الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر نسخة الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم.
من عبد الله ووليّه، وخيرته وصفيّه، معدّ أبى تميم ابن إسماعيل، المعزّ لدين الله، أمير المؤمنين، وسلالة خير النبيّين، ونجل علىّ أفضل الوصيين.
إلى الحسن بن أحمد.
أما بعد، فإنّ رسوم النطقاء، ومذاهب الأئمة والأنبياء، ومسالك الرسل والأصفياء، السالف والآنف منا، صلوات الله علينا، وعلى آبائنا، أولى الأيدى والأبصار، فى متقدّم الدهور والأكوار، وسالف الأزمان والأعصار، عند قيامهم بأحكام الله، وانتصابهم لأمر الله، الابتداء بالإعذار، والانتهاء بالإنذار، قبل إنفاذ الأقدار، فى أهل الشقاق والآصار، لتكون الحجّة على من خالف وعصى، والعقوبة على من باين وغوى، حسب ما قال الله عز وجل ({وَما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولاً})(ص 99) وقوله سبحانه ({قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اِتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللهِ، وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}). ({وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ}).
أمّا بعد أيّها الناس، فإنا نحمد الله بجميع محامده، ونمجّده بأحسن مماجده، حمدا دائما أبدا، ومجدا عاليا سرمدا، على سبوغ نعمائه، وحسن بلائه، ونبتغى إليه الوسيلة، بالتوفيق والمعونة على طاعته، والتسديد فى نصرته، ونستكفيه ممايلة الهوى، والزّيغ عن قصد الهدى، ونستزيد منه إتمام الصلوات، وإفاضة البركات، وطيّب التحيّات، على أوليائه الماضين، وخلفائه التالين، منا ومن آبآئنا الراشدين المهديين، المنتخبين، الذين قضوا بالحق وبه يعدلون.
أيّها الناس! قد جاءكم بصائر من ربّكم، ({فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ، وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها}) ليذّكر من يتذكر، وننذر من أبصر فاعتبر.
أيها الناس إنّ الله جلّ وعزّ إذا أراد أمرا أقضاه، وإذا أقضاه أمضاه. وكان من قضائه فينا قبل التكوين أن خلقنا أشباحا، وأبرزنا أرواحا، بالقدرة مالكين، وبالقوّة قادرين، حين لا سماء مبنيّة، ولا أرض مدحيّة، ولا شمس تضئ، ولا قمر يسرى، ولا كوكب يجرى، ولا ليل يجنّ، ولا أفق يكن، ولا لسان ينطق، ولا جناح يخفق، ولا ليل ولا نهار، ولا فلك دوّار، ولا نجم سيّار. فنحن أول الفكرة وآخر العمل، بقدر مقدور، وأمر فى القدم مبرور. فعندما تكامل الأمر وصحّ العزم أنشأ الله عز وجل
المنشآت وأبدأ الأمّهات من هيولانا وطبعنا أنوارا وظلما، وحركة وسكونا. فكان من حكمه السابق فى علمه ما ترون (ص 100) من فلك دوّار، وكوكب سيّار، وليل ونهار، وما فى الآفاق من آثار معجزات، وأقدار باهرات، وما فى الأقطار من الآثار، وما فى النفوس من الأجناس، والصور والأنواع، من كثيف ولطيف، وموجود ومعدوم، وباطن وظاهر، ومحسوس وملموس، ودان وشاسع، وهابط وطالع.
كلّ ذلك لنا، ومن أجلنا، دلالة علينا، وإشارة إلينا، يهدى الله به من كان له لبّ سجيح، ورأى صحيح، قد سبقت له منا الحسنى، فدان بالمعنى».
ثم ذكر كلاما كثيرا واستشهد بآيات من القرآن العظيم حرّفها عن مواضعها وفسّرها بخلاف معانيها.
ثم قال: وكتابنا هذا من فسطاط مصر، وقد جئناها على قدر مقدور، ووقت مذكور، فلا نرفع قدما، ولا نضع قدما، إلاّ بعلم موضوع، وحكم مجموع، [وأجل معلوم، وأمر قد سبق، وقضاء قد تحقق. فلما دخلنا وقد] قدّر المرجفون من أهلها أنّ الرجفة تنالهم، والصعقة تحلّ بهم، تبادروا وتعادوا شاردين، وخلّوا
عن الأهل والحريم، والأموال والرسوم، وإنّا ل ({نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ، الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ})({يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ}). فلم أكشف لهم خبرا، ولا قصصت لهم أثرا، ولكنى أمرت بالنداء، وأذنت بالأمان، لكل باق ونافر، وباد وحاضر، ولكلّ منافق ومشاقق، وعاص ومارق، ومعاند ومسابق، ومن أظهر صفحته وأبدى إلىّ سوءته، فاجتمع المخالف والموافق، والمباين والمنافق، فقابلت الوفىّ بالإحسان، والمسئ بالغفران، حتى [رجع النادّ والشارد، و] تساوى الفريقان، واتفق الجمعان، وانتشرت البركات، فتكاثرت الخيرات، كلّ ذلك بقدرة ربّانيّة، وأمور برهانية.
ثم قال: وأمّا أنت أيّها الغادر الخائن، الناكث البائن، عن هدى آبائه وأجداده، المنسلخ من دين (ص 101) أسلافه وأنداده، الموقد لنار الفتنة، الخارج عن الجماعة والسنّة، فلم أغفل أمرك، ولا خفى عنى خبرك، ولا استتر دونى أثرك، وإنّك منى بمنظر ومسمع، كما قال الله عز وجل ({إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى})
({ما كانَ أَبُوكِ اِمْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا}) فعرّفنا على أىّ رأى أنت، وأىّ طريق سلكت. أما كان لك بجدّك أبى سعيد أسوة، وبعمّك أبى طاهر قدوة؟ أما نظرت فى كتبهم وأخبارهم؟ أما قرأت وصاياهم وأسفارهم؟ أكنت غائبا عن ديارهم وما كان من آثارهم؟ ألم تعلم أنّهم كانوا عبادا لنا أولى بأس شديد، وعزم شديد، وأمر رشيد، وعمل حميد؟ تفيض عليهم بركاتنا، وننشر عليهم موادنا، حتى ظهروا على الأعمال، وعادوا لنا عمال، ودان لهم كلّ أمير ووال، ولقّبوا بالسادة فسادوا، وبالمنحة منا واسم من أسمائنا، فعلت أسماؤهم، واستعلت كلمتهم، واشتدّ عزمهم، فسارت إليهم وفود الآفاق، وامتدت نحوهم الأحداق، وخضعت لهيبتهم الأعناق، وحسم بهم مادة الفساد والعناد، فكانوا لبنى العباس أعداء وأضداد.
ثم قال بعد كلام كثير: فيا أيها الناكث الحانث، ما الذى أرداك، وصدّك وأغواك؟ أشئ شككت فيه، أم أمر استربت منه؟ أم كنت خاليا من الحكمة، وخارجا عن الكلمة، فأزلك هذا وصدّك، وعن سبيل الحقّ ردّك، إن هى إلا ({فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ})
وأيم الله لقد كان الأعلى لجدك، والأرفع لقدرك، والأفضل لمجدك، والأوسع لرفدك، والأبصر لغورك، والأحسن لعذرك، الكشف عن أحوال سلفك وإن خفيت عليك، والقفو لآثارهم وإن عميت لديك، لتجرى على سنتهم (ص 102) وتدخل فى مهنتهم، وتسلك فى مذهبهم، أخذا بأمورهم فى وقتهم، وفى زيّهم فى عصرهم، فتكون خلفا قفا سلفا بجد، وعزم مؤتلف، وعزم غير مختلف. لكن غلب الران على قلبك، والصدى على لبّك، فأزالك عن الهدى، وأزاغك عن البصيرة، والضياء، وأمالك عن مناهج الأولياء، وكنت من بعدهم كما قال الله عز وجل ({فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاِتَّبَعُوا الشَّهَااتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا})
ثم ذكر كلاما كثيرا جدا لا حاجة لنا بإثبات جملته، وقرّعه فيه بقتل جعفر بن فلاح، ومحاصرة ابن حيّان بيافا، ومأتاه إلى الفسطاط.
ثم قال بعد ذلك: وإن كنت على ثقة من أمرك، ومهل فى أمن عصرك، وعمرك، فاستقرّ بمركزك، فليأتينّك منّا وينالك من جندنا، ما نال من كان قبلك ممن تمرّد تمرّدك، كعاد وثمود ({وَأَصْحابُ})
({الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ، كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ})، (فلنأتينكم بجنود لا قبل لكم بها، ولنخرجنكم منها أذلة وأنتم صاغرون)، بأولى بأس شديد وعزم شديد ({أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ}). بقلوب نقيّة، وأرواح تقيّة، وأنفس أبية، يقدمهم النصر، ويشملهم الظفر، وتمدّهم الملائكة الغلاظ الشداد ({لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ}) فما أنت وقومك إلا كمناخ نعم، أو مراح غنم، (فإمّا نرينّك ما نعدهم فإنّا عليهم قادرون). وأنت فى القفص مفصودا، وسوقتك فالينا مرجعهم، فعندها تخسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين ({فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظّى، لا يَصْلاها إِلَاّ الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلّى})، ({كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاّ ساعَةً مِنْ نَهارٍ، بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ})