الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر سنة ثلاث وثلاثين وأربع مئة
النيل المبارك فى هذه السنة:
الماء القديم خمسة أذرع وعشرون إصبعا.
مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعا وسبعة عشر إصبعا.
ما لخّص من الحوادث
الخليفة القائم بالله أمير المؤمنين، وبنو بويه بحالهم.
والمستنصر خليفة مصر، وكان بمصر وباء توفى فيه جماعة من الأشراف.
وظهر بالقرافة شئ لا يعرف ما هو، حتى قيل إنه القطرب واختطف جماعة من أولاد سكان القرافة، وخافوه الناس على أولادهم، ورحل من كان يسكن القرافة. وقيل إنّه كان ينحدر من الجبل المقطّم، (ص 205) وكثرت فيه الأقوال.
وذكر أن شخص من أهل كبار مصر يسمى حميد الفوّال كان
خرج من اطفيح على حمارة له وتحته خرج فيه فول قد أحضره معه للمعيشة. فأذّنت عليه المغرب عند حلوان، فوجد امرأة مبرقعة ملتفّة برداء مسّاق (كذا)، جالسة على قارعة الطريق. فلما قرب منها كلّمته بكلام ليّن، وقالت: إنى امرأة ضعيفة وأرملة، وعندى صغار أيتام، وخرجت أستعطى لهم من قرى اطفيح حتى لا أعرف بمصر فإنى من بيت، وقد أعييت هاهنا، وأمسى علىّ الليل وأخشى من ولد زنا أو وحش يفترسنى، وأسألك أن تردفنى على دابتك إلى طرف مصر. فرقّ لها الرجل وأردفها خلفه، وهو لا ينظر إليها حياء من الله عز وجل.
فلم يشعر إلاّ ودابته تقمص من تحت. ثم إنها سقطت من تحته فنظرها فإذا بها قد أخرجت جوفها بمخالبها. فلما رآها الرجل كذلك لم يتمالك دون الهرب والنجاة بنفسه، واشتغلت فى الدابة عنه. ولم يزل الرجل على وجهه إلى أن دخل مصر، وهو لا يصدق بالنجاة. ثم بلغ خبره والى البلد فركب فى جمع له والرجل صحبته، وأتوا إلى المكان فوجدوا الدابة طريحة والخرج الفول إلى جانبها وقد أكل جميع جوفها.
ثم إن الناس اختشوا ذلك، وصنعوا الدروب على حارات مصر، وأوثقوا أبوابهم، ونفروا أهل ضواحى مصر.
ثم إنها عادت تتبع الموتى من الناس الطريّين فتنبش قبورهم وتمزّق أكفانهم وتأكل أجوافهم، ويأتوا أصحاب الميت فيجدون ميتهم
منبوشا موكولا (كذا) على شفير قبره. فامتنعوا الناس من الدفن بالقرافة لذلك، وعادوا يدفنون بصحراء الريدانية بظاهر باب النصر، ولم يكن قبل (ص 206) ذلك يعرف هناك مقابر.
وكثرت فى أحوال هذا الشئ الأحاديث والخرافات والأقاويل من ساير الناس أضربت عن كثير منه.
وهذا الكلام وقعت عليه من كتاب يسمى «تحفة القصر، فى عجايب مصر» ، منسوبا إلى العاضد آخر الخلفاء الفاطميين، وقعت عليه فى جملة معه وهو محروق أكثره، أظنه من كتب الخزانة التى احترقت، وذكر فيه من العجايب بمصر شئ كثير غير أن أكثرها مخرومة بالحريق. وهو كتاب حسن بخط منسوب جيّد التذهيب، وهو تأليف خليفة مطّلع فاضل لا يجمع فيه غير ما ثبت عنده.
وذكر فيه العروس التى كانوا أهل مصر يهدونها فى كل عام للنيل، وذلك فى الوقت الذى يرمون فيه إصبع الشهيد، وأن لم يزل ذلك مستمرّا عند القبط إلى حين ملكت المسلمين. فكتب بذلك عمرو ابن العاص إلى الإمام عمر بن الخطاب رضى الله عنه. فأنفذ الإمام عمر ورقة أو قال قطعة من أدم مكتوب فيها بخط يده أو قال بخط الإمام على بن أبى طالب كرّم الله وجهه.
هكذا ذكر صاحب هذا الكتاب أن الورقة كانت قطعة من أدم بخط الإمام علىّ عليه السلام يقول فيها:
بسم الله الرّحمن الرحيم أمّا بعد:
أيّها النيل المبارك. إن كنت تجرى بأمر الله فاجر لما أمرك الله، نفع الله بك.
قال: ورميت هذه الورقة عوضا عن تلك العروس التى كانوا يزينوها ويلبسوها أفخر الملابس ويرمونها، قال: فكان النيل فى تلك السنة أعمّ من كلّ نيل كان من قبله. فاستمر ذلك.
وذكر فى هذا الكتاب من عجايب مصر وكهنتها وسحرتها بصعيدها وبرابيها وعمايرها أشياء كثيرة، أكثرها مخرومة (ص 207) بالحريق الذى حصل فى الكتاب، وآمل أنى أذكر بعض شئ فى هذا التاريخ من عجايب هذا الكتاب ممّا له أول وآخر بغير خرم إن شاء الله تعالى.
على أنى قد ذكرت فى أول جزء من هذا التاريخ من أحوال مصر ما فيه الكفاية، لما تضمنه ذلك الجزء الأول من العجايب التى لم تقع لأحد من قبل من أرباب التواريخ، وذلك لما كنت أيضا وقعت عليه من الكتاب القبطى الذى وجدته بالدير الأبيض بالوجه القبلى واستنسخت منه ما ضمنته لذلك الجزء، والواقف عليه يعلم صحة الدعوى إذا لم ينظر بعين الهوى.