الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عاد القول إلى ذكر قرمط والدّعاة
وقد كان قرمط يكاتب من بسلمية من الطواغيت. فلما توفى من كان فى وقته، وجلس ابنه من بعده كتب إلى حمدان قرمط.
فلما ورد عليه الكتاب أنكر ما فيه لألفاظ كان يعهدها، فتغيّرت عليه، فاستراب ذلك. وأمر قرمط ابن مليح، وكان داعيا من دعاته، أن يخرج إلى سلمية ويتعرّف له الخبر. فامتنع واعتذر إليه.
فأنفذ داعيا غيره يقال له عبدان. فلما وصل إلى هناك عرف بموت ذلك الطاغية الذى كانوا يكاتبونه، ووجد ابنه. فسأله عن الحجة ومن الأمام بعده؟ فقال الابن: ومن هو الإمام؟ قال عبدان:
الامام محمد بن إسماعيل بن جعفر صاحب الزمان الذى كان أبوك يدعو إليه وكان حجته. فأنكر ذلك كلّه، وقال: محمد بن إسماعيل (ص 46) لا أصل له، ولم يكن الإمام غير أبى، وهو من ولد ميمون بن ديصان، وأنا أقوم مقامه. فعرف عبدان القصّة واستقصى الصّورة، وعلم أنّ محمّد بن إسماعيل ليس له فى هذا الأمر شئ، وإنّما هو شئ يحتالون به على الناس، وأنّ ذلك كلّه كان خديعة من اللّعين، وأنّه ليس من ولد عقيل بن أبى طالب. فرجع عبدان إلى قرمط فعرّفه الخبر. وأمره قرمط أن يجمع الدعاة ويعرّفهم صورة الأمر وما تبيّن له منه، ويقطع الدعوة لمن بسلمية. ففعل عبدان ذلك.
وعلموا أنّ محمد بن إسماعيل كان لهم فى مبدأ الدعوة مثل الصانع الذى معه الأداة يعمل بها، فلما ترك أداته بطل صنعته. ولما قطعوا الدعوة من بلادهم لم يمكنهم أن يقطعونها من غير ديارهم، لأنها كانت قد امتدّت فى سائر الأقطار وكثر شرّها وتزايد خبثها. وقد تحوّلت عن الرسم الأوّل مذ هلك سعيد المسمّى بعبيد الله الملقّب بالمهدى بالمغرب.
ثم إن الدعاة قطعوا مكاتباتهم إلى من بسلمية بهذا السبب.
وكان رجل منهم قد توجّه إلى الطالقان. وكانوا ربما يكاتبونه أيضا.
فلما انقطعت المكاتبة عن جميع ولد عبد الله بن ميمون القدّاح انقطعت عنه أيضا. فتوصّل حتى نزل على عبدان، وعاتبه بسبب انقطاع مكاتباته.
فعرّفه عبدان قطعهم الدعوة، وأن أباه كان استغرّهم وادّعى نسبا ليس بصحيح، وأنه دعا لمحمد بن إسماعيل المهدى «فكنا نعمل على ذلك.
فلما تبيّنا أن لا أصل لذلك كلّه وعرفنا أنّ أباك من ولد ميمون بن ديصان، وأنه صاحب الأمر تبنا إلى الله عز وجل ممّا عملناه، وحسبنا ما كفّرّنا أبوك، فتريد أن تردّنا كفار؟ انصرف عنا إلى موضعك».
وكان عبدان قد تاب من هذه (ص 47) الدعوة الخبيثة بالحقيقة.
فلما أيس منه صار إلى زكرويه بن مهرويه وعرّفه خبر عبدان.
فلقيه زكرويه بكل ما يحبّ. وقدّر أن ينصبه داعيا مكان أبيه
فيستقيم له أخذ أموال الناس الداخلين فى الدعوة. واتفق معه على قتل عبدان. فإنه لا يتم لهما أمر إلاّ بقتله. فوجّه زكرويه إلى رجل من بنى تميم بن كليب وأخ له كانا من أهل دعوة زكرويه، وأحضر جماعة من دعاته وقراباته وثقاته وأظهرهم على ابن الخبيث وعرّفهم أنه ابن الحجّة، وأن الحجة توفى. فعظّموه وقبلوه، وقالوا له:
مرنا بأمرك. فأمرهم بقتل عبدان. وقال: إنّه نافق وعصى وخرج عن الملّة.
فساروا إليه من ليلتهم إلى ناسورا وهو نازل بها فقتلوه.
وكان زكرويه هذا داعيا من تحت يد عبدان. وشاع فى الناس أن زكرويه قتل عبدان. فطلبوه سائر أصحابه وأصحاب قرمط بدمه.
فاستتر. وخالفه القوم بأسرهم إلاّ ثقاته وأقاربه. فلما لم يرى أن أمره يتم قال لابن الخبيث: قد ترى ما قد حدث، ولا آمن عليك وعلى نفسى، فارجع إلى بلدك ودعنى، فإنى أرجو أن يتغيّر الأمر وأتمكّن من الناس وأدعوهم إليك. فانصرف ابن الخبيث إلى الطالقان.
ويقال إنّ الأصل كان بسلمية مقيما، وكان يخفى أمره بذكر من بالطالقان لأنهم كانوا تحت مخافة بعد ذلك. ثم تخفّى زكرويه خوفا من طلبه بدم عبدان.
وذلك كلّه فى سنة ستّ وثمانين ومئتين.
فمكث لذلك يتخفّى إلى سنة سبع وثمانين ومئتين. فلما طال أمره ورأى انحراف أهل السواد عليه، نفذ ابنه الحسن فى سنة ثمان وثمانين ومئتين إلى الشام، وصحبته رجل من القرامطة (ص 48) من أهل نهر ملحابا يسمّى الحسن بن أحمد ويكنى بأبى الحسين، وأمره أن يقصد بنى كليب وينتسب إلى محمد بن إسماعيل بن جعفر، ويدعوهم إلى الإمام من ولده.
فاستجاب له فخذ من بنى العلّيص بن ضمضم بن عدىّ بن حباب بن كلب بن وبرة ومواليهم. وانضاف إليه طائفة من بنى الإصبع من كلب، وتسمّى هؤلآء بالفاطميين وبايعوه.