الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر العبيديون ونسبهم
وبدوّ شأنهم، من كتاب الشريف
قال الشريف أبو الحسين محمد بن علىّ المعروف بأخى محسن رحمه الله تعالى:
نبتدئ الآن بذكر خبر هؤلآء القوم الذين استولوا وتغلّبوا على المغرب، أعنى عبيد الله بن الحسين وأولاده من بعده، ونذكر مواضعهم، وكيف كان أمرهم إلى آخر ما يقف بنا الكلام.
فأقول: إن هؤلآء القوم من ولد ديصان الثنوى الذى تنسب إليه الثنويّة. وهو مذهب يعتقدون فيه خالقين اثنين: أحدهما يخلق النّور والآخر يخلق الظلمة. تعالى الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلّ شئ قدير.
فولد ديصان الملعون ولدا يقال له ميمون القدّاح، وإليه تنسب الميمونيّة. وكان له مذهب فى الغلوّ.
ثم ولد لميمون ولدا يقال له عبد الله. وكان أخبث من أبيه وأمكر، وأعلم بالحيل. فعمل أبوابا عظيمة من المكر والخديعة على بطلان الإسلام.
وكان عارفا بجميع الشرائع والملل والسنن، وجميع علوم المذاهب كلّها، فرتّب
ما جعله للإنسان من المكر والخديعة تسع دعوات يدرّجه من واحدة إلى واحدة، فإذا انتهى إلى الدعوة الأخيرة جعله معرّى من جميع الأديان، لا يعتقد غير تعطيل البارى جلّ ذكره، وإباحة أمة محمد صلى الله عليه وسلم وغيرهم من الأمم، ولا يرجو ثوابا ولا يخاف عقابا. وما هويت نفسه لا يرجع عنه.
وكان هذا الملعون المسمّى بعبد الله بن ميمون يريد بهذا أن يجعل المخدوعين أمّة له، ويستمدّ من أموالهم بالمكر والخديعة فى الباطن، وفى الظاهر، <ف> إنه يدعو إلى الإمام من آل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعنى أنه محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب عليه السلام. وكذب فى ذلك، ليس لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هذا الأمر كثير ولا قليل، وإنّما هو شئ يخدع به الناس ليجمعهم عليه بهذه الحيلة. وقد كان عبد الله هذا طلب أن يتنبّأ قبل هذه الشعوذة فلم تتمّ له الحيلة.
وقد ذكره أحمد بن الحسن المسمعى فى كتابه الذى ذكر فيه من تنّبأ من الكذّابين.
وأصل هؤلآء القوم، أعنى عبد الله بن ميمون وآباءه، من موضع بالأهواز يعرّف بقورح العبّاس. وكان عبد الله هذا قد نزل عسكر مكرم، فسكن بساباط أبى نوح، فاكتسب بهذه الدعوة الخبيثة التى يأتى ذكرها فى هذا الكتاب مالا. وكان يتستّر بالتشيّع والعلم، فلما صار له دعاة، وظهر ما كان فيه
من التعطيل والإباحة والمكر والخديعة، ثار الناس عليه. فأوّل من ثار عليه الشيعة ثم المعتزلة وسائر الناس، وكبسوا ذاره، فهرب إلى البصرة، ومعه رجل من أصحابه يعرف بالحسين الأهوازى. فلما لم يجدوه هدموا دارين له بعسكر مكرم، فاتخذوا أحدهما مسجدا، والأخرى مهدومة إلى الآن.
فلما وصل عبد الله بن ميمون إلى البصرة نزل ببنى باهلة على موال لآل العقيل بن أبى طالب وقال لهم: أنا من ولد عقيل، وداع إلى محمد بن إسماعيل ابن جعفر، ولم يمكنه يقول ذلك بفارس لشهرته فى الناس ومعرفتهم به. وإنما كانت دعواه إلى عقيل بن أبى طالب سرّا عند من يخدعه. فلما قام انتشر خبره، فطلبه العسكريّون فهرب. فأخذ طريق الشام ومعه حسين الأهوازى.
فلما توسّطا (ص 14) الشام عدلا إلى سلمية ليخفى أمرهما. فأقام بها عبد الله وخفى أمره، حتى ولد له ابن فسمّاه أحمد مكرا منه، ليخفى ما هو عليه من فساد عقيدته.
فلما هلك عبد الله قام بأمر الدعوة الخبيئة ابنه أحمد. فبعث أحمد بالحسين الأهوازى داعية إلى العراق، فلقى حمدان بن الأشعث قرمطا بسواد الكوفة.
وسيأتى خبره بعد ذكر بنى عبد الله.
ثم ولد لأحمد بن عبد الله الحسين ومحمد المعروف بأبى الشلعلع.
ثم ولد لحسين ولدا فسمّاه سعيدا. فاستقرّت الدعوة الخبيثة فيه. وكان أحمد فى حال حياته بعث داعيين إلى المغرب أخوين: أحدهما أبو عبد الله الشيعى، والآخر أبو العباس، فنزلا فى قبيلتين من قبائل البربر فأخذا على أهلها.
وكان قد اشتهر أمرهم بسلمية جدا وأيسروا، وصارت لهم أملاك كثيرة وأموال جمّة. وبلغ السلطان أمرهم، فبعث يحثّ فى طلبهم، لما يفعلونه من المكر والحيلة وبثّ الدّعاة وفساد الدين الإسلامى. فلما وقع الطلب على سعيد هذا بسلمية هرب إلى مصر يريد المغرب. وكان على مصر يومئذ عيسى النوشرى. وكان سعيدا هذا خدّاعا، فدخل إليه ونادمه.
فبلغ خبره الخليفة فبعث إلى عيسى بأن يستقصى عليه ويطلبه حيث كان.
فقرئ كتاب السلطان فى مجلس عيسى وفيه ابن المدبّر، وكان مؤاخيا لسعيد ويريد أن يدخل فى دعوته. فعرف سعيد بالخبر فى وقته، فهرب.
وأمر عيسى بالقبض على سعيد فلم يوجد، وهرب إلى الإسكندرية. فبعث عيسى إلى والى الإسكندرية بأن يقبض على سعيد. وكان واليها يومئذ رجلا ديلميّا يقال له علىّ بن وهسودان (ص 15) وكان سعيد كما ذكرنا خدّاعا. فلما قبض عليه تقرب إليه أنه من آل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرقّ له وأخذ منه بعض ما كان معه وأطلقه.
فسار حتى نزل سجلماسة من المغرب الأوسط. وكان فى رسم التّجار، فتقرّب إلى واليها وهو يومئذ اليسع آخر ملوك بنى مدرار، فأقام عنده مدّة.
وبلغ الخليفة المعتضد خبره، فبعث يحثّ فى طلبه. فلما قرأ كتابه صاحب سجلماسة لم يقبض عليه. فورد عليه كتاب آخر يحثّه على القبض عليه. فقبضه وأودعه الاعتقال فى قلعة بسجلماسة. وقد كان خبره قد وصل إلى أبى عبد الله الشيعى الداعى الذى قدمنا ذكره، وقلنا إنه بعثه أحمد هو وأخوه أبو العباس إلى المغرب دعاة.
وقيل إنّ الذى بعثهما هو محمد بن أحمد المعروف بأبى الشلعلع.
فسار أبى عبد الله بمن معه من البربر فقتل والى سجلماسة واستخلص سعيدا، وصار صاحب الأمر.
هذا ما ذكره الشريف أبو الحسين.
وأمّا ما ذكره صاحب «الدول» فإنه قال: لما وصل أبو عبد الله الشيعى بجيوشه وقارب سجلماسة قيل لليسع صاحبها: إنّ هذا الرجل الذى فى اعتقالك هو الذى يدعو له أبا عبد الله. فعمد صاحب سجلماسة أن قتل سعيدا وتركه طريحا فى السجن، وهرب من البلد مع جميع أهله.
فدخل أبو عبد الله السجن فوجده مقتولا وعنده رجل من أصحابه كان
اعتقل معه. فخاف أبو عبد الله أن ينتقض عليه ما دبّره من الأمر إن عرفت البربر والعساكر بقتل صاحب الدعوة. فتعاون مع الرجل ودفنه، ودمره ودثر مكانه، وعاهد ذلك الرجل على أن يكون هو صاحب الدعوة. فاتّفق ذلك. (ص 16) ثم أخرجه وقال: هذا هو المهدىّ صاحب الدعوة. واستقرّ له الأمر، ولم يلبث إلاّ يسيرا حتى قتل أبا عبد الله الشيعىّ الداعى، وتملك سعيد البربر كما يأتى خبره فى موضعه إن شاء الله تعالى.
ثم غلب على بنى الأغلب ولاة المغرب، وتلقّب بالمهدىّ وصار إماما علويا من ولد محمد بن إسماعيل بن جعفر كما يأتى تتمة خبره بعد ذكر الأغالبة.