الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر أبو طاهر القرمطى لعنه الله
ثم خمدت أحوال القرامطة إلى أن تحرك أبو طاهر بن أبى سعيد الجنّابى لعنه الله وعمل على أخذ البصرة. وذلك فى سنة عشر وثلاث مئة، فعمل سلالم عراضا يصعد على كل مرقاة اثنان بزرافين إذا احتيج إلى نصبها، وتخلع إذا أريد خلعها، ثم وافى البصرة ليلا. فأخرجت الأسنة من زبل كانت فيها بحيث لا تصدأ، وركّبت على الرماح، وفرّقها على أصحابه، وحشيت غرائر بالرمل، وحملت على الجمال، وأشياء من حديد قد أعدّت لذلك. وساروا إلى السور قبل الفجر. فوضعوا السلالم، وصعد عليها قوم من جلداء أصحابه. فقتلوا سائر من تكلّم.
ودفع إلى آخرين ما يكسرون به الأقفال، وفتحوا الأبواب. ودخل جيشهم. فأول ما عملوا طرحوا ذلك الرمل الذى كان على الجمال فى الأبواب نحو ذراع ليمنعوا غلقها، وكان الأمير على البصرة يوم ذلك شبل المفلحى. فركب مذعورا فى بعض غلمانه. فقتلوه من وقته وساعته. وفزع الناس وركبت الخيل. وكانت العامة قد منعها السلطان من حمل السلاح فاجتمعوا بالآجرّ. وحضر ابن شبل واجتمع عليه الناس. ووقعت الحرب فأصابت القرامطة جراحات. والقتل فى العامة كثير جدا. ولم يزل الأمر كذلك إلى آخر النهار (ص 64) ثم
خرجوا وقد قتلوا من الناس مقتلة عظيمة إلى خارج البلد، فباتوا خارج البلد. وخرج الناس بعيالاتهم فركبوا الأنهار. وباكر البلد. فنزل دار عبد السلام الهاشمى. وتفرق أصحابه فى البلد يقتلون من وجدوا وينهبون ما يجدون ويحمل ذلك إلى مكان قد عيّن لجمعه فيه. ثم إنهم رحلوا آخر النهار إلى الأحساء بلدهم. وتراجع الناس إلى دفن قتلاهم.
فلما اتصل خبرهم بالسلطان أنفذ ابن نفيس فى عدّة وعدد.
فشكر الناس. ثم قلّد أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان أعمال الكوفة وحبيلا وقصر ابن هبيرة والسواد وطريق مكة. فجرى بينه وبين الثورانى وقائع عظيمة يطول شرحها. وردّهم عن أعماله بشجاعته وصرامته، حتى إنه تعرض قوم من الأعراب للفساد فى عمله، فرحل فى إثرهم إلى قرب دومة الجندل حتى ظفر بهم. ولم يكن أحد قبله فعل ذلك. فهابوه وعمرت البلاد فى أيّامه، وصلحت الطرق، وأمنت الناس. فلما وقف القرمطى على ما <فعل> هاله ذلك. وكانت جواسيسه لا تنقطع عن العراق كثرة فى صور مختلفة.
وأمره يطول شرحه مع وقائع جرت له مع أبى الهيجاء ابن حمدان، وأسره إيّاه فى حديث طويل جدا.
ولم يزل كذلك إلى أن دخلت سنة ست عشرة وثلاث مئة.
فدخل الكوفة. وكان عاد لا يمنعه عنها مانع. فدخلها يوم الجمعة
لثلاث خلت من شهر رمضان من هذه السنة المذكورة. فأقام بها إلى مستهلّ ذى الحجة ولم يقتل بها أحد، ولا نهب شيئا، فساس الناس أمرهم معه، ولطفوا به وبمن معه، ثم رحل عن الكوفة فى ذى الحجة.
فلما كان فى سنة سبع عشرة وثلاث مئة رحل بجيشه، فوافى مكّة. فدخلها يوم الاثنين لثمان خلون من ذى الحجة فقتل الناس فى البيت (ص 65) قتلا ذريعا، ونهب البيت، وأخذ سلبه، وقلع ذهبه، ونزع بابه وستائره، وأظهر الاستخفاف به، وقلع الحجر الأسود وأخذه معه، ولم يشكّ الملعون هو وأصحابه بجهلهم أنه قد بطل قول الله عز وجل ({وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً}). وخلع الشكّ فى ذلك كثيرا من الناس عن دينه، ولم يعلم أنّ معنى ذلك أنه من دخله كان آمنا فى حكمى وفرضى. فأمّا أن يكون أخرج ذلك مخرج الأخبار فإنه غلط، لأن الآية جاءت على معهود كما بيّن عز وجل.
ولم يزل الحجر الأسود عندهم إلى سنة تسع وثلاثين وثلاث مئة.
فأرادوا أن يستميلوا أهل الإسلام بالمقاربة، وأراد الله أن يهتك أستارهم وأن يكذب ما قدّموه من دعوتهم، وأن يلجئهم إلى تناقض الأقوال
والأفاعيل. فحملوا الحجر الأسود صغرة منهم وردّوه إلى الكوفة فنصبوه فيها.
وكان قصدهم بذلك استمالة قلوب الناس. فنصبوه فى مسجد الجامع على الأسطوانة السّابعة فى القبلة مما يلى صحن المسجد. وكان فى ذلك آية عظيمة من آيات النبوة بيّن الله صدق رسوله صلى الله عليه وسلم عند نجوم الأشكال فيه. فوطّى الله بذلك حجة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ومكّن به صحة شريعته بأن جاء عنه فى الخبر أنّ الحجر الأسود يعلّق فى مسجد الجامع بالكوفة فى آخر وقت. وجاء الخبر بذلك منقولا مشهورا عن محمد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب عليه السلام. ومثل هذا لا يكون عن منّجم، ولا يوصل إليه إلاّ بخبر من رسول ربّ العالمين.
فهذا ما جرى من أبى سعيد الجنّابى وولده فى تلك الديار. وهم شعب من القرامطة. وقد لخّصت من ذكرهم جدّ (ص 66) الاجتهاد وجهد الطّاقة.
<أبو عبد الله الخادم>
وأتباعه
وأمّا خراسان فإنّ الذى قدم بهذه الدعوة الخبيثة رجل يعرف بأبى عبد الله الخادم. وكان خادما لعبيد الله المهدى بالمغرب. فأوّل ما ظهرت بنيسابور. فكان أحد من أجابه رجل يعرف بأبى سعيد الشعرانى. فلما حضرت أبا عبد الله الوفاة جعله مقامه فى الأخذ على الناس، واستخلف الشعرانى بعده الحسين بن على المروزى. وأقام بعده المروزىّ محمد بن إسحاق النسفى صاحب كتاب «المحصول» والمقالة المقبولة فيه تعطيل الإسلام وغيره من الأديان، والجرأة على سفك الدماء وارتكاب المحارم وتعطيل الخالق. وكان الذى مكّن أمر هذه الدعوة المروزى بقوته وإمارته وتمكينه. ووزيره يومئذ محمد بن موسى البلخى. فاستدعى له ابن بابويه صاحب سجستان واستدعى النسفى خلقا كثيرا من الرؤساء أصحاب السلاح.