الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الماء القديم لسنة اثنتين خمسة أذرع وثلاثة أصابع.
مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعا وثلاثة أصابع.
ما لخّص من الحوادث
الخليفة فيهما الإمام المقتفى لأمر الله أمير المؤمنين، وبنو سلجوق حكّام البلاد.
والحافظ خليفة مصر مدبر أمور ممالكه بنفسه، ونجم الدين ابن مصال بحاله.
وفى سنة إحدى بنى حسام الدين أرتق جسر قرمان فى أرض ميّافارقين.
وفى سنة اثنتين قتل عبد المؤمن صاحب المغرب جميع من كان فى مرّاكش من المقاتلة، وأحضر اليهود والنصارى وقال لهم: إنّ الإمام المهدى أمرنى أن لا أقرّ الناس إلاّ على ملّة الإسلام، وأنتم تزعمون أنّ بعد الخمس مئة يظهر من يعضد شريعتكم، وقد انقضت المدة.
فإمّا أن تسلموا وإمّا أن تلحقوا بدار الحرب. فأسلم منهم خلق كثير.
ثم إنه أخرب الكنائس (ص 296) وردها مساجد. ثم دخل بيت المال ففرّقه جميعه وكنسه وصلّى فيه، كما فعل الإمام علىّ بن أبى طالب
كرّم الله وجهه، وأقام معالم الإسلام والحدود والأحكام على الوجه المرضىّ من الشرع، مع السياسة الكاملة، وأمر من ترك الصلاة ثلاثة أيّام أن يقتل، وأزال ساير المعسكرات، ونهى عن جميع المنكرات، وكان يصلّى بنفسه بالناس الصلوات الخمس، ويقرأ فى كلّ يوم سبعا من القرآن، ويصوم الخميس والاثنين، ويلبس الصوف. وسيأتى ذكر مبتدإ أمره ونسبه وما لخّص من أخباره فى الجزء الذى يتلو هذا الجزء، عند ذكر وفاته إن شاء الله تعالى.
ورأيت فى بعض مسوداتى أنّ عبد المؤمن هذا الذى دخلت عليه حفصة بنت الحاج الشاعرة فقال لها: أنت حفصة الشاعرة؟ قالت: نعم، أصلحك الله. قال: أرينا شيئا من شعرك. فارتجلت تقول:
امنن علىّ بطرس
…
يكون للدهر عدّه
تخطّ يمناك فيه
…
والحمد لله وحده
وكانت علامته على المناشير والتوقيع: الحمد لله وحده. فحسن ذلك الموقع منها. فكتب لها توقيعا بضيعتها وأكرمها.
ومن ذلك فى ذكر حفصة الشاعرة المذكورة أن اتفق أنّه بات معها فى محاضرة وأدب أبو جعفر بن عبد الملك فى حور مؤمل، وهو أحسن أماكن النزهة بمدينة غرناطة.
فقال أبو جعفر:
رعى الله يوما لم يرح بمذمّم
…
عشيّة وارانا بحور مؤمل
وغرّد قمرىّ على الدوح وانثنى
…
قضيب من الريحان من فوق جدول
ترى الروض مسرورا بما قد بدا له
…
عناق وضمّ وارتشاف مقبّل
فأجابته بما لا يخفى إحسانها فيه على كل حاذق تقول: (ص 297)
لعمرك ما سرّ الرياض بوصلنا
…
ولكنّه أبدى لنا الغلّ والحسد
ولا صفّق النهر ارتياحا لقربنا
…
ولا صدح القمرىّ إلاّ لما وجد
فلا تحسن الظنّ الذى أنت أهله
…
فما هو فى كلّ المواطن بالرّشد
فما خلت هذا الأفق أبدى نجومه
…
لأمر سوى كيما يكون لنا رصد
وكانت أيضا بغرناطه نزهون الشاعرة. فهى ذات يوم تصحّح شئ (كذا) من اللفاظ العربية (كذا) على الشيخ أبو الحسن ابن أصحا الأعمى المخزومىّ، وكان أوحد أهل المئة السادسة فى علم العربية، وشاعرا مطبقا هجّاء فاضحا. فدخل عليه أبو بكر الكتندىّ ونزهون بين يديه، وكانت من الجمال بالموضع الوافر، فقال أبو بكر مستنطقا للأستاذ أبى الحسن:
لو كنت تبصر من تكلّمه
فأفحم الأستاذ ولم يقدر أن يجيزه. فقالت نزهون ارتجالا:
لغدوت أخرس من خلاخله
…
البدر يطلع من أزرّته
والغصن يمرح فى غلائله
ونزهون هذه التى استأذن عليها ابن قزمان المشهور بالإجادة فى الأرجال، فقالت له الجارية: من أنت حتى أستأذن لك: فقال قولى لستّك رجل من أخصّ أصحابك. فلما أعلمتها قالت: ارجعى إليه وقولى له: بالسين أو بالصاد؟ فأعادت عليه. فقال قولى لها: بصاد مثل كسّك.
وكان فى غرناطة أيضا فى المئة السادسة حمدة بنت زياد القائلة وقد خرجت إلى بسيط غرناطة مع نساء، فيهن من تميل إليها. فلعبن وسبحن فى تلك الأنهار المتفرّقة. فقالت حمدة فى ذلك:
أباح الدمع أسرارى بواد
…
له فى الحسن آثار بوادى
فمن نهر يطيف بكلّ روض
…
ومن روض يرفّ بكلّ واد
ومن بين الظباء مهاة أنس
…
لها لبّى وقد سلبت فؤادى
لها لحظ ترقّده لأمر
…
وذاك الأمر يمنعنى رقادى
إذا سدلت ذوائبها عليها
…
رأيت البدر فى أفق السواد
كأنّ البدر مات له شقيق
…
فمن حزن تسربل بالحداد
ومن شعرها:
ولما أبى الواشون إلاّ فراقنا
…
وما لهم عندى وعندك من ثار
وشنّوا على أسماعنا كلّ غارة
…
وقلّ حماتى عند ذاك وأنصارى
لقيناهم من ناظريك وأدمعى
…
ومن نفسى بالسيف والسّيل والنار
قال ابن واصل: ولما كان فى سنة إحدى وأربعين قصد عماد الدين قلعة جعبر، وصاحبها يومئذ [مالك بن] سالم بن مالك العقيلى، وحاصرها، وسيّر إلى صاحبها رسولا يقول له فى جملة رسالة: من يمنعك عنى؟ وكان الرسول الأمير حسّان صاحب منبج لمودّة كانت بينهما.
فلما أدّى الرسالة وقال له: يقول لك من يمنعك منى، فقال يمنعنى منه الذى يمنعك من الأمير بلك.
قصد بقوله أنه لما نازل بلك بن بهرام بن أرتق منبج، بعد أن أسر حسّان هذا وهو صاحبها يومئذ، ولم يبق إلا أخذها، فجآءه سهم فوقع فى نحره فأهلكه وخلص حسّان منه.
فكانت واقعة عماد الدين على قلعة جعبر كذلك، فإنّه أقبل عليها وخلصت من حصاره حسبما يأتى من ذكر ذلك فى الحاشية الأخرى من الوجه الآخر.
قلت: وقد ورد عن الله تعالى حكاية يقول: أنا الله ربّ مكّة، وعزّتى لا أقمت لمقدّر أمرا.
وقيل: إنه كان فى أتابك فى أوّل مبدإه ظلم، فسمع ليلة وهو نازل بحماة شخصا يغنى على شاطئ العاصى:
اعدلوا ما دام أمركم
…
نافذا فى النفع والضرر
واحفظوا أيّام دولتكم
…
إنكم منها على خطر
قال: فبكى، فتبدلت نيته.
قال ابن واصل: وفى سنة إحدى وأربعين قتل أتابك زنكى وهو محاصر لقلعة جعبر. دخل عليه صبى من غلمانه إفرنجى اسمه برتقش مع جماعة من مماليكه فقتلوه على فراشه وهربوا فى الوقت إلى قلعة جعبر. وكان ذلك ليلة الأحد لستّ مضين من ربيع الآخر، واستولى على الأمر بعد قتله ألب أرسلان السلجوقى الذى كان يدّعى أتابك زنكى أنه أتابكه. فدبّر عليه الوزير جمال الدين [الاصفهانى] مع صلاح الدين الياغسيائى وأحضروا سيف الدين غازى، وهو أكبر أولاد أتابك زنكى، وسلّموه الموصل، وملّكوه عوضا عن أبيه، وأعملوا
الحيلة على ألب أرسلان حتى دخل الموصل فقبض عليه وكان آخر العهد به.
وملك نور الدين محمود حلب، وهو نور الدين أبو القاسم محمود الشهيد حسبما يأتى من ذكره.
[ولما قتل عماد الدين أتابك زنكى رحمه الله قال الأمير مؤيد ابن منقذ: وكأنّ الشاعر المتنبى رثاه بقوله:
وقد قاتل الأتراك حتى قتلنه
…
بأضعف قرن فى أذلّ مكان
ومن بعض ما يحكى عنه من قوة منطوية أنه مما امتحن به بعض علمائه أعطاه يوما فى تسليمه خشكنانكه وقال له: احفظ هذه.
فبقيت نحوا من سنة وهى لا تفارقه سفرا وحضرا، خوفا أن يطلبها منه. فلما كان بعد ذلك قال له: أين الخشكنانكه؟ قال: فأخرجها له من منديل ثم قدّمها بين يديه. فاستحسن ذلك منه. وقال:
مثلك ينبعى أن يكون مستحفظا بحصن. وأمره حينئذ بدزدارية قلعة كواشى. فبقى فيها ذلك الطشتدار إلى أن قتل عماد الدين.
ومن جملة حزمه أنه تفرّس فى الأمير بهاء الدين ياروق التركمانى الشجاعة فجعل له ولاية حلب. فكان ياروق وأصحابه حصن حلب المانع حتى ضربت بشجاعته الأمثال.