الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر أشياء من خطط القاهرة
مما لم يسبق إليها أحد
قال: ونزل القائد جوهر فى مناخه موضع القاهرة الآن، يوم الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من شهر شعبان سنة ثمان وخمسين وثلاث مئة. واختطّ فى تلك اليلة القصر. فلما أصبح المصريون حضروا للهناء، فوجدوه وقد حفر الأساس بالليل. وكانت فيه ازورارات غير معتدلة.
فلما شاهد جوهر ذلك لم يعجبه. ثم قال: دعوه. فإنه حفر فى ليلة مباركة وساعة سعيدة. وتركه على حاله. وكان قصر الشوك قبل بناية القاهرة يعرف بذلك، وكان منزلا لبنى عذرة، فجعل أحد أبواب قصر جوهر.
ثم خطت خطط القاهرة بعد ذلك.
وحدّ القاهرة من مصر السبع سقايات.
ولما بنى جوهر القصر أدخل فيه دير العظام. وهو الآن المعروف بالركن المخلّق قبالة حوض جامع الأقمر، وبقربه بئر العظام. والمصريّون يقولون بئر العظمة. فكره جوهر أن يكون فى القصر دير فنقل
العظام التى كانت به والرمم إلى دير فى الخندق، لأنّه يقال إنها عظام جماعة من الحواريّين. وبنى مكان الدير مسجدا من داخل القصر.
ولما نزل جوهر هذه المنزلة وبنى القصر، اختطت كلّ قبيلة خطة عرفت بها. فأوّل من اختطّ أهل زويلة. فعرفت بحارة زويلة.
وكذلك البئر التى تعرف بها وهى بئر زويلة بالمكان الذى تعمل فيه الروايا الآن. وكذلك البابان المعروفان ببابى زويلة.
البرقية: ثم اختطت أهل برقة خطة فعرفت (ص 94) بهم.
حارة كتامة: ثم جاورهم قبيلة كتامة فاختطّوا خطة عرفت بهم.
الباطليّة: قال ابن عبد الظاهر رحمه الله: هؤلآء قوم كان المعزّ لما حضر إلى مصر قسم العطاء للناس. فجاءت طائفة فسألت العطاء. فقيل: فرغ ما كان حاضرا، ولم يبق شئ. فقالوا: الحقّ باطل. فسموا الباطليّة، فجاوروا كتامة فعرفت بهم.
قلت: رأيت فى مسوّداتى أنّ هؤلآء قوم يعرفون بالباطنية وكانوا شديد التشيّع، وكانوا يثبون على من جهّزوا له كالفداوية، ويقتلون بالسكّين، ويقولوا فى حب علىّ وبنيه. وكانت لهم أرزاق سنيّة
على الخلفاء المصريّين. ثم لما طال العهد قيل الباطليّة. فقلبت النون عينا والله أعلم.
حارة الديلم: هؤلآء قوم قدموا مع أفتكين غلام معزّ الدولة ابن بويه ديلميّة. وكان صحبته أولاد سيده. وجرى له مع العزيز بن المعزّ أمور كثيرة وحروب شديدة يأتى ذكرها فى مكانها فى تاريخها، فنزلوا هذه الخطة فعرفت بهم.
حارة الروم: قال ابن عبد الظاهر رحمه الله: هما حارتان.
حارة الروم التى داخل باب زويلة، وحارة الروم الجوّانية داخل باب النصر. فلما صار الناس يقولون حارة الروم الجوّانية خففت فقيل الجوانيّة.
قال: وقال لى القاضى زين الدين رحمه الله الله الله: إنّ الجوّانية منسوبة للأشراف الجوانيّين. منهم الشريف النسّابة الجوّانى كما أنّ كتامة منهم خير الكتامى.
الوزيرية: منسوبة إلى الوزير أبى الفرج يعقوب ابن كلّس كما يذكر من خبره فى تاريخه. وداره دار الديباج التى هى الآن مدرسة الصاحب صفىّ الدين عبد الله بن علىّ. أوقفها على المالكية.
حارة برجوان: منسوبة للأستاذ برجوان الخادم. وكان خادم القصور فى أيّام العزيز. جعل ولده الحاكم فى حجره فتمكّن وكثرت أمواله. فنزل هذه الحارة فعرفت به. وسيأتى ذكره فى تاريخه إن شاء الله تعالى.
قلت: هذا ما لخّصته من كتاب الخطط. وهو مسوّدة بغير ترتيب، ولا هى كلام متوالى.
وقصدى إن فسح الله فى الأجل بعد تكملة هذا التاريخ أن أنشئ كتابا يتضمّن خطط القاهرة أسمّيه «الروضة الزاهرة، فى خطط القاهرة» ، آتى فيه بما لم أسبق إليه من فنون، تشنف السامع وتنزّه العيون، وذلك لمّا استضويت بهذه الأنوار، المفترعة من أبكار الأفكار، فيكون ذلك أسسا للبناية، ونورا للهداية، والمرجو من الله تعالى إدراك هذه النيّة، وبلوغ هذه الأمنية، إنه بالإجابة جدير، وهو على كلّ شئ قدير.
ولما بنى جوهر القصور وحضر المعزّ وسكنها امتدحه بعض شعراء المغاربة بقصيدة أوّلها، يقول:
أعليت فى الدنيا القصور القاهرة
…
وكذا قصورك فلتكن، فى الآخرة
وقررت عينك بالأمانى والهنا
…
وسخنت عين حواسديك الساهرة
وهذه لم تكن فى مسوّدة ابن عبد الظاهر. وستأتى بكمالها فى الكتاب الذى عزمت على إنشائه إن شاء الله تعالى.
(ص 95) وفيها دخل النقفور دمستق إلى نصيبين. وكانت سنة قران.
وفيها وصلت القرامطة الديار المصرية. وكان القائد جوهر قد خندق خندقا عظيما ظاهر السور، وقد ارتفع البناء من القاهرة ما يغطّى الفارس، وكان قدوم القرمطىّ مستهلّ ربيع الأوّل من هذه السنة.
فقاتلوا المغاربة الخندق أشدّ قتال. وقتل كثير من خارج الخندق.
ودام القتال والمحاصرة ثلاثة أشهر. ثم إنّ القرمطىّ رحل بغير سبب، ولا علم له خبر.
فلما تيقّنت المغاربة وجوهر أنّ القرمطىّ عاد إلى دياره أنفذ إبراهيم ابن أخته فى جيش إلى يافا ليدرك ابن حيّان وينجده. وبلغ من عليها من المحاصرين رحيل القرمطىّ عن مصر، ومسير النجدة من قبل جوهر
إلى ابن حيّان بيافا. فسار القوم عنها، وتوجّهوا نحو دمشق، فنزلوا بعسكرهم ظاهرها. ثم جرى بين أبى المنجّا وبين ظالم العقيلى كلام وخلاف بسبب أخذ الخراج. وكان كلّ واحد منهما يريد أخذه لنفسه، وللنفقة فى رجاله. وكان أبو المنجّا له وجاهة عند القرمطىّ، فتلقّاه إلى الرملة وعرّفه ما كان من ظالم العقيلى. فقبض عليه وحبسه، ثم ضمنه شبل بن معروف فخلّى سبيله. فهرب إلى شطّ الفرات.
ثم إنّ الحسن بن أحمد اعتدّ للعودة إلى مصر. وقد كان جوهر يكتب إلى المعزّ بكل ما جرى من القتال مع القرامطة، وأنّ الحسن ابن أحمد القرمطى قد أشرف على أخذ مصر. فقلق لذلك قلقا شديدا، وجمع من يقدر عليه وتوجّه إلى نحو مصر، وهو يظن أنّها ستخرج عن يده قبل وصوله إليها. فلم يزل يجدّ السير حتى دخلها فى سنة اثنتين وستين فى تاريخ ما يذكر.