الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر سبب دخول جوهر القائد مصر
قال العبد الفقير إلى الله أضعف عباد الله وأحوجهم إلى عفو الله، وإن كان الخلايق بأجمعهم إلى عفوه محتاجين، وعلى رحمته متّكلين، أبو بكر بن عبد الله مؤلّف هذا التاريخ، الكثير الفنون المشنّف للسمع والمنزّه للعيون:
قد تقدم القول فى الجزء الذى قبل هذا وهو الجزء الرابع ذكر دخول القائد جوهر مصر فى تاريخ سنة ثمان وخمسين وثلاث مئة.
وهو آخر ما انتهى فيه الكلام فى ذلك الجزء وجميع ما قدّمنا فى هذا الكلام فهو توطئة لسياقة سنى التاريخ. ونحن نبتدئ الآن بسياقة السنين على التوالى حسبما أسّسناه فى جميع ما تقدّم من الأجزاء، ونقدم قبل ذكر سنة تسع وخمسين ما كان تبقّى فى سنة ثمان وخمسين، ليكون الكلام عليه طلاوة وله ذوق وحلاوة إذا أتى على السلاوة.
وذلك أنه لما قام بأمر الإخشيدية بعد وفاة الأستاذ كافور الإخشيدى أحمد بن على بن الإخشيد، حسبما تقدم من ذكره، كان بالرملة الحسن بن عبد الله بن طغج. فطمع أن يسبق فيكون صاحب الدولة. فسار إلى مصر فاستقبله كبراء الدولة. فرام الجلوس، فقالوا له:
إنّ ابن عمّك أحمد قد عقد له الأمر، وقد اجتمع عليه أهل الدّولة.
فطمع فى مال يأخذه، فقال لوزير عمه، وهو يومئذ جعفر بن حنزابة،
وكان المتحدّث فى الوزارة، لأحمد: احمل إلى مال. فقال: ما عندى مال. فأمر به فجرى عليه مكروه، وتوعّده بالقتل. فحقد فى نفسه.
ثم إنّ الحسن بن عبيد الله رجع إلى الشام، وهو يومئذ ملكها، وضمر فى نفسه أن يحشد ويعود فيأخذ مصر. وحسّ (ص 83) جعفر بن حنزابة منه بذلك، فخشى على نفسه منه. فكتب إلى المعزّ أبى تميم، وهو يومئذ بالقيروان، يحثّه على الحضور ليملّكه البلاد. وكانت أيضا كتب كبار المصريّين قد وردت عليه بذلك. ومن جملة ما كتب إليه الوزير جعفر: إن كنت تخشى أنك لا تحضر بنفسك فابعث من تثق به يتسلّم البلاد ويعلم صحة المناصحة.
فأنفذ المعزّ عبده جوهر. فحشد الناس من المدن والقرى وسار فى جيش عظيم. فلقى الإخشيدية وهزمهم. فبعض استأمن وبعض قتل. وتمكّنت المغاربة من الأنفس والأموال والثمرات. ودخل جوهر القائد مصر يوم الثلاثاء الثانى عشر من شعبان سنة ثمان وخمسين وثلاث مئة.
ولما سار الحسن بن عبيد الله بن طغج فى ذلك الوقت إلى الشام نزل على ظاهر دمشق. فأقام شهورا يجمع فى الناس. ثم بلغه دخول المغاربة مصر فيئس من مصر، وخشى على ما بيده من بلاد الشام.
فسار من دمشق فى شهر رمضان من هذه السنة واستخلف عليها شمولا غلام عمّه الإخشيد. وكان فى نفس شمول منه حقد، فكان على ما ذكر يكاتب جوهرا بمصر. ونزل الحسن بن عبيد الله الرملة وأخذ أهبته للحرب ممن يسير إليه من المغاربة. فوردت عليه الأخبار بأنّ القرامطة قد ساروا من بلدهم قاصدين إليه، وقد كان فى قلوب المغاربة منه هيبة عظيمة، لم يجسروا أن يخرجوا إليه جيشا، فكان مما اتفق من الأمور المقدّرة أنّ القرامطة وافت إلى ظاهر الرملة، فلقيهم الحسن بن عبيد الله، فانهزم، ثم جرى بينهم بعد ذلك الصلح. ومكث جيش القرامطة على الرملة ثلاثين يوما (ص 84).
وكانت هذه الوقعة بين الحسن بن عبيد الله وبين القرامطة فى شهر ذى الحجّة سنة ثمان وخمسين وثلاث مئة. ثم رحلوا القرامطة عن الرملة.
فلما بلغ المغاربة كسرة الحسن بن عبيد الله من القرامطة داخلهم الطمع فيه واستضعفوه، وكاتبوا من كان قبله من العمّال والولاة ووعدوهم الإحسان إليهم ليقعدوا عنه، وجهّز لحربه من مصر جعفر ابن فلاح فى عسكر من المغاربة. وقد كان الحسن بن عبيد الله يكاتب شمولا الذى خلفه على دمشق بأن يسير إليه بمن معه وبمن يستخدمه
ليجتمعوا على حرب المغاربة، فكان يتقاعد عنه لما بينه وبين جوهر القائد من المكاتبات.
وكان أيضا قد نفذ إلى الصباحى وهو والى بيت المقدس بأن يجمع له الرجال من تلك النواحى والجبال ويسير إليه. وقربوا المغاربة منه وتقاعد عنه الفئتين من دمشق والمقدس. فلما يأس ممن ينجده من نوّابه التقاهم بمن كان معه. فانهزم وأخذه السيف. فقتل كثير من أصحابه، وأخذوه أسيرا. وتمكّن جعفر بن فلاح من الرملة وذلك فى النصف من رجب سنة تسع وخمسين وثلاث مئة.