الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة النّمل
مكية. وهى ثلاث وتسعون آية. وقيل: أقل. ومناسبتها لما قبلها: قوله: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ «1» إلى ما قرره من نفى تنزل الشياطين به، مع ما افتتح به السورة، من الإشارة إليه بقوله: تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ. ثم افتتح السورة برموز بينه وبين حبيبه، على عادته، فقال:
[سورة النمل (27) : الآيات 1 الى 5]
بسم الله الرحمن الرحيم
طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ (1) هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3) إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4)
أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (5)
يقول الحق جل جلاله: طس أي: يا طاهر يا سيد. قال ابن عباس: «هو اسم من أسماء الله تعالى» «2» ، أقسم به أن هذه السورة آياتها القرآن وكتاب مبين. قلت: ولعلها مختصرة من اسمه «اللطيف والسميع» . وقيل: إشارة إلى طهارة سر حبيبه. تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ، الإشارة إلى نفس السورة، وما في معنى الإشارة من معنى البُعد، مع قرب العهد بالمشار إليه، للإيذان ببُعد منزلته في الفضل والشرف، أي: تلك السورة الكريمة التي نتلوها عليك هي آيات القرآن، المعروف بعلو الشأن. وَآيات كِتابٍ عظيم الشأن مُبِينٍ مظهر بما في تضاعيفه من الحِكَم، والأحكام، وأحوال الآخرة، أو: مبين: مُفرق بين الرشد والغي، والحلال والحرام، أو: ظاهر الإعجاز، على أنه من:
أبان، بمعنى بان، وعطفه على القرآن كعطف إحدى الصفتين على الأخرى، نحو: هذا فعل السخي والجواد.
ونكّر الكتاب ليكون أفخم له. وقيل: إنما نكّر الكتاب وعرّفه في الحِجْر «3» ، وعرّف القرآن ونكره في الحِجْر لأن القرآن والكتاب اسمان علمان على المنزّل على محمد صلى الله عليه وسلم، ووصفان له لأنه يُقرأ ويكتب، فحيث جاء بلفظ التعريف فهو العلم، وحيث جاء بلفظ التنكير فهو الوصف. قاله النسفي.
(1) الآية 192 من سورة الشعراء.
(2)
ذكره البغوي فى تفسيره (6/ 143) .
(3)
فى قوله تعالى: الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ الآية الأولى.
وما قيل من أن الكتاب هو اللوح المحفوظ، وإبانته أنه خُطَّ فيه ما هو كائن، لا يساعده إضافة الآيات إليه.
والوصف بالهداية والبشارة في قوله: هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ أي: حال كون تلك الآيات هادية ومبشرة للمؤمنين، فهما منصوبان على الحال، من الآيات، على أنهما مصدران بمعنى الفاعل للمبالغة، كأنهما نفس الهداية والبشارة، والعامل فيها ما في «تلك» من معنى الإشارة، أو: خبر، أي: هي هدى وبشرى للمؤمنين خاصة إذ لا هداية لغيرهم بها.
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ يُديمون على إقامة فرائضها وسننها، ويحافظون على خشوعها وإتقانها، وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ أي: يؤدون زكاة أموالهم، وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ حق الإيقان. إما من جملة الموصول، وإما استئناف، كأنه قيل: هؤلاء الذين يؤمنون ويعملون الصالحات هم الموقنون بالآخرة حق الإيقان، لا من عداهم لأن من تحمل مشاق العبادات، إنما يكون لخوف العقاب، ورجاء الثواب، أولاً، ثم عبودية آخراً، لمن كمل إخلاصه.
ثم ذكر ضدهم، فقال: إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أي: لا يُصدّقون بها، وبما فيها من الثواب والعقاب، زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ الخبيثة، حيث جعلناها مشتهية للطبع، محبوبة للنفس، حتى رأوها حسنة، كقوله: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً «1» ، فَهُمْ يَعْمَهُونَ يترددون في ضلالتهم. كما يكون حال الضال عن الطريق.
أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ في الدنيا بالقتل والأسر يوم بدر، وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ أشدّ الناس خسراناً لأنهم لو آمنوا لكانوا من أكرم الناس، شهداء على جميع الأمم يوم القيامة، فخسروا ذلك مع خسران ثواب الله والنظر إليه. عائذاً بالله من جميع ذلك.
الإشارة: طس: طهر سرك أيها الإنسان، لتكون من أهل العيان، طهر سرك من الأغيار لتشاهد سر الأسرار، وحينئذٍ تذوق أسرار القرآن والكتاب المبين، وتصير هداية وبشارة للمؤمنين. فإنَّ من قرأ القرآن وعمل به فقد أدرج النبوة بين كتفيه، كما في الخبر «2» . ثم ذكر من امتلأ قلبه بالأكدار فقال: إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ.. إلخ، قال القشيري: أغشيناهم فهم لا يُبصِرون، وعَمَّيْنَا عليهم المسالك، فهم عن الطريقة المُثْلَى يَصدون. أولئك الذين في ضلالتهم يعمهون، وفي حيرتهم يترددون. أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ هو أن يجد الألم ولا يجد شهود المُبْتَلِي «3» ، ولو وجدوه تحمل عنهم ثِقَله، بخلاف المؤمنين. هـ.
(1) من الآية 8 من سورة فاطر.
(2)
جاء ذلك فيما أخرجه الحاكم، وصححه، ووافقه الذهبي (1/ 552) عن عبد الله بن عمرو- رضى الله عنهما- إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من قرأ القرآن فقد استدرج النبوة بين جنبيه، غير أنه لا يوحى إليه..» الحديث.
(3)
فى القشيري: يجد الآلام ولا يجد التسلّى.