الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
11 -
أبو نصر زيادة الله بن أبى العباس
بن إبراهيم بن أحمد
ولما قتل أبو العباس بادر الخدم الذين قتلوه فأخبروا ولده زيادة الله.
فتخوّف لئلا يكون مكيدة من أبيه عليه. فأحضروا الرأس إليه وفكّوا قيده.
فأظهر الغضب وعدم الرضا. وقتل الخدم الذين باشروا قتله، وقبض على عمومته ورؤساء أهل بيته، واستدعى أخاه من قتال الشيعىّ فبادر بقتله. وأقام يقاتل الشيعىّ مدّة، والشيعىّ ينتقص أطرافه ويكسر جيوشه، إلى أن بعث إبراهيم ابن الأغلب، وهو أحد بنى عمّه فى سنة خمس وتسعين ومئتين، فى جيش لا يجتمع لأحد من بنى الأغلب، أظهر فيه قوّته، وجعله عذره فى الهرب، وأمره أن لا يتجاوز مدينة الأربس لئلا يكن حائلا بين أطراف بلاد القيروان وبين الشيعىّ. ثم سار الشيعىّ، والتقوا يوم السبت لستّ بقين من جمادى الآخرة سنة ست وتسعين ومئتين. فاستعلى عسكر زيادة الله (ص 28) على الشيعىّ، ثم نفذ قدر الله الكائن المقضىّ فانهزم إبراهيم بن الأغلب وجميع جيوشه. فبلغ الخبر زيادة الله يوم الأحد وقت الظهر. فشدّ أمواله وفاخر متاعه
وخزائنه، وأخذ من حرمه الخواصّ منهم، وكذلك غلمانه، وخرج ليلا من رقّادة هادبا.
ويحكى أنه ترك بعض حظاياه وعزم على أن لا يستصحبها معه. فلمّا خرج راكبا وأمواله بين يديه وحظاياه وغلمانه غنّت تلك الجارية:
لم أنس يوم الرحيل موقفها
…
وجفنها فى دموعها غرق
وقولها والركاب سائرة
…
تتركنى سيدى وتنطلق
قال: فرقّ لها وبكى وانتجب، وقطع أحمال بغل وأركبها واستصحبها.
وروى أنّه استصحب مما اختاره من خدمه الصقالبة لسفره ألف صقلبىّ، تحت كلّ واحد فرس، فى وسط كلّ واحد منهم منطقة ذهب خارجا عن ألف بغل من الأموال والأمتعة الفاخرة. وسار بما معه، وأسلم بلاده إلى أن قرب من الإسكندرية، ووالى مصر يومئذ عيسى النوشرى من قبل الإمام المكتفى بالله.
وقد كان زيادة الله قد مال عن إبراهيم بن أبى الأغلب ومال عن أبى الصعب بن زرارة، وعزم على قتلهما. فهربا إلى النوشرى والى مصر وأخبراه أنّ زيادة الله عازم على أن يدخل مصر مستأمنا، ثم يتغلّب عليها.
فتخوّف النوشرىّ ذلك. وكوتب زيادة الله بأن لا يدخل مصر إلاّ بإذن
الخليفة. فبعث صاحبه المعروف بابن القديم إلى النوشرى: إنّما أنا عابر سبيل قاصدا لباب الخليفة. وسار فى إثره. فبينا ابن القديم عنده إذ وافى الخبر أنّ زيادة الله قطع الجسر آخر الليل. وكان قد قام فى وجهه الحرس (ص 29). فحمل عليهم فكشفهم عن الجسر ودخل الجيزة بجميع عسكره، ثم أتى الفسطاط، وأنزل فى دار ابن الجصّاص. وكوتب الإمام المكتفى بالله فى أمره. وأطلق له النوشرىّ المصير إلى الحضرة. فسار بعد إقامة ثمانية أيام. فتخلّف عنه عامة من كان معه. فلما وصل إلى الرّملة كوتب النوشرىّ فى إلحاقهم به. فلحقوه ووصل إلى الرقّة. ولم يؤذن له فى دخول بغداد.
وورد الأمر من الإمام المكتفى بالله بأن يرجع إلى مصر ليلحق به الأجناد المندوبون للمسير معه عونة لاستنقاذ بلاده من الشيعىّ. فاعتلّ بالرقّة علّة كانت سبب منيّته. فنقل فى تابوت إلى البيت المقدّس فدفن هناك.
فكانت مدة مملكته إلى أن خرج من القيروان خمس سنين وتسعة أشهر وخمسة عشر يوما.
وكان إبراهيم بن أبى الأغلب لما انهزم من الشيعىّ بالأربس قد وصل إلى رقّادة، فوجد زيادة الله قد خرج منها. فعزم على المقام بها. وجمع آل الأغلب وبايعهم لنفسه، وندب الناس إلى بيعته. فثارت عليه الناس وقالوا له: أنت لم تقو بهذا الرجل وبيوت الأموال وراءك والجيوش تمدّك، تريد تقاويه بنا
وبأموالنا؟ اخرج عنّا، ولا تقصد ضررنا. فخرج ولحق زيادة الله. وهذا السبب فى تغيّره عليه.
وقيل: إنّه كان سمع قديما أنّ بنى الأغلب أوّلهم إبراهيم وآخرهم إبراهيم.
فلما بويع إبراهيم هذا صدق الناس.
ذكر ابن الجزّار أنّ مملكة بنى الأغلب كانت مئتى سنة واثنتى عشرة سنة وخمسة أشهر وأربعة عشر يوما.
وعدّة ملوكهم اثنى عشر نفر بإبراهيم هذا. وانقطعت دولتهم، واستولى المهدىّ عبيد الله حسبما يأتى ذلك من بعد ذكر الدعاة الذين منهم القرامطة. وبالله التوفيق.