الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر سنة ثمان وخمسين وأربع مئة
النيل المبارك فى هذه السنة:
الماء القديم ثلاثة أذرع وأربعة وعشرون إصبعا.
مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعا وسبعة عشر إصبعا.
ما لخّص من الحوادث
الخليفة القائم بالله أمير المؤمنين، وبنو سلجوق الحكام.
والمستنصر خليفة مصر. وصرف الأنبارى، وولى الوزارة علم الدين أبو على الحسن الماشكى، وذلك عند استحكام فساد الدولة.
وقلّت الهيبة واختلّ النظام إلى الغاية. فأقام أيام قلائل ثم صرف.
وولى الوزارة بعده أبو شجاع محمد ابن فخر الملك أبى غالب محمد ابن الأشرف البغدادى. وكان قد وصل إلى مصر. فتقرّرت له الوزارة. وكان والده قد وزر لبهاء الدولة أبى نصر ابن عضد الدولة فناخسرو ابن بويه سلطان بغداد.
قلت: وهذا فخر الملك جرت له حكاية مستطرفة أيام وزارته لبهاء الدولة المذكور، وذلك أنه كان فاضلا أديبا يحب المديح ويجيز عليه. فقدم عليه أعرابى من البادية وامتدحه بأبيات، فلم يلتفت إليه فخر الملك ولا عبأ به، ولا أجازه بشئ.
وكان فى عصره ابن نباته السعدى الشاعر المشهور وهو غير ابن نباتة صاحب الخطب البليغة.
قال راوى هذه الحكاية: وكان ابن نباتة الشاعر المذكور ذو نباهة ورياسة، وهو أبو نصر عبد العزيز بن عمر بن محمد بن أحمد ابن نباتة بضم النون التميمى السعدى. فلم يشعر وهو جالس على باب داره بين حفدته وجلسائه إلاّ وذلك الأعرابى وبصحبته رسول من جهة قاضى الحكم يطلب ابن نباتة إلى مجلس الحكم، أو يخرج من حق ذلك الأعرابى. فلما رآه ابن نباته لم يعرفه، وتعجّب من ذلك، فإنّه لم يكن قطّ رآه قبل تلك الساعة. فقال له: يا أخا العرب! مالى ولك؟ هل تعرفنى قط قبل اليوم؟ هل علىّ من طلب أو دين؟
فقال الأعرابىّ: أطالبك أصلحك الله بضمان لم تف به. فقال:
وما هو؟ فقال ألست القائل:
لكل فتى قرين حين يسمو
…
وفخر الملك ليس له قرين
أنخ بفنائه واحلل عليه
…
على حكم المنى وأنا الضمين
فقال ابن نباته: بلى والله، أنا القائل ذلك.
فقال الأعرابى: فإننى قطعت إليه من بادية أرض كذا، وسرت كذا ليلة، وامتدحته بكيت وكيت فلم يلتفت إلىّ، ولا أجازنى بشئ.
وأنت الضامن وعليك الغرامة.
قال: فأعجب ابن نباتة من الأعرابىّ ذلك. وقال: ارفع الرسول ولك الرضا. وركب لوقته بصحبة الأعرابى، وأتى إلى فخر الملك وقصّ عليه خبر الأعرابى فاستملحه ووصله فوق أمله.
قلت: نسخت هذه الحكاية من مجموع. وابن نباتة هذا كان معاصر سيف الدولة ابن حمدان. وهو من الشعراء المعدودين فى الطراز المذهب من شعراء المئة الرابعة. وله فى سيف الدولة ابن حمدان نخب القصائد. فمن ذلك وقد أنعم عليه بفرس أدهم أغرّ محجّل فقال:
يا أيّها الملك الذى أخلاقه
…
من خلقه ورواؤه من رأيه
قد جاءنا الطرف الذى أهديته
…
هاديه يعقد أرضه بسمائه
ومنها ولعله معنى مبتكر:
فكأنّما لطم الصباح جبينه
…
فاقتصّ منه فخاض فى أحشائه
متمهّلا والبرق من أسمائه
…
متبرقعا والحسن من أكفائه
لا تعلق الألحاظ فى أعطافه
…
إلاّ إذا كفكفت من غلوائه
ما كانت النيران تمكن حرّها
…
لو كانت النيران بعض ذكائه