الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويتَقاصَّانِ، ويَرُدُّ كُلُّ واحدٍ منهما الفَضْلَ على صاحِبِه. ومَنْ قال فى الوَصِيَّةِ: إنَ المِلْكَ لا يَثْبُتُ فيها (32) بِالْموتِ. فالحُكْمُ فيه كما لو قَبِلاها دُفْعَةً واحِدَةً.
فصل:
وإذا كان لِرَجُلٍ نِصْفُ عَبْدَيْنِ مُتَساوِيَيْنِ فى القيمَةِ، لا يَمْلِكُ غيرَهما، فَأَعْتَقَ أَحَدَهما فى صِحَّتِه، عَتَقَ، وسَرَى إلى نَصِيبِ شَرِيكِه؛ لأَنَّه مُوسِرٌ بِالنِّصْفِ الذى له مِن العَبْدِ الآخَرِ، فإنْ اعتَقَ النِّصْفَ الآخَرَ (33)، عَتَقَ؛ لأنَّ وُجوبَ القِيمَةِ فى ذِمَّتِه لا يَمْنَعُ صِحَّةَ عِتْقِه، ولم يَسْرِ؛ لأَنَّه مُعْسِرٌ، وإن أَعْتَقَ الأوَّلَ فى مَرَضِ مَوْتِهِ، لم يَسْرِ؛ لأَنَّه إنَّما يَنْفُذُ عِتْقُه فى ثُلثِ مالِه، [وثُلثُ مَالِه](34) هو الثُّلثُ من العبدِ الذى أعْتَقَ (35) نِصْفَه، وإذا أَعْتَقَ (35) الثَّانِىَ، وَقَفَ على إِجازَةِ الوَرَثَةِ، وإِنْ أَعْتَقَ (35) الأَوَّلَ فى صِحَّتِه، وأَعْتَقَ (36) الثَّانِىَ فى مَرَضِه، لم يَنْفُذْ عِتْقُ الثَّانِى؛ لأنَّ عليه دَيْنًا يَسْتَغْرِقُ قِيمَتَه، فيَمْنَعُ صِحَّةَ عِتْقِه، إِلَّا أَنْ يُجيزَ (37) الورَثَةُ.
فصل: إِذا شَهِدَ شاهِدَانِ على رجلٍ أنَّه أَعْتَقَ شِرْكًا له فى عَبْدٍ (38)، فَسَرَى إلى نَصِيبِ الشَّريكِ، وغَرِمَ له قِيمةَ نَصِيبِهِ، ثم رجَعا عن الشَّهادة، غَرِما قِيمةَ العَبْدِ جَمِيعِه. وقال بعضُ أصْحابِ الشَّافِعِىِّ: تَلْزَمُهما غَرامَةُ نَصِيبِه، دُونَ نَصِيبِ شَرِيكِه؛ لأنَّهما لم يَشْهَدا إِلَّا بِعِتْقِ نَصِيبِه، فلم تَلْزَمْهما غَرامَةُ ما سِواهُ. ولَنا، أنَّهما فَوَّتا عليه نَصِيبَه وقِيمةَ نَصِيبِ شَريكِه، فلَزِمَهما ضَمانُه، كما لو فَوَّتاه بفِعْلِهما، وكما لو شَهِدَا عليه بِجُرْحٍ، ثم سَرَى الجُرْحُ، وماتَ المجْروحُ، فضَمِنَ الدِّيَةَ، ثم رَجَعا عن شَهادَتِهما.
فصل: وإِنْ شَهِدَ شاهِدانِ على مَيِّتٍ بعِتْقِ عَبْدٍ فى مَرَضِ مَوْتِهِ، وهو ثُلثُ مالِه،
(32) فى الأصل: "فى هذا".
(33)
فى م زيادة: "من العبد الآخر". وهو تفسير.
(34)
سقط من: الأصل.
(35)
فى الأصل: "عتق".
(36)
فى الأصل: "العتق".
(37)
فى الأصل: "يجيزه".
(38)
فى م: "عهد". تحريف.
فَحكَم حاكمٌ (39) بِشَهادَتِهما، وعَتَقَ العَبْدُ، ثم شَهِدَ آخَرانِ بِعِتْقِ آخَرَ، هوٍ ثُلثُ مالِه، ثم رَجَعَ الأوَّلانِ عن الشَّهادةِ، نَظَرْنا فى تارِيخِ شَهادَتِهما؛ فإِن كانتْ سابِقَةً ولم تُكَذِّبِ الوَرَثَةُ رُجوعَهُما، عَتَقَ الأوَّلُ، ولم يُقْبَلْ رُجوعُهما، ولَم يَغْرَما شيئًا. ويَحْتَمِلُ أَنْ يَلْزَمَهما شِراءُ الثَّانِى وإِعتاقُه؛ لأنَّهما مَنَعا عِتْقَه بِشَهادَتِهما المرْجُوعِ عنها. وإن صَدَّقوهُما فى رُجوعِهما، وكَذَّبوهُما فى شَهادَتِهما، عَتَقَ الثَّانى، وَرَجَعوا (40) عليهما بقِيمَةِ الأَوَّلِ؛ لأنَّهما فَوَّتا رِقَّه عليهم بشَهادَتِهم المرْجُوعِ عنها؛ وإِنْ كان تاريخُها مُتأخِّرًا عن الشَّهَادَةِ الأُخْرَى، بَطَلَ عِتْقُ المحْكومِ (41) بعِتْقِهِ؛ لأنَّنا تَبيَّنَّا أَنَّ المَيِّتَ قد أَعْتَقَ ثُلثَ مالِه قبلَ إِعْتاقِه، ولم يَغْرَمِ الشَّاهِدانِ شيئًا؛ لأنَّهما ما فَوَّتا شَيْئًا. وإِنْ كانَتا مُطْلَقَتَيْنِ، أو إحْداهما، أو اتَّفَقَ تاريخُهما، أُقْرعَ بينهما؛ فإِنْ خَرَجَتْ على الثَّانى، عَتَقَ، وبَطَلَ عِتْقُ الأوَّلِ، ولا شَىءَ على الشَّاهِدَيْن؛ لأنَّ الأَوَّلَ باقٍ على الرِّقِّ (42). وإِنْ خَرَجَتْ قُرْعَةُ الأوَّلِ، عَتَقَ، ونَظَرْنا فى الورَثَةِ، فإِنْ كَذَّبُوا الشَّاهِدَيْنِ الأَوَّلَيْنِ فى شَهادَتِهِما، عَتَقَ الثَّانِى، ورَجَعوا على الشَّاهِدَيْنِ بِقِيمَةِ الأوَّلِ؛ لأنَّهما فَوَّتا رِقَّه بغيرِ حَقٍّ، وإِنْ كذَّبُوهما فى رُجوعِهما، لم يَرْجِعُوا عليهما بشىءٍ؛ لأنَّهم يُقِرُّون بِعِتْقِ المَحْكومِ بِعِتْقِه.
1957 -
مسألة؛ قال: (وَإِذَا كَانَ لَهُ ثَلاثَةُ أَعْبُدٍ، فَأَعْتَقَهُمْ فِى مَرَضِ مَوْتِهِ، أَوْ دَبَّرَهُمْ، أَوْ دَبَّرَ أَحَدهُمْ، وَأَوْصَى بِعِتْقِ الآخَرَيْنِ، وَلَمْ يَخرُجْ مِنْ ثُلُثِهِ إِلّا وَاحِدٌ؛ لِتَسَاوِى قِيمَتِهِمْ، أُقْرِعَ (1) بَيْنهُمْ بِسَهْمِ (2) حُرِّيَّةٍ وسَهْمَىْ رِقٍّ، فَمَنْ وَقَعَ لَهُ (3) سَهْمُ الحُرِّيَّةِ (4)، عَتَقَ دُونَ صَاحِبَيْهِ)
وجُمْلةُ ذلك أَنَّ العِتْقَ فى مَرَضِ الموْتِ، والتّدْبيرَ، والوَصِيَّةَ بِالعِتْقِ، يُعْتَبَرُ خُروجُه
(39) فى أ: "الحاكم".
(40)
فى الأصل: "ورجع".
(41)
فى ب، م زيادة:"له".
(42)
فى الأصل: "العتق".
(1)
فى ب، م:"قرع".
(2)
سقط من: ب.
(3)
فى الأصل: "لهم".
(4)
فى الأصل، أ:"حرية".
مِنَ الثُّلثِ؛ لأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، لم يُجِزْ مِنْ (5) عِتْق الذى أعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكينَ فى مَرَضِه، إِلَّا ثُلثَهم (6). ولأنَّه تَبَرُّعٌ بمالٍ، أشْبَهَ الهِبَةَ، فإنْ أعْتَقَ أكثرَ من الثُّلثِ، لم يَجُزْ إِلَّا الثُّلثُ. فإِنْ أعْتَقَ عَبِيدًا فى مَرَضِه، واحِدًا بعدَ واحِدٍ، بُدِئَ بِالأَوَّلِ فَالأَوَّلِ، حتَّى يُسْتَوْفَى الثُّلثُ. وإِنْ وَقَعَ العِتْقُ دُفْعَةً واحِدَةً، ولم يَخْرُجُوا مِن الثُّلُثِ، قُرِعَ (7) بينَهم، فأُخْرِجَ (8) الثُّلثُ بِالقُرْعَةِ. ومَسْألةُ الخِرَقِىِّ فيما إذا وَقَع العِتْقُ دُفْعَةً وَاحِدَةً، ولم يكُنْ له مالٌ سِواهُم. وأمّا إِنْ دَبَّرَهم، اسْتَوَى المُقَدَّمُ والمُؤَخّرُ مِنهم؛ لأنَّ التَّدْبيرَ عِتْقٌ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ، وهو الموْتُ، والشَّرْطُ إذا وُجِدَ ثَبَتَ المشْروطُ (9) فى وَقْتٍ واحِدٍ، وكذلك المُوصَى بِعِتْقِه، يَسْتَوى هو والتَّدْبيرُ؛ لأنَّ الجميعَ عِتْق بعدَ الموْتِ، فمتى أعْتَقَ ثَلاثةَ أعْبُدٍ مُتَساوِين فى القِيمَةِ، هم جميعُ مالِه، دُفْعَةً واحِدَةً، أو دَبَّرَهم، أو وَصَّى بِعِتْقِهم، أو دَبَّرَ بعضَهم ووَصَّى بِعِتْقِ باقِيهم، ولم يُجِزِ الوَرَثَةُ أكثرَ من الثُّلثِ، قُرِعَ (7) بينهم بسَهْمِ حُرّيَةٍ وسَهْمَىْ رِقٍّ، فمَنْ خَرَجَ له سَهْمُ الحُرِّيَّةِ، عَتَقَ ورَقَّ صاحباه. وبهذا قال عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ، وأبانُ بن عُثمانَ، ومَالِكٌ، والشَّافِعىُّ، وإسْحاقُ، وداودُ، وابْنُ جَرِيرٍ. وقال أبو حنيفةَ: يَعْتِقُ مِن كلِّ واحدٍ ثُلثُه، ويُسْتَسْعَى فى باقِيهِ. ورُوِىَ نحوُ هذا عن سَعيدِ بن المُسَيَّبِ، وشُرَيْحٍ، والشَّعْبِىِّ، والنَّخَعِىِّ، وتَتادَةَ، وحَمَّادٍ؛ لأَنَّهم تَساوَوا فى سببِ الاسْتِحْقاقِ، فيَتَساوَونَ فى الاسْتِحْقاقِ، كما لو كان يَمْلِكُ ثُلثَهم وَحْدَه، وهو ثُلثُ مالِه، أو كما لو وَصَّى بكُلِّ واحدٍ منهم لرجلٍ. وأَنْكَرَ أصْحابُ أبى حنيفةَ القُرْعَةَ، وقالوا: هى مِنَ القِمَارِ وحُكْمِ الجاهِليَّةِ. ولَعَلَّهم يَرُدُّونَ الخبرَ الوارِدَ فى هذه المسْأَلَةِ؛ لمُخالَفَتِه (10) قياسَ الأُصولِ (11). وذُكِرَ الحديثُ لِحمَّادٍ، فقال: هذا قولُ الشَّيخِ -يَعْنِى إِبْليسَ- فقال له محمدُ بنُ ذَكْوانَ: وُضِعَ القَلَمُ عَن ثَلاثَةٍ؛ أَحَدُهم المجْنونُ حتَّى يُفيقَ -يَعْنِى إنَّكَ (12)
(5) سقط من: ب. وفى الأصل: "لمن".
(6)
تقدم تخريجه، فى: 8/ 395.
(7)
فى م: "أقرع".
(8)
فى الأصل: "ويخرج".
(9)
فى أ، م زيادة:"به".
(10)
فى الأصل: "لمخالفة".
(11)
فى الأصل: "الأصل". وفى ب: "للأصول".
(12)
فى م: "إنه".
مَجْنونٌ- فقال له حَمّادٌ: ما دَعاك إِلى هذا؟ فقال له محمدٌ: وأنتَ، ما (13) دَعاك إلى هذا؟ وهذا قَليلٌ فى جوابِ حَمَّادٍ، وكان حَرِيًّا أَنْ يُسْتَتابَ عن هذا، فإنْ تابَ وإلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُه (14). ولَنَا، ما رَوَى عِمْرانُ بنُ الحُصَيْنِ، أَنَّ رجلًا مِن الأَنْصارِ أَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ فى مَرَضِه، لا مالَ له غيرُهم، فَجزَّأَهم رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سِتَّةَ أجْزاءٍ، فأَعْتَقَ اثْنَيْنِ، وأَرَقَّ أرْبعةً. وهذا نَصٌّ فى مَحلِّ النِّزاعِ، وحُجَّهٌ لَنا فى الأَمْرَيْنِ المُخْتَلَفِ فيهما، وهما جَمْعُ (15) الحُرِّيَّةِ واسْتِعمالُ (16) القُرْعَةِ، وهو حَديثٌ صَحيحٌ ثابِتٌ، رَواه مُسْلِمٌ، وأبو دَاودَ، وسَائِرُ أَصْحابِ السُّنَنِ. ورَواه عَن عِمْرانَ [بْنِ الحُصَيْنِ](17) الحسنُ، وابنُ سِيرِينَ، وأبو المُهَلَّبِ، ثلاثَةُ أئِمَّةٍ. ورَوَاه الإِمامُ أحمدُ (18)، عن إِسحاقَ بنِ عِيسَى، عن هُشَيْمٍ، عنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ، عن أبى قِلَابَةَ، عن أبى زيدٍ الأَنْصَارِىِّ، عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم. قال (19) أحمدُ: أبو زيدٍ الأَنْصَارِىُّ رجلٌ مِن أَصْحابِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم. ورُوِىَ نحوُه عن أبى هُريرَةَ، عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم (20). ولأنَّه حَقٌّ فى تَفْريقِه ضَرَرٌ، فَوَجَبَ جَمْعُه بِالقُرْعَةِ، كقِسْمَةِ الإِجْبارِ إِذا طَلَبَها أحدُ الشُرَكَاءِ (21)، ونَطِيرُه مِن القِسْمَةِ ما لو كانتْ دَارٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ، لأحَدِهما ثُلثُها، ولِلآخَرِ ثُلثاها، وفيها ثلاثةُ مَساكِنَ مُتساوِيَةٌ، لا ضَرَرَ فى قِسْمَتِها، فطَلَبَ أَحَدُهما القِسْمَةَ (22)، فَإِنَّه يُجْعَلُ كُلُّ بَيْتٍ سَهْمًا، ويُقرَعُ بينَهم بثلاثةِ أسْهُمٍ؛ لصاحبِ الثُّلُثِ سَهْمٌ، ولِلْآخَرِ سَهْمانِ. وقَوْلُهم: إِنَّ الخبرَ يُخالِفُ (23) قياسَ
(13) فى م: "فما".
(14)
هذه الحكاية مما يُستبعد وقوعه، وإن ثبت فهى من النوادر، فمرجع جميع الأئمة كتاب اللَّه الكريم وما صح عن رسوله الأمين، وكل إنسان يؤحذ من قوله ويُترك إِلا رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم.
(15)
فى الأصل: "جميع".
(16)
فى ب: "واسماع".
(17)
سقط من: الأصل، أ.
(18)
المسند 5/ 341.
(19)
فى أزيادة: "الإمام".
(20)
أخرجه البيهقى، فى: باب عتق العبيد لا يخرجون من الثلث، من كتاب العتق. السنن الكبرى 10/ 286. وانظر: باب ما جاء فى من يعتق مماليكه عند موته، وليس له مال غيرهم، من أبواب الأحكام. عارضة الأحوذى 6/ 122.
(21)
فى أ، ب، م:"الشريكين".
(22)
فى ب: "قسمتها".
(23)
فى ب: "مخالف".
الأُصولِ. نَمْنَعُ ذلك، بل هو مُوافِقٌ له؛ لِما ذَكَرْناه. وقياسُهم فاسِدٌ؛ لأَنَّه إِذا كان مِلْكُه (24) ثُلثَهم وَحْدَه، لم يُمْكِنْ جَمْعُ نَصِيبِه (25)، والوَصِيَّةُ (26) لا ضَرَرَ فى تَفْريقِها، بخِلافِ مَسْألتِنا. وإِنْ سَلَّمْنا مُخالَفَتَه قِياسَ الأُصولِ، فقَوْلُ رَسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم واجِبُ الاتِّباعِ، سَواءٌ [وافَقَ القِياسَ](27) أَو خَالَفَه؛ لأَنَّه قَوْلُ المعْصومِ، الذى جَعَلَ اللَّهُ تَعَالى قَوْلَه حُجّةً على الخلْقِ أَجْمعين، وأَمرَنا باتِّباعِه وطاعَتِه، وحَذَّرَ العِقابَ فى مُخالَفةِ أَمْرِه، وجَعَلَ الفَوْزَ فِى طاعَتِه، والضَّلالَ فى مَعْصِيَتِه، وتَطرُّقُ الخَطَأِ إِلى القَائِسِ (28) فى قِياسِه، أغْلَبُ مِن تَطرُّقِ الغَلَطِ (29) إلى أصْحابِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم والأئِمَّةِ بَعْدَهم فى رِوَايتهِمْ، على أنَّهم قد خالَفْوا قياسَ الأُصولِ بأحادِيثَ ضَعِيفةٍ، فأَوْجَبُوا الوُضُوءَ بالنَّبِيذِ فِى السَّفَرِ دُونَ الحضَرِ، ونَقَضُوا الوُضوءَ بِالْقَهْقَهَةِ فى الصَّلاةِ دُونَ خَارِجِها؛ وقَوْلُهم فى مَسْأَلَتِنا فى مُخالَفةِ (30) القياسِ والأُصولِ، أشَدُّ وَأعْظَمُ، والضَّرَرَ فى مذهبِهم أعْظَمُ؛ وذلك لأنَّ الإِجْماعَ مُنْعَقِدٌ على أَنَّ صاحبَ الثُّلثِ فى الوَصِيَّةِ وما فى مَعْناها، لا يَحْصُلُ له شىءٌ حتَّى يَحْصُلَ للْوَرَثَةِ مِثْلاهُ، وفى مَسْألَتِنا يَعْتِقُون الثُّلثَ، ويَسْتَسْعُونَ العَبِيدَ (31) فى الثُّلثَيْن، فلا يَحْصُلُ للوَرَثةِ شىءٌ فى الحالِ أَصْلًا، ويُحِيلونَهم على السِّعايَةِ، وربَّما لا يَحْصُلُ منها شىءٌ أصْلًا، وربَّما لا يَحْصُلُ منها فى الشَّهْرِ (32) إِلَّا دِرْهَمٌ أَوْ دِرْهمانِ، فيكونُ هذا فى حُكْمِ مَن لم يَحْصُلْ له شىءٌ، وفيه ضَرَرٌ على العَبِيدِ؛ لأنَّهم يُجْبِرونَهم على الكَسْبِ والسِّعايَةِ، عن غيرِ اخْتيارٍ منهم، وربَّما كان الْمُجْبَرُ على ذلك جارِيَةً، فيَحْمِلُها ذلك على البِغاءِ، أو عَبْدًا، فيَسْرِقُ أو يَقْطعُ الطَّرِيقَ، وفيه ضَرَرٌ على المَيِّتِ، حيثُ (33) أفْضَوْا بوَصِيَّتِه إلى
(24) فى ب: "ملكهم".
(25)
سقط من: ب.
(26)
فى الأصل واو العطف وحدها.
(27)
فى الأصل: "فارق".
(28)
فى أ، ب:"القياس".
(29)
فى ب، م:"الخطأ".
(30)
فى ب: "مخالفته".
(31)
فى ب، م:"العبد".
(32)
فى ب: "السهم".
(33)
فى أ: "بحيث".
الظُّلْمِ والإِضرارِ، وتَحْقيقِ ما يُوجبُ له العِقابَ مِن رَبِّه، والدُّعاءَ عليه مِن عَبِيدِه ووَرَثُتِه. وقد رُوِىَ عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، فى الحديثِ الذى ذَكَرْناه فى حَقِّ الذى فَعَلَ هذا، قال:"لَوْ شَهِدْتُه لَمْ يُدْفنْ فِى مَقَابِرِ الْمُسْلمِينَ"(34). قال ابنُ عبدِ البَرِّ: فى قَوْلِ الكُوفِيِّين ضُروبٌ مِنَ الخطَأ والاضْطِرابِ، مع مُخالَفةِ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ. وأشارَ إلى ما ذَكَرْناه. وأمَّا إنْكارُهم للقُرْعَةِ (35)، فقد جاءتْ فى الكتابِ والسُّنَّةِ والإِجْماعِ، قال اللَّه تعالى:{وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} (36). وقال تعالى: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} (37). وأمَّا السُّنَّةُ، فقال أحمدُ: فى القُرْعَةِ خَمْسُ سُنَنٍ؛ أَقْرَعَ بينَ نِسائِه (38). وأَقْرَعَ فِى سِتَّةِ مَمْلُوكِينَ. وقال لِرَجُلَيْنِ: "اسْتَهِمَا"(39). وقال: "مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ والْمُدَاهِنِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ"(40). وقال: "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِى النِّدَاءِ والصَّفِّ الأَوَّلِ، لَاسْتَهَمُوا عَلَيْهِ"(41). وفى حديثِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ صَفِيَّةَ جَاءتْ بِثَوبيْنِ؛ لِيُكَفَّنَ فيهما حَمْزَةُ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، فوَجَدْنا إلى جَنْبه قَتِيلًا، فقُلْنا: لِحمزةَ ثَوْبٌ، ولِلأَنْصَارِىِّ ثَوْبٌ. فَوَجَدْنا أحَدَ الثَّوبيْنِ أوْسَعَ مِنَ الآخَرِ، فَأقْرَعْنَا عَليهما، ثمَّ كَفَّنَّا كُلَّ وَاحِدٍ فى الثَّوْبِ الذى صَارَ له (42). وتَشاحَّ النَّاسُ يومَ القَادِسيَّةِ فى الأذَانِ، فأقْرَعَ بينَهم سَعْدٌ (43). وَأَجْمَعَ العُلَماءُ على اسْتِعْمالِها فى القِسْمَةِ، ولا أَعلَمُ بينَهم خِلافًا فى أَنَّ الرجلَ يُقْرِعُ بينَ
(34) أخرجه أبو داود، فى: باب فى من أعتق عبيدا له لم يبلغهم الثلث، من كتاب العتاق. سنن أبى داود 2/ 353.
(35)
فى ب: "القرعة".
(36)
سورة آل عمران 44.
(37)
سورة الصافات 141.
(38)
تقدم تخريجه، فى: 9/ 430.
(39)
تقدم تخريجه، فى: 6/ 265.
(40)
أخرجه البخارى، فى: باب هل يقرع فى القسمة والاستهام فيه، من كتاب الشركة، وفى: باب القرعة فى المشكلات، من كتاب الشهادات، صحيح البخارى 3/ 182، 237. والترمذى، فى: باب منه حدثنا أحمد بن منيع. . . من أبواب الفتن. عارضة الأحوذى 9/ 19. والإِمام أحمد، فى: المسند 4/ 268، 270.
(41)
تقدم تخريجه، فى: 2/ 53، 54.
(42)
أخرجه الإِمام أحمد، فى: المسند 1/ 165.
(43)
أخرجه البخارى، فى: باب الاستهام فى الأذان، من كتاب الأذان. صحيح البخارى 1/ 159. والبيهقى، فى: باب الاستهام على الأذان، من كتاب الصلاة. السنن الكبرى 1/ 428.