الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
3 -
زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب
ولى الأمر بعد وفاة أخيه. وأقام مستمرّ الولاية حتى ثار عليه منصور الطنبذى لخمس بقين من صفر سنة تسع ومئتين. وثار معه جميع الجند ببلاد إفريقية إلاّ طائفة يسيرة بقيت مع زيادة الله. وغلب منصور على مدينة القيروان وحصّنها، وعلى سائر بلاد أفريقية. وحصر زيادة الله فى القصر القديم، ونزل بعسكره بين شرقىّ مدينة القيروان وقبلتها، وخندق عليه وحاصره. ثم انهزم منصور فى شهر رمضان سنة إحدى عشرة ومئتين هزيمة (ص 20) فاضحة، وخرج زيادة الله وهدم سور مدينة القيروان. ثم بعث أبا فهر بن عمرون فى جيش إلى مدينة تونس. وكان أهلها وافقوا منصورا، فاستباحها وقتل أكثر من بها، وقتل فى جملة أهلها أبا الوليد عبّاس بن الوليد الفارسىّ الزاهد.
وإنه لما رجع أخبر زيادة الله بخبر الفتوح، وذكر قتله ابن الفارسى.
فاستعظم ذلك زيادة الله وأكبره، وقال: أما علمت أنّ قاتل ابن الفارسىّ لا يلبث حولا؟ فلم يدر الحول حتى قتل أبو فهر. ودامت فتنة منصور حتى انقطعت لعشر ليال بقين من رمضان سنة ثمان عشرة ومئتين. ودخل الناس بأجمعهم فى طاعة زيادة الله.
وهو الذى فتح جزيرة صقلية.
وكان سبب فتحها أنّ أبا العباس بن إبراهيم الأمير الذى كان قبل زيادة الله متولّيا كان قد صالح أهلها. وكان من شروط الصلح أنّ من دخل من المسلمين إليهم وأراد الخروج من عندهم لا يمنعونه. ثم نمى إليه أنّ عندهم أسرى من المسلمين قد منعوهم الخروج. فاستفتى الفقهاء فى ذلك، ثم غزاها بجيش عدّته عشرة آلاف رجل عليهم أسد بن الفرات القاضى مع إبقائه على القضاء. فخرج فى شهر ربيع الأول سنة اثنتى عشرة ومئتين إلى سوسة، ثم عاد منها إلى صقلية فى جمع عظيم. فلما حصل بها زحف إليه ملكها واسمه ملاطة فى عسكر عظيم ذكر أنّ عدته مئة ألف وخمسون ألفا. ولما صافّهم المسلمون انقطعت عنهم الموادّ، ووقع فى عسكرهم الغلاء حتى أكلوا لحوم الخيل. فأتاه ابن قادم ومعه رهط من المسلمين فقال له: الرأى أن ترجع بالمسلمين إلى إفريقية، فسلامة رجل من المسلمين خير من الروم بأسرهم. فقال (ص 21): ما كنت لأكسر على المسلمين غزوة مثل هذه. فأبى عليه ابن قادم حتى همّ أسد بإحراق المراكب. فبدرت من ابن قادم كلمة على وجه الغلط فقال: على أقلّ من هذا قتل عثمان بن عفّان. فتناوله أسد بالسوط فقنعه أربعة، ثم أمر الناس بالزحف، وأخذ اللواء بيده وهو يرمز بقراءة (يس).
فلما فرغ منها قال للناس: أيّها الناس! لاتها بوهم، إنهم عبيدكم هربوا
من أيديكم ثم وقعوا لكم. يعنى أنهم الروم الذين هربوا من إفريقية لمّا ملكها المسلمون. ثم زحف.
وقاتلوا المسلمون قتالا شديدا، ثم هزم الله الروم وقتل ملكهم مع أكثرهم. وملكوا المسلمون صقلية وسكنوها. وجرح أسد بن الفرات رضى الله عنه فمات من جراحته، وهو محاصر لسرقوسة فى شهر ربيع الآخر سنة ثلاث عشرة ومئتين، ودفن فى ذلك الموضع.
وقيل إن الروم يعظّمون قبره وربما يستسقون به فيسقون.
ومن عجيب أخباره أنّه لما مات أبو محرز قاضيه جمع الفقهاء ليولّى منهم قاضيا، وجعل كلّما أعرض القضاء على أحدهم أباه. فأمرهم بلزوم الجامع حتى يرضوا قاضيا. فأقاموا فيه وبعث بعض ثقاته وقال له: انظر من يقدّموه للصلاة. فقدّموا أحمد بن أبى محرز القاضى. فولاّه القضاء وجبره عليه. فلما رأى الجلد من الجبر وأن لا بدّله، أشرط عليه أن ينفذ حكمه فيه فمن دونه فقبل ذلك.
فاتفق أنه تخاصم رجل من أهل القيروان مع رجل من أصحاب على بن حميد الوزير فى دار، فحكم فيها القاضى على صاحب الوزير، وختم على الدار. فمضى الرجل إلى الوزير فأخبره بما (ص 22) كان منه، فأمر بفكّ الختم.
فمضى الرجل المختوم له إلى القاضى وأشعره ذلك. فغضب وضمّ ديوانه وأخذ كتاب تقليده ومضى إلى قصر الأمير زيادة الله فى نصف النهار. فوافق مرور الحاجب فسأله الإذن. فأخبره أنه لا يقدر على الاستئذان فى مثل هذه الساعة.
فمضى القاضى إلى باب القصر الذى للحرم فقرع الحلقة. فخرجت والدة الأمير من مقصورتها فزعة. فقيل لها: القاضى واقف بالباب يريد الإذن على الأمير.
فخرجت حتى أتت على الأمير وهو فى بعض المقاصير مختل مع جارية من جواريه. فحرّكت باب المقصورة. فقال الأمير: من؟ فقالت: الوالدة. فخرج إليها فزعا. فقالت له: القاضى بباب الحرم. فارتاع لذلك، وأذن له. وقصّ عليه قصّته ورمى سجله. وقال: اعفنى يعفو الله عنك ويجزل ثوابك. فكان جواب الأمير له برفق: لا تغضب أيها القاضى. واجلس حتى أريك ما أصنع.
قال: فخرج القاضى إلى قاعة الجلوس وتأخّر الأمير حتى اغتسل ثم خرج، وركب بنفسه، والقاضى يحاذيه وهو لا يدرى أين يتوجّه، حتى دخل من باب الربيع، ووقف على المسجد الذى يعرف بمسجد المفرعة. ثم قال للقاضى: أين الدار التى أمرت بختمها؟ فقال: هذه هى. فقال: اختمها أيها القاضى. فختمها، وختمها الأمير أيضا. وبلغ الوزير خبره فخرج من داره راجلا حتى أتاه.
فانتهره الأمير ووبخّه، وقال له فى بعض كلامه: والله لولا واجب صحبتك ما جعلت ختمه إلاّ على رأس الذى حلّه. فتبرأ الوزير من ذلك الرجل
وحلف وودّ لو مات قبل هذه الواقعة. وكثر الدعاء للأمير والثناء عليه.
(ص 23) وكان زيادة الله يقول: ما أبالى إن شاء الله بأهوال يوم القيامة وقد قدمت أربعة أشياء: بنائى المسجد الجامع بالقيروان. وقد أنفقت فيه ستة وثمانين ألف دينار. وبنائى القنطرة بباب الربيع. وبنائى حصن الرباط بسوسة، وتوليتى أحمد بن أبى محرز القضاء.
ولى زيادة الله فى العشر الأوّل من ذى الحجة سنة إحدى ومئتين، وتوفى لأربع عشرة ليلة خلت من رجب سنة ثلاث وعشرين ومئتين، وذلك فى أيّام عبد الله المأمون أمير المؤمنين، فكانت مملكته إحدى وعشرين سنة وسبعة شهور وأربعة أيام.
وزيره: على بن حميد.
قضاته: أبو محرز قاضى أبيه. وكان أشرك معه فى القضاء أبا عبد الله أسد ابن الفرات مولى بنى شيبان. وتولّى القضاء مع أبى محرز سنة ثلاث وثمانين ومئة. وتوفى كما ذكرنا وهو محاصر سرقسطة من جراحة، وانفرد أبو محرز فى القضاء حتى مات. وتولّى ولده أحمد بن أبى محرز فى شهر رمضان سنة عشرين.