الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العِوَضِ. وهو قولُ أبى حنيفةَ، ومالكٍ، والأَوْزاعِىِّ. وقد ذكَرْنا هذا فيما تقَدّمَ. فأمَّا إِنْ كان قادِرًا على أداءِ المالِ كلِّه، ففيه رِوايةٌ أُخْرَى، أنَّه يَصِيرُ حُرًّا بِمِلْكِ ما يُؤَدِّى. وقد سَبَقَ ذِكْرُها.
فصل:
وإذا حَلَّ النَّجْمُ والمكاتَبُ غائِبٌ بغيرِ إذْنِ سَيِّدِه، فله الفَسْخُ. وإن كان سافَرَ بإذْنِه، لم يكُنْ له أَنْ يَفْسَخَ؛ لأَنَّه أذِنَ فى السَّفَرِ المانعِ من الأداءِ، ولكنْ يَرْفَعُ أمْرَه إلى الحاكِم، [ويُثْبِتُ عندَه حُلُولَ مالِ الكِتابةِ، ليَكْتُبَ الحاكمُ إلى المُكاتَبِ، فيَعْلَمَ بما ثَبَتَ عِنْدَه، فإنْ كان عاجِزًا عن أداءِ المالِ، كَتَبَ بذلك إلى الحاكمِ](18) الكاتبِ، لِيَجْعَلَ للسَّيِّدِ فَسْخَ الكِتابةِ. وإن كان قادِرًا على الأداءِ، طالَبَه بالخُرُوجِ إلى البَلَدِ الذى فيه السَّيِّدُ، ليُؤَدِّىَ مالَ الكِتابةِ، أو يُوَكِّلَ مَنْ يَفْعَلُ ذلك، فإن فَعَلَه فى أولِ حالِ الإِمكانِ، عندَ خُرُوجِ القافلةِ، إِنْ كان لا يُمْكِنُه الخروجُ إِلَّا معها، لم يَجُزِ الفَسْخُ، وإِنْ أخَّرَه عن حالِ الإِمكانِ، ومَضَى زَمَنُ المسيرِ (19)، ثَبَت للسَّيِّدِ خِيارُ الفَسْخِ. فإن [وَكَّلَ السَّيِّدُ فى بَلَدِ المكاتَبِ مَنْ يَقْبضُ منه مالَ الكِتابةِ، لَزِمَه الدَّفْعُ إليه، فإن امْتَنَعَ من الدَّفْعِ، ثَبَتَ للسَّيِّدِ خِيارُ الفَسْخِ](20). وإن كان قد جَعَلَ للوكيلِ الفَسْخَ عندَ امتناعِ المُكاتَب مِن الدَّفْعِ إليه، جاز، وله الفَسْخُ إذا ثَبَتتْ وكالَتُه ببَيِّنةٍ، بحيث يَأْمَنُ المكاتَبُ إنْكارَ السَّيِّدِ وَكالَتَه. وإن لم يَثْبُتْ ذلك، لم يَلْزَمِ الْمكاتبَ الدَّفْعُ إليه، وكان له عُذْرٌ يَمْنَعُ جَوازَ الفَسْخِ؛ لأَنَّه لا يَأْمَنُ أَنْ يُسَلِّمَ إليه، فيُنْكِرَ السَّيِّدَ وَكالَتَه، ويَرْجعَ على المُكاتَبِ بالمالِ، وسَواءٌ صَدَّقَه فى أنَّه وكيلٌ أو كَذَّبَه. وإن كَتَبَ حاكمُ البَلَدِ الذى فيه السَّيِّدُ، إلى حاكمِ البَلَدِ الذى فيه المُكاتَبُ، ليَقْبِضَ منه المالَ، لم يَلْزَمْه ذلك؛ لأنَّ هذا تَوْكيل لا يَلْزَمُ الحاكمَ الدُّخولُ فيه، فإِنَّ الحاكِمَ لا يُكَلَّفُ القَبْض للبالغِ الرَّشيدِ، فإن اخْتارَ القَبْضَ، جَرَى مَجْرَى الوَكيلِ، ومتى قَبَضَ منه المالَ، عَتَقَ.
فصل (21): وإذا دَفَعَ العِوَضَ فى الكِتابةِ، فبان مُسْتَحَقًا، تَبَيَّنَ أنَّه لم يَعْتِقْ، وكان هذا
(18) سقط من: أ، ب. نقل نظر.
(19)
فى ب: "السير".
(20)
سقط من: الأصل، أ، ب. نقل نظر.
(21)
فى الأصل، م زيادة:"قال".
الدَّفْعُ كعَدَمِه؛ لأَنَّه لم يُؤَدِّ الواجِبَ عليه، وقيل له: إِنْ أدَّيْتَ الآنَ، وإلَّا فُسِخَتْ كِتابَتُكَ. وإِنْ كان قد ماتَ بعدَ الأداءِ، فقد مات عَبْدًا (22)، فإن بان مَعِيبًا، مثل أَنْ كاتَبَه على [عُرُوضٍ مَوْصُوفةٍ](23) فقَبَضَها، فأصاب بها عَيْبًا بعدَ قَبْضِها، نَظَرْتَ؛ فإنْ كان قد رَضِىَ بذلك وأمْسَكَها، اسْتَقَرَّ العِتْقُ. فإن قيل: كيف يَسْتَقِرُّ العِتْقُ، ولم يُعْطِه جَمِيعَ ما وَقَعَ عليه العَقْدُ؟ فإنَّ ما يُقابِلُ العَيْبَ لم يَقْبِضْه، فأشْبَهَ ما لو كاتَبَه على عَشرةٍ، فأعْطاه تِسعةً، قُلْنا: إمْساكُه المَعِيبَ (24) رَاضِيًا به رِضًى منه بإسْقاطِ حَقِّه، فجَرَى مَجْرَى إبْرائِه مِن بَقِيَّةِ كِتابَتِه. وإن اختارَ إمْساكَه، وأخَذَ أرْشَ العَيْبِ، أو رَدَّه، فله ذلك. قال أبو بكرٍ: وقياسُ قولِ أحمدَ، رحمه الله، أنَّه لا يَبْطل العِتْقُ، وليس له الرَّدُّ، وله الأرْشُ؛ لأنَّ العِتْقَ إتْلافٌ واسْتِهْلاكٌ، فإذا حَكَمَ بوُقُوعِه لم يَبطُلْ، كعَقْدِ الخُلْعِ، ولأنَّه ليس المَقْصُودُ منه المالَ، فأشْبَهَ الخُلْعَ. وقال القاضى: يتَوَجَّهُ أَنَّ له الرَّدَّ، ويحْكمُ بارْتِفاعِ العِتْقِ الواقِعِ؛ لأنَّ العِتْقَ إنَّما يَسْتَقِرُّ (25) باسْتِقْرارِ الأداءِ، وقد ارْتَفَعَ الأداءُ، فارْتَفَعَ العِتْقُ. وهذا مذهبُ الشافعىِّ؛ لأنَّ الكِتابةَ عَقْدُ مُعاوَضةٍ يَلْحَقُه الفَسْخُ بالتَّراضِى، فوَجَبَ أَنْ يُفْسَخَ بوُجُودِ العَيْبِ، كالبَيْعِ. وإن اخْتارَ إمْساكَه، وأخْذَ الأرْشِ، فله ذلك، وَتَبَيَّن أَنَّ العِتْقَ لم يَقَعْ، ولأنَّنا تَبَيَّنَّا أَنَّ ذِمَّتَه لم تَبْرَأْ من مالِ الكِتابةِ، ولا يَعْتِقُ قبلَ ذلك، وظَنُّ وُقُوعِ العِتْقِ لا يُوقِعُه إذا بانَ الأمْرُ بخِلافِه، كما لو بان العِوَضُ مُسْتَحَقًّا. وإِنْ تَلِفَتِ العَيْنُ عندَ السَّيِّدِ، أو حَدَثَ بها عندَه عَيْبٌ، اسْتَقَرَّ أرْشُ العَيْبِ، والحكمُ فى ارْتِفاعِ العِتْقِ على ما ذكَرْناه فيما مَضَى. ولو قال السَّيِّدَ لعَبْدِه: إِنْ أعْطَيْتَنِى عبْدًا، فأنْتَ حُرٌّ. فأعْطاهُ عبدًا، فبانَ حُرًّا، أو مُسْتَحَقًّا، لم يَعْتِقْ بذلك؛ لأنَّ مَعْناهُ: إِنْ أعْطَيْتَنِيه (26) مِلْكًا. ولم يُعْطِه إيَّاه مِلْكًا، ولم يُمَلِّكْه إيَّاهُ.
(22) فى الأصل: "حرا".
(23)
فى الأصل: "عوض موصوف".
(24)
فى ب: "للعيب".
(25)
فى م: "استقر".
(26)
فى ب، م:"أعطيته".