الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
وإذا شَهِدَ عَدْلانِ أنَّ فلانًا ماتَ، وخلَّفَ من الوَرَثةِ فُلانًا وفُلانًا، لا نَعْلمُ له وارِثًا غيرَهما، قُبِلَتْ شهادتُهما. وبهذا قالَ: أبو حنيفةَ، ومالكٌ، والشَّافعىُّ، والعَنْبَرِىُّ. وقال ابنُ أبى ليلَى: لا تُقْبَلُ حتى يُبَيِّنا (30) أنَّه لا وارِثَ له سِواهُما. ولَنا، أنَّ هذا ممَّا لا يُمْكِنُ عِلْمُه، فكَفَى (31) فيه الظَّاهرُ، مع شَهادةِ الأصْلِ بعَدَمِ (32) وارثٍ آخَرَ. قال أبو الخَطَّابِ: سواءٌ كانا مِن أهلِ الخِبْرَةِ الباطِنَةِ، أو لم يكُونَا (33). ويَحْتَمِلُ أن لا تُقْبَلَ إلَّا مِن أهلِ الخِبْرَةِ الباطِنَةِ؛ لأنَّ عدمَ علْمِهم بوارِثٍ آخَرَ ليس بدليلٍ على عَدَمِه، بخلافِ أهلِ الخِبْرَةِ الباطِنَةِ، فإنَّ الظَّاهرَ أنَّه لو كان له وارثٌ آخَرُ، لم يَخْفَ عليهم. وهذا قولُ الشَّافعىِّ. فأمَّا إن قالا: لا نَعْلَمُ له وارِثًا بهذه البلدةِ، أو بأرْضِ كذا وكذا. لم تُقْبَلْ. وبهذا قال مالكٌ، والشَّافِعىُّ، وأبو يوسُفَ، ومحمدٌ. وقالَ أبو حنيفةَ: يُقضَى به، كما لو قالا: لا نَعْلَمُ له وارِثًا. وذُكرَ ذلك مَذْهبًا لأحمدَ أيضًا. ولَنا، أنَّ هذا ليس بدليلٍ على عَدمِ الوارثِ؛ لأنَّهما قد يَعْلمانِ أنَّه لا وارِثَ له فى تلك الأرضِ، ويَعْلَمانِ أنَّ (34) له وارِثًا (35) فى غيرِها، فلم تُقْبَلْ شَهادتُهما، كما لو قالا: لا نَعْلمُ له وارِثًا فى هذا البَيْتِ.
1889 -
مسألة؛ قال: (مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ عَاقِلًا، مُسْلِمًا، بَالِغًا، عَدْلًا، لَمْ تَجُزْ (1) شَهَادَتُهُ)
وجملتُه أنَّه (2) يُعْتَبَرُ فى الشَّاهِدِ سَبعةُ شُروطٍ؛ أحدها، أن يكونَ عاقلًا، ولا تُقْبَلُ شَهادةُ مَن ليس بعاقلٍ، إجْماعًا. قالَه ابنُ المُنْذِرِ. وسواءٌ ذهبَ عقلُه بجُنونٍ أو سُكْرٍ أو
(30) فى الأصل: "يثبت".
(31)
فى أ، م:"فيكفى". وفى ب: "ويكفى".
(32)
فى ب: "لعدم".
(33)
فى الأصل: "يكونوا".
(34)
سقط من: أ، ب، م.
(35)
فى الأصل، أ:"ولدا".
(1)
فى أزيادة: "له".
(2)
فى م: "أن".
طُفولِيَّةٍ؛ وذلك لأنَّه ليس بمُحَصِّلٍ، ولا تَحْصُلُ الثِّقَةُ بقولِه، ولأنَّه لا يأْثَمُ بكَذِبِه، ولا يتحَرَّزُ منه. الثانى، أن يكونَ مُسلمًا، ونذكرُ هذا فيما بعدُ إن شاءَ اللهُ تعالى. الثالث، أن يكونَ بالغًا، فلا تُقْبَلُ شَهادةُ صَبِىٍّ لم يَبْلُغْ بحالٍ، يُرْوَى هذا عن ابنِ عباسٍ (3). وبه قال القاسمُ، وسالمٌ، وعطَاءٌ، ومَكْحولٌ، وابنُ أبى ليلَى، والأَوزَاعىُّ، والثَّوْرِىُّ، والشَّافعىُّ، وإسحاقُ، وأبو عُبَيدٍ (4)، وأبو ثَوْرٍ، وأبو حنيفةَ، وأصحابُه. وعن أحمدَ، رحمه الله، رِوايةٌ أُخْرَى، أنَّ شهادتَهم تُقْبَلُ فى الجِراحِ، إذا شهِدوا قبلَ الافْتِراقِ عن الحالةِ التى تَجارَحُوا عَليها، [فإن تفَرَّقُوا لم تُقْبَلْ شَهادتُهمْ](5). وهذا قولُ مالكٍ؛ لأنَّ الظاهرَ صِدْقُهم وضَبْطُهم، فإن تفرَّقُوا لم تُقبَلْ شَهادتُهم؛ لأنَّه يَحْتَمِلُ أن يُلَقَّنُوا. قال ابنُ الزُّبَيرِ: إن أُخِذوا عند مُصاب ذلك، فبالْحَرِىِّ أن يَعْقِلُوا ويَحْفَظوا (3). وعن الزُّهْرِىِّ، أنَّ شهادتَهم جائزةٌ، ويُسْتَحْلَفُ أوْلِياءُ المَشْجوجِ. وذكرَه عن (6) مروانَ. ورُوِىَ عن أحمدَ، رِوايةٌ ثالثةٌ، أنَّ شهادتَه تُقْبَلُ إذا كان ابنَ عشرٍ. قال ابنُ حامدٍ: فعلَى هذه الرِّوايةِ، تُقْبَلُ شَهادتُهم فى غيرِ الحُدودِ والقِصاصِ، كالعَبِيدِ (7). ورُوِىَ عن علىٍّ، رضىَ اللهُ عنه، أنَّ شهادةَ بعضِهم تُقْبَلُ على بعضٍ (8). ورُوِىَ ذلك عن شُرَيْحٍ (8)، والحسنِ، والنَّخَعىِّ. قال إبراهيمُ: كانوا يُجِيزون شَهادةَ بعضِهم على بعضٍ فيما كان بينهم. قال المُغِيرةُ: وكان أصحابُنا لا يُجِيزون شَهادتَهم على رجلٍ، ولا على عبدٍ. ورَوَى الإمامُ أحمدُ (9)، بإسنادِه عن مَسْروقٍ، قال: كُنَّا عندَ علىٍّ، فجاءَه خَمسةُ غِلْمَةٍ فقالوا: إنَّا (10) كُنَّا سِتَّةَ غِلْمَةٍ نَتَغاطُّ، فغَرِقَ منَّا غُلامٌ. فشهِدَ الثلاثةُ على الاثْنَيْنِ أنَّهما غَرَّقاه، وشهِدَ الاثْنان على الثَّلاثةِ أنَّهم
(3) أخرجه البيهقى، فى: باب من رد شهادة الصبيان، من كتاب الشهادات. السنن الكبرى 10/ 161، 162. وعبد الرزاق، فى: باب شهادة الصبيان، من كتاب الشهادات. المصنف 8/ 348، 349.
(4)
فى أ، ب، م:"أبو عبيدة".
(5)
سقط من: م.
(6)
فى الأصل: "ابن".
(7)
فى أ، ب:"كالعبد".
(8)
أخرجه عبد الرزاق، فى: باب شهادة الصبيان، من كتاب الشهادات. المصنف 8/ 350، 351.
(9)
سقط من: ب.
(10)
سقط من: أ.
غَرَّقُوه (11)، فجعلَ على الاثْنَيْنِ ثلاثةَ أخْماسِ الدِّيَةِ، وجعلَ على الثَّلاثةِ خُمسَيْها (12). وقَضَى بنحوِ هذا مَسْروقٌ. والمذهبُ أنَّ شهادتَهم لا تُقْبَلُ فى شىءٍ؛ لقولِ اللهِ تعالى:{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} (13). وقال: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} (14). وقال: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} (13). والصَّبِىُّ ممَّن لا يُرْضَى. وقال: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} (15). فأخْبرَ أنَّ الشَّاهدَ الكاتِمَ لشهادتِه آثِمٌ، والصَّبِىُّ لا يأْثَمُ، فيدُلُّ على أنَّه ليس بشاهدٍ؛ ولأنَّ الصَّبِىَّ لا يخافُ من مَأْثمِ الكذِبِ، فيَزَعُه عنه، ويَمْنعُه منه، فلا تَحْصُلُ الثِّقَةُ بقولِه، ولأنَّ مَن لا يُقْبَلُ قولُه على نفسِه فى الإقْرارِ، لا تُقْبَلُ شهادتُه على غيرِه، كالمجنونِ، يُحَقِّقُ هذا أنَّ الإقْرارَ أوْسَعُ؛ لأنَّه يُقْبَلُ من الكافرِ والفاسِقِ والمرأةِ، ولا تَصِحُّ الشهادةُ منهم، ولأن مَن لا تُقْبَلُ شَهادتُه فى المالِ، لا تُقْبَلُ فى الجِراحِ، كالفاسقِ، ومَن لا تُقْبَلُ شهادتُه على مَن ليس بمثلِه، لا تُقْبَلُ على مثلِه، كالمجنون. الشرطُ الرابع، العَدالةُ؛ لقولِ اللهِ تعالى:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} . ولا تُقبلُ شَهادةُ الفاسقِ لذلك، ولقولِ اللهِ تعالى:{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} (16). فأمرَ بالتَّوقُّفِ عن (17) نَبَأِ الفاسقِ، والشَّهادةُ نَبَأٌ، فيجبُ التَّوَقُّف عنه. وقد رُوىَ عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال:"لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ وَلَا خَائِنَةٍ، وَلَا مَحْدُودٍ فِى الإِسْلَامِ، وَلَا ذِى غِمْرٍ (18) عَلَى أخِيهِ". رواه أبو عُبَيْدٍ (19). وكان أبو عُبيدٍ لا يَراه خَصَّ
(11) من هنا إلى آخر قوله: "الثالث من نكفره، وهو من قال بخلق القرآن ونفى الرؤية" ورد فى الأصل فى أثناء "فصل فى قراءة القرآن بالألحان". ويشغل بقية ورقة 76 و، 76 ظ، وبعض ورقة 77 و. اضطراب.
(12)
أخرجه ابن حزم، فى: كتاب الشهادات. المحلى 10/ 614.
(13)
سورة البقرة 282.
(14)
سورة الطلاق 2.
(15)
سورة البقرة 283.
(16)
سورة الحجرات 6.
(17)
فى الأصل: "على".
(18)
الغمر: الشحناء والعداوة، وكذلك الإحنة. غريب الحديث 2/ 154.
(19)
فى: غريب الحديث 2/ 153.
وأخرجه أبو داود، فى: باب من ترد شهادته، من كتاب الأقضية. سنن أبى داود 2/ 275. والترمذى، فى: باب ما جاء فى من لا تجوز شهادته، من أبواب الشهادات. عارضة الأحوذى 9/ 171، 172. وابن ماجه، فى: باب من لا=
بالخائنِ والخائنةِ أماناتِ النَّاسِ، بل جميعَ ما افْترضَ اللهُ تعالى على العبادِ القيامَ به أو اجْتِنابَه، مِن صغيرِ ذلك وكبيرِهِ، قال اللهُ تعالى:{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ} الآية (20). ورُوِىَ عن عُمرَ، رضىَ اللهُ عنه، أنَّه قالَ: لا يُؤْسَرُ (21) رَجلٌ بغيرِ العُدولِ (22). ولأنَّ دِينَ الفاسِقِ لم يَزَعْه عن ارْتِكاب مَحْظوراتِ الدِّينِ، فلا يُؤْمَنُ أن لا يَزَعَه عن الكَذِبِ، فلا تَحْصُلُ الثِّقَةُ بخبرِه. إذا تَقرَّرَ هذا، فالفُسوقُ نوعانِ؛ أحدُهما، مِن حيثُ الأفعال؛ فلا نَعْلَمُ خِلافًا فى رَدِّ شهادتِه. والثانى، من جهَةِ الاعْتقادِ، وهو اعتقادُ البدْعةِ، فيُوجِبُ رَدَّ الشَّهادةِ أيضًا. وبه قالَ مالكٌ، وشَرِيكٌ، وإسْحاقُ، وأبو عُبَيْدٍ، وَأبو ثَوْرٍ. قال (23) شَرِيكٌ: أربعةٌ لا تجوزُ شهادتُهم؛ رَافِضِىٌّ يَزْعُمُ أنَّ له إمامًا مُفْترَضَةٌ طاعَتُه. وخارِجىٌّ يزْعُمُ أنَّ الدنيا دارُ حَربٍ. وقَدَرِىٌّ يَزْعُمُ أنَّ المشِيئَةَ إليه. ومُرْجِئٌ. وردَّ شهادةَ يعقوبَ (24)، وقال: ألا أردُّ شهادةَ [قومٍ يَزْعُمونَ](25) أنَّ الصَّلاةَ ليستْ مِن الإيمانِ؟ وقال أبو حامدٍ (26)، مِن أصحابِ الشَّافعىِّ: المُخْتَلِفونَ على ثلاثةِ أضْرُبٍ؛ ضَرْبٌ اخْتَلفوا فى الفُروعِ، فهؤلاء لا يُفَسَّقُون بذلك، ولا تُرَدُّ شَهادتُهم، وقد اخْتَلَفَ الصَّحابةُ فى الفروعِ ومَن بعدَهم مِن التَّابعينَ. الثانى، مَن نُفسِّقُه ولا نُكفِّرُه، وهو مَن سَبَّ الْقَرَابةَ، كالخَوارِجِ، أو سَبَّ الصَّحابةَ، كالرَّوافِضِ، فلا تُقْبَلُ لهم شهادةٌ لذلك. الثالث، مَن نُكفِّرُه، وهو مَن قال بخَلْقِ القرآنِ، ونَفْىِ الرُّؤْيَةِ، وأضافَ المَشِيئةَ إلى نفسِه، فلا تُقْبَلُ له شَهادةٌ. وذكرَ القاضى أبو يَعْلَى مِثلَ هذا سواءً. قال:
= تجوز شهادته، من كتاب الأحكام. سنن ابن ماجه 2/ 792. والإمام أحمد، فى، المسند 2/ 204، 208، 225.
(20)
سورة الأحزاب 72.
(21)
أى: لا يحبس.
(22)
أخرجه مالك، فى: باب ما جاء فى الشهادات، من كتاب الأقضية. الموطأ 2/ 720. والبيهقى، فى: باب لا يجوز شهادة غير عدل، من كتاب الشهادات. السنن الكبرى 10/ 166. وابن أبى شيبة، فى: باب ما ذكر فى شهادة الزور، من كتاب البيوع والأقضية. المصنف 7/ 258.
(23)
فى الأصل، م:"وقال".
(24)
لم نعرف من المقصود بيعقوب. وشريك من رجال القرن الأول.
(25)
فى م: "من يزعم".
(26)
أبو حامد أحمد بن محمد الإسفراينى، شيخ طريقة الشافعية بالعراق، توفى سنة ست وأربعمائة. طبقات الشافعية الكبرى 4/ 61 - 74.