الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر سنة ثلاث وستين وثلاث مئة
النيل المبارك فى هذه السنة:
الماء القديم أربعة أذرع فقط. مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعا وأربعة عشر إصبعا.
ما لخّص من الحوادث
(ص 104) الخليفة المطيع لله أمير المؤمنين إلى حين خلع نفسه من ولاية الأمر فى يوم الثلاثاء الثالث عشر من ذى القعدة من هذه السنة.
وذلك أنه استدعى فى هذا التاريخ القاضى عبيد الله بن أحمد المعروف بابن معروف وكبار عدول بغداد وأشهدهم على نفسه أنه قد خلع نفسه من الخلافة، وجعلها فى ابنه عبد الكريم. وذلك عند انحداره مع سبكتكين مولى معزّ الدولة، لمّا وقع الخلف بينه وبين عز الدولة بختيار، وتغلّب على الأمر عضد الدولة حسبما يأتى من تلخيص ذكر ذلك فى تاريخه.
والمعزّ بمصر.
وعسلوج ويعقوب بن كلّس إليهما أمر الوزارة شركة.
وفيها سلخ ابن النابلسى وصلب.
وفيها توفى القاضى النعمان. وكان يلى القضاء بالقاهرة. وولى ولده مكانه. وأبو ظفر يلى قضاء مصر بحاله.
وفيها وصل الحسن بن أحمد القرمطىّ إلى الديار المصرية بجيوش عظيمة. فنزل بعساكره عين شمس، وناشب المغاربة القتال، وانبثت سراياه فى أرض مصر، وبعث عمّالا على الصعيد فجبى جميع خراجه وضيّق على المعزّ والمغاربة ضيقة عظيمة، وداومهم القتال على خندق مدينتهم، ولزمهم حتى ألجأهم إلى خلف الصور، وعظم ذلك على المعزّ وحار فى أمره، ولم ينفعه كتابه ولا ترهيبه، ولم يجسر يخرج إليه برّا السور.
وكان ابن الجراح الطائى فى عسكر القرمطىّ. وكان قوة عسكره معه ومقدمه، فكاتبه المعزّ ورغّبه فى المال وبذل له مئة ألف دينار على أن يغلّ لهم جيشه، فأجابهم إلى ذلك.
ثم إنّ المعزّ فكّر فى المال فاستعظمه. فعملوا دنانير من نحاس وطلوها بالذهب الكثير وجعلوها فى أكياس، وجعلوا على رأس كلّ كيس منها (ص 105) دنانير يسيرة ذهب تغطّى ما تحتها، وحملوها إلى ابن الجرّاح بعد ما استوثقوا منه بالأيمان. فلما صحّ له المال عمل
فى فلّ العسكر. فلما كان من الغد واشتدّ الحرب ولّى ابن الجراح منهزما، واتبعه أصحابه. فلما نظر ابن القرمطى إلى ذلك تحيّر ولزمه أن يقاتل وهو وأصحابه، واجتهد فى القتال حتى يخلص هو ومن معه، وانهزم وتبعوه قومه. ودخل المغاربة عسكره فظفروا بتبع وباعة نحو من ألف وخمس مئة نفر فأخدوهم أسرى وضربوا بعد ذلك أعناقهم.
وذلك فى شهر رمضان فى هذه السنة.
ثم إنّ المعزّ جرّد خلف القرمطى أبا محمود بن جعفر بن فلاح فى عشرة آلاف فارس وثقّل السير خوفا أن يرجع عليه القرمطى.
ثم نفذ أبا المنجّا فى طائفة من الجند إلى دمشق. وقد كان لما علموا المغاربة قصة ظالم وقبض القرمطى عليه حسبما تقدم فى القول من ذلك، ثم خلص ظالم وهرب إلى حصنه بحافة الفرات، واتفقت هذه الأمور، راسلوه ليسوسوا به أمرهم. فسار إلى أن وصل بعلبكّ، فبلغه هزيمة القرمطىّ. ونزل أبو المنجّا دمشق. وسار القرمطىّ يريد بلده وفى نيته المعاودة. ونزل أبو محمود أذرعات، وسار ظالم نحو دمشق، وذكر أن كان بينه وبين أبى محمود مراسلات على أن يتّفقا على أبى المنجّا. وبلغ أبا المنجّا مسير ظالم إليه، وكان فى شرذمة يسيرة، وربما أنّ الجند كانوا طالبوا لأبى المنجا برزقهم، فسوّف بهم، فحقدوا
عليه، ونزل ظالم عقبة دمّر، وراسل لأبى المنجا إنى لم آت مقاتلا، (ص 106) ولكنّى مستأمنا.
ثم إنّ جماعة من الجند خرجوا فأتوا إلى ظالم مستأمنين، وتبعهم قوم بعد قوم، فطمع ظالم فدخل دمشق، وقبض على أبى المنجّا وابنه، وانقلب العسكر إلى ظالم وملك البلد.
وذلك لعشر خلون من رمضان من هذه السنة.
ثم إنّه قبض على جماعة من أصحاب أبى المنجّا واستأصل أموالهم.
ثم إنّه طلب ابن النابلسى المقدّم ذكره أنه سلخ وصلب، وهذا ابن النابلسى يقال له أبوبكر. وهو رجل عالم فاضل من أهل الرملة كان يرى بقتال المغاربة وبغضهم أنه واجب على كل مسلم. وكان قد انهزم من مصر لمّا ملكوا المغاربة خوفا منهم، فطلبه ظالم واعتقله تقرّبا للمغاربة.
ونزل بعد ذلك أبو محمود بن جعفر بن فلاح على دمشق يوم الثلاثاء لثلاث بقين من شهر رمضان المعظّم. فلقيه ظالم، وأنس به أبو محمود لما كان فى قلبه من خوف رجوع القرمطى.
ثم إنّ أبا محمود نزل الدكّة. فأخرج إليه أبا المنجّا وابنه وابن النابلسى. فتقرّب بذلك إلى جميع المغاربة. فعمل لكل واحد منهم قفص من خشب، وحملهم إلى مصر. فحبس أبو المنجّا وابنه
وأخذ ابن النابلسى فقالوا له: أنت قلت: لو أنّ معى عشرة أسهم لرميت تسعة فى المغاربة وواحد فى الروم؟ فاعترف بذلك. وسب المعزّ وشتم. فأمر به فسلخ وحشى جلده تبنا وصلب.
ولما نزل أبو محمد البلد <ة> اضطرب أهلها، ومدّت المغاربة أيديهم فى أخذ من يلقونه فى الطرق من الناس. ثم امتدوا إلى نهب القوافل والقرى والضّياع. وقصرت يد أبو محمود عن دفعهم، فإنّه لم يكن معه مال يعطيهم. ثم كثر النهب والأذى والقتل. ولم يزل ذلك البلاء على الناس من المغاربة إلى السابع عشر من ذى القعدة. فوقعت الحرب بين أهل (ص 107) مدينة دمشق والمغاربة، وحصلت بينهم من الوقائع والحروب ما يطول شرحه، وقتل بينهم خلق عظيم. وأحرقوا أكثر دمشق بالنار، ولم يزالوا كذلك فى أشد الحروب يقتتلون فى كل صباح إلى أن هلّت سنة أربع وستين وثلاث مئة حسبما يأتى من بقية الكلام فى ذلك.
وفيها أعاد عزّ الدولة النواح على الحسين على ما جرت به العادة.
وتوفى الإمام المطيع لله أمير المؤمنين بواسط. وردّ تابوته فى ثامن عشر المحرّم من سنة أربع وستين وثلاث مئة.
وكانت خلافته تسعا وعشرين سنة وأشهرا.
وله يوم مات ثلاث وستون سنة وأيام، واستقرّ بالخلافة الطائع لله حسبما يأتى من ذكره.