الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر سنة إحدى وخمس مئة
النيل المبارك فى هذه السنة:
الماء القديم سبعة أذرع وخمسة أصابع.
مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وخمسة عشر إصبعا.
ما لخّص من الحوادث
الخليفة المستظهر بالله أمير المؤمنين، وبنو سلجوق حكام البلاد.
ووزير الخلافة ابن جهير عميد الدولة، إلى أن توفى فى هذه السنة.
ووزر أخوه أبو القاسم علىّ ولقّب زعيم الدولة.
والآمر خليفة مصر وأمير الجيوش الأفضل شاهنشاه بن بدر الجمالى،
واستكمل دار الملك وجعلها دار إقامته، وهى دار الوكالة اليوم بمصر فى هذا التاريخ. ونقل إليها من الأموال والتحف والأمتعة ما يعجز عن بعض وصفه اللسان.
قال الشيخ شمس الدين ابن خلّكان رحمه الله تعالى فى تاريخه:
كان بهذه الدار عشرة مجالس مفروشة (ص 266) بأنواع الفرش الديباج والبسط الحرير. وكان فى كلّ باب من أبواب هذه المجالس العشرة مسمار ذهب بحلقة زنته مئة دينار، معلّق فيه منديل زركش يتناول منهم (كذا) ما شاء.
وقيل إنّ الأفضل وقع له كنز يعرف بكنز الحمارة، ذكر ذلك صاحب كتاب «حلّ الرموز فى علم الكنوز» .
حكى أنه كان بمصر رجل أحدب إسكاف يرقّع العتيق من المداسات، فاجتمع له ثمانين درهم، ففكّر أنّه يشترى بها حمارا يكون يركبه إذا فرغ من شغله. فخرج إلى سوق الدوابّ، فوجد حمارة تباع بسائر عدتها بثمانين درهم. وهى من تركة إنسان توفى فشراها. فلما كان بكرة ذلك اليوم ركبها الأحدب وخرج نحو القرافة،
وهى تسرع به المشى من غير أن تكلّفه لضربها. فأعجبه منها ذلك، واستمر كذلك إلى بساتين الوزير، فعرّجت طالعة نحو الجبل وهى تسرع أشدّ إسراع، ولا عاد يقدر على منعها. فلم تزل به كذلك إلى أن وصلت به فى الجبل إلى مكان فيه مدود مبنى وبه أثر شعير وتبن وقصريّة وجرّة ومقود بهيمة مشدود إلى مكتوم. فوقفت على ذلك المدود. فتعجّب الأحدب ونزل من عليها، فوجد إلى جنب المدود طابق بدرج، فجعل البهيمة فى ذلك المقود ونزل فى تلك الدرج، فأوصلته إلى قاعة حسنة بأربع أواوين متقابلة، فيها من الأموال ما لا يحصره لسان. ووجد فى زاوية المكان شعير وتبن فأخذ منه كفاية الهيمة وطلع أرماه لها، ونزل وصار يرقص ويصفّق وقد خرج من عقله فرحا. ثم إنه نظر إلى زنبيل معلّق فحطّه فوجد فيه مأكول مشوى وخبز وحلوى. فأكل، وفى وسط تلك القاعة بركة ماء كأحلى ما يكون وأعذب، (ص 269) فشرب منه، وسقى البهيمة، وأخذ من ذلك الذهب فى خرجه شى تطيق البهيمة حمله، وركب وعاد إلى مصر مع عشى (كذا). ثم إنه اكترى قاعة حسنة فى
مكان لا يعلم به، وصرف من الذهب قليل، وعاد يكسى (كذا) تلك القاعة أوّل فأوّل، حتى أعادها كأحسن ما يكون من آدر الأمراء الكبار، وكذلك صنع لنفسه من كلّ ملبوس حتى يلبسه إذا خلا بنفسه فى تلك القاعة، وهو مع ذلك لا يفارق ما كان عليه من خلقانه وهو فى دكّانه على حاله، ويعاود المكان ينقل منه أوّل بأوّل.
قال: وكن جوارى الأفضل إذا أردن الجواز إلى الحمّام عبرن من عليه، وكان فيهن جارية من حضاياه تعبث بالأحدب إذا مرّت به وتضحك عليه، فيقول لها: والله لو زرتنى لنظرتى (كذا) عندى ما لا نظرته عند الأفضل. فلما تكرّر عليها القول قالت: يا أحدب تقول هذا الكلام هزل أم جد؟ فقال: لا والله يا نور عينى ما أقوله إلاّ جد. فقالت: جهّز أمرك لمثل هذا اليوم أنا عندك.
فلما كان ذلك اليوم حضرت إليه متنكّرة وحدها، فأخذها وأتى بها القاعة، فنظرت إلى زىّ حسن، ثم قدّم لها مأكل عنده ومشروب فى أوانى عجيبة، لم تنظر عند الأفضل مثلها. وقدّم لها كيس فيه ألف دينار. وأقامت عنده إلى آخر النهار، وخرجت إلى منزلها وقد
تعجّبت من أمر الأحدب. ثم إنها صارت تعاوده وكلّما انتهت إليه يعطيها كيس فيه ألف دينار. وامتحن الأحدب بها، فلما علمت الجارية أنّها أخذت بقلبه سألته عن أمره، ولم تزل به حتى اعترف.
فقالت: أشتهى أتوجّه معك وأتفرّج فى هذا المكان. فأنعم لها بذلك.
وأردفها خلفه على تلك البهيمة وأتى إلى المكان. فنظرت الجارية إلى ما أبهر عقلها. ثم إنها نظرت إلى بدنة لؤلؤ كبار مفصّلة بقضبان الزمرّد وقطع الياقوت البهرمان وقطع البلخش. فقالت: لابدّ لى من هذه البدنة. فقال الأحدب: وقد غلب عليه هواه لشقاه: هى لك.
فأخذتها وافترقا. ثم إنه كان قد ولد للأفضل مولودا، فعمل له مهمّ كبير اجتمع فيه سائر نساء كبار الدولة. فلبست تلك الجارية تلك البدنة فوق سائر قماشها. فعادت تشتعل كالجمر. فلما رأوها بقية الحضايا عرّفوا الأفضل، فأمر بإحضارها، واستقرّها فاعترفت على الأحدب.
فأحضر، وتوجّه الأفضل معه وتسلّم الكنز، ولم ير بعدها الأحدب.
فكان هذا سبب سعادة الأفضل التى يخامر العقول ذكرها، كما يأتى بعض شئ من ذكر ذلك مما وجد فى تركته عند وفاته مما أثبت ذلك جماعة <من> المؤرخين منهم القاضى ابن خلّكان رحمهم الله.
وذكر أنّ بعض حاشية المستنصر اطّلع على أمر هذا الكنز فكتب إلى المستنصر رقعة يسأل المثول فى خلوة من الأفضل. فبينا هو يحدّث المستنصر عن الكنز وسببه ووصول الأفضل إليه لم يشعر إلاّ وهو قد دخل على المستنصر بغير إذن. وكان الأفضل إذا غضب على أحد قطع سائر أعضائه. فنظر إلى ذلك الرجل وهو يحدّث المستنصر عن الكنز، فأشار إليه أن لا بدّ ما أقطع أعضاءك. فلم يزل الرجل فى حديثه حتى انتهى. وقال: فإنى كذلك يا أمير المؤمنين، وإذا بحيّة عظيمة خرجت علىّ من ذلك الكنز فصرخت صرخة عظيمة أنبهتنى زوجتى، فانتبهت مرعوبا. فقال المستنصر: ما هذا ويلك؟ أكان ذلك رأيته فى منامك؟ قال: نعم يا مولانا. فقال قبّحك الله! اصفعوه. فقال الرجل: الحمد لله! بالتصفيع ولا بالتقطيع.
(ص 271).
وسيأتى من ذكر الأفضل عند وفاته شيئا آخر إن شاء الله.