الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
1 -
إبراهيم بن الأغلب
(ص 17) كان ابتداء ولايته إفريقية على أيام الرشيد بالله فى جمادى الآخرة سنة أربع وثمانين ومئة. وكان إبراهيم فقيها عالما ديّنا شاعرا خطيبا ذا رأى وبأس وحزم وحلم وعلم بالحروب والمكايد، حسن السيرة. ولم يكن أحد قبله يساويه فى حسن السّيرة والسياسة والعدل.
وكان كثير الاختلاف إلى الليث بن سعد. وهو أوّل من غزا صقلية.
ومن عجيب أخباره فى جوده أنه أشرف من قصره يوما على امرأة قد طبخت فرخى حمام. فاستدعى خادما له وعرّفه منزل المرأة وقال له: ائتنى بالقدر على حالها. فامتثل الخادم وأحضر القدر. فأمر فغسلت القدر وملأها دنانير وأعادها لتلك الامرأة.
ومن جوده أنه أعطى تاجرا جلب إليه خشبة عود هندىّ ألف دينار ومئة وصيف ووصيفة روم، وكساهم، وأمر <ب> مركب يوصلهم إلى الإسكندريّة.
وكان قاضيه أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن غانم بن شرحبيل بن ثوبان الرعينى أورع أهل زمانه وأفقه أهل مصره، ممن صحب مالك بن أنس رضى الله عنه، وله معه أخبار مطبوعة تدلّ على حلم إبراهيم ودينه وخيره.
فمنها أنه كان إذا جلس للخصوم رمى إليه شقاف فيها أسماء القصص، فوقعت له شقفة فيها قصة نخاسين البغال. فدعاهم وسألهم. قالوا: إن أبا موسى هارون مولى إبراهيم الأمير هذا اشترى منهم بغالا بخمس مئة دينار، ولم يدفع لهم شيئا. فضمّ ديوانه وقام معهم إلى إبراهيم. وكان قد أباحه الدخول عليه متى شاء. فقال له إبراهيم: ما قصّة القاضى؟ فذكر له قصّة المتظلّمين. فأمر إبراهيم بإحضار هارون، فأحضر وسأله فأقرّ (ص 18) وقال: إنما أخّرته حتى أدفعه من خراج ضيعتى. فقال القاضى ابن غانم:
إنما ظننت أنه ينكر، فاستحلفه. فأمّا إذ أقرّ فلا يبرح حتى يدفع إليهم مالهم. فلم يزل حتى دفع ذلك.
وروى أنّه دخل على إبراهيم يوما وفى يد إبراهيم قارورة فيها دهن يسير.
فقال لابن غانم: كم تقول إنّ هذا الدهن يساوى؟
فذكر شيئا يسيرا.
فقال الأمير إبراهيم: إن ثمنه كذا وكذا، وذكر مبلغا كثيرا.
فقال ابن غانم: وما هو؟
قال: إنه سمّ قاتل سريع.
فقال القاضى: أرنيه.
فناوله إياه فضرب به العمود فكسّرها.
فقال إبراهيم: ما هذا الذى صنعت يا قاضى.
فقال: لا أترك معك ما تقتل به الناس.
وكان إبراهيم يصلّى الفرائض كلّها فى الجامع مع الجماعة. فخرج ليلة من الليالى لصلاة عشاء الآخرة، وكان مشغول القلب، فعثر على حصير الجامع فسقط. فلما صلّى بالناس وانصرف بعث فى طلب ابن غانم.
فمضى إليه، فقال: إنى لم أبعث وراءك إلاّ لخير. وأخبره بسقوطه على الحصير بالجامع وقال: إنما فى طلبك لتستنهكنى لئلاّ يقال إنّى سقطت لسكر. فاستنهكه. ثم قال: جزاك الله عن دينك خيرا.
ولما مات ابن غانم ولى القضاء أبو محرز محمد بن عبد الله بن قيس ابن يسار الكنانى مكرها. وقد عدّه ابن شعبان الفرضى من أصحاب مالك ابن أنس. وكان قد أبى، فأمر إبراهيم عامر بن معمّر بحمله إلى مجلس الحكم، فمسك بيده وأجلسه، وتمادى فى الولاية حتى مات إبراهيم ابن الأغلب.
توفى إبراهيم رحمه الله يوم الثلاثاء لثمان بقين من شوال سنة سبع وتسعين ومئة. فكانت مملكته ثلاث عشرة سنة وشهرين وأيام. والله أعلم.