمَنْ غَدَا
…
مُضَافاً لأَرْبَابِ الصُّدُورِ تَصَدَّرَا
وَإِيَّاكَ أَنْ تَرْضَى بِصُحْبَةِ سَاقِطٍ
…
فَتَنحط قَدْراً مِنْ عُلَاكَ وَتَحْقُرَا
فالمرء على دين خليله، ومن تحقق بحالة لا يخلو حاضروه منها، والحكم للغالب، فإن كان النورُ قوياً غلب الظلمةَ، وإن كانت الظلمة قوية غلبت النور، وصيرته ظلمة، ولذلك نهى الله تعالى عن نكاح الزواني، فإنه وإن كان
(1) هذا حديثان، الأول قوله «أَوَّلُهُ: سِفَاحٌ وآخره نكاح، أخرجه عبد الرزاق فى مصنفه (7/ 202) وابن أبى شيبة فى مصنفه (4/ 248) والبيهقي فى الكبرى (7/ 168) . موقوفا على ابن عباس رضي الله عنه.
والثاني: قوله: «الحرام لا يُحرم الحلال، أخرجه ابن ماجه فى (النكاح، باب لا يحرم الحرام حلال، 1/ 649 ح 2015) والدارقطني (7/ 169) عن ابن عمر رضي الله عنه.
(2)
الآية 32 من سورة النور.