الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بخلافِ ما لو وَصَّى بعِتْقِه، فإنَّه يَعْتِقُ (19)، ولا يَقِفُ على اخْتِيارِه ولا رِضاهُ. فإنْ رَدَّ الوَصِيَّةَ، بطَلتْ. فإنْ عادَ فطَلبَها، لم تَلْزَمْه إجابَتُه إليها؛ لأنَّ وَصِيَّتَه بطَلَتْ بالرَّدِّ، فأشْبَهَ الوَصِيَّةَ بالمالِ. وإِنْ لم يكُنْ رَدَّها، وَجَبَتْ إجابَتُه إليها. وإِنْ (20) أدَّى [وعَتَقَ، كان](21) ولاؤُه للمُوصِى بكتابَتِه، كما لو وَصَّى بعِتْقِه، وإِنْ عجَزَ، فلِلْوارِثِ رَدُّه فى الرِّقِّ، وإِنْ لم يخْرُجْ من الثُّلثِ، فإنَّه يُكاتَبُ منه ما يَخْرُجُ (22) من الثُّلثِ. وإِنْ كان قد وصَّى بوَصايَا غيرِ الكتابَةِ، لا تخْرُجُ مِن الثُّلثِ، تَحاصُّوا فى الثُّلثِ، وأُدْخِلَ النَّقْصُّ على كُلِّ إحِدٍ منهم بقَدْرِ ما لَه فى الوَصِيَّةِ. ويتخَرَّجُ أَنْ تُقَدَّمَ الكتابةُ، بِناءً على الرِّوايَةِ التى تُقَدِّمُ العِتْقَ؛ لأنَّ الكتابَةَ مَقْصُودُها العِتْقُ، وتُفْضِى إليه. ويَحْتَمِلُ أَنْ لا تُقَدَّمَ بحالٍ؛ لأنَّ العِتْقَ تَغْلِيبٌ وسِرايَةٌ، ليس هو الكتابَةَ (23)، وإفضاؤُها إلى العِتْقِ لا يُوجِبُ تَقْدِيمَها، كما لو وَصَّى لرجُلٍ بابْنِه، فإنَّه لا يُقَدَّمُ، مع أن القَصْدَ بوَصِيَّتِه العِتْقُ، ويُفْضِى إليه.
فصل:
فإنْ قال: كاتِبُوا أَحَدَ رَقِيقِى. فلِلْوَرَثَةِ مُكاتَبَةُ مَنْ شاءُوا (24) منهم. فى أحَدِ الوَجْهَيْنِ، وفى الآخَرِ، يُكاتِبُونَ واحِدًا منهم بالقُرْعَةِ. وإِنْ قال: أحَدَ عَبِيدِى. فكذلك، إِلَّا أنَّه ليس لهم مُكاتَبَةُ أَمَةٍ، ولا خُنْثَى مُشْكِلٍ؛ لأَنَّه لا يُعْلَمُ كَوْنُ الخُنْثَى عبدًا (25). وإِنْ قال: أحَدَ إمائِى. فليس لهم مُكاتَبَةُ عبدٍ، ولا خُنْثَى مُشْكِلٍ، كذلك. وإِنْ كان الخُنْثَى غيرَ مُشْكِلٍ، وكان رجُلًا، فلهم مُكاتَبَتُه إذا قال: كاتِبُوا أحَدَ عَبِيدِى. وإِنْ كان أُنْثَى، فلهم مُكاتَبَتُه إذا قال: كاتِبُوا إحْدَى (26) إمائِى. لأنَّ هذا عَيْبٌ فيه، ولعَيْبُ لا يَمْنَعُ الكتابَةَ. واللَّهُ أعلمُ.
فصل: والكِتابَةُ الفاسِدَةُ، أَنْ يُكاتِبَه على عِوَضٍ مَجْهُولٍ، أو عِوَضٍ حالٍّ، أو
(19) فى أ، ب:"يعتقه".
(20)
فى م: "وإذا".
(21)
فى أ، م:"عتق وكان".
(22)
فى م: "خرج".
(23)
فى أ، ب، م:"للكتابة".
(24)
فى الأصل: "شاء".
(25)
فى م زيادة: "أو أمة".
(26)
فى النسخ: "أحد".
مُحَرَّمٍ، كالخَمْرِ والخِنْزِيرِ. فأمَّا إِنْ شَرَطَ فى الكتابَةِ شَرْطًا فاسِدًا، فالمَنْصوصُ أنَّه لا يُفْسِدُها، لكن يَلْغُو (27) الشَّرْطُ، وتَبْقَى الكتابَةُ صحيحَةً. ويتخَرَّجُ أَنْ يُفْسِدَها؛ بِناءً (28) على الشروطِ الفاسِدَةِ فى البَيْعِ. وهذا مذهبُ الشافِعِىِّ. وقد رُوِىَ عن أبى عبدِ اللَّه، رحمه الله، ما يَدُل على أن الكتابَةَ على العِوَضِ المُحرَّمِ باطِلَةٌ، لا يَعْتِقُ بالأداءِ فيها. وهو (29) اخْتِيارُ أبى بَكْرٍ، فإنَّه (30) روَى عن أحمدَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أنَّه قال: إذا كاتَبَه كتابَةً فاسِدَةً، فأدَّى ما كُوتِبَ عليه، عَتَقَ، مالم تَكُنِ الكتابَةُ مُحَرَّمَةً. فحَكَمَ بالعِتْقِ بالأداءِ إِلَّا فى المُحَرَّمَةِ. واخْتارَ (31) القاضِى أنَّه يَعْتِقُ بالأداءِ، كسائِرِ الكتاباتِ الفاسِدَةِ. ويُمْكِنُ حَمْلُ كلامِ القاضى على ما إذا جعَلَ السَّيِّدُ الأداءَ شَرْطًا للعِتْقِ، فقال: إذا أدَّيْتَ إلىَّ، فأنْتَ حُرٌّ. فأدَّى إليه، فإنَّه يَعْتِقُ بالصِّفَةِ المُجَرَّدَةِ، لا بالكتابَةِ، ويَثْبُتُ فى هذه الكتابةِ حكمُ الصِّفَةِ فى العِتْقِ [بوُجودهِا، لا بحُكْمِ الكتابَةِ](32). وأمَّا غيرُها من الكتابَةِ الفاسِدَةِ، فإنَّها تُساوِى الصَّحِيحَةَ فى أَربَعَةِ أحْكامٍ؛ أحَدُها، أنَّه يَعْتِقُ بأداءِ ما كُوتِبَ عليه، سَواءٌ صَرَّحَ بالصِّفَةِ، فقال: إذا (33) أَدَّيْتَ إلىَّ، فأنْتَ حُرٌّ. أو لم (34) يَقُلْ؛ لأنَّ مَعْنَى الكِتابة يَقْتَضِى هذا، فيَصِيرُ كالمُصَرَّحِ به، فيَعْتِقُ بوُجودِه، كالكتابةِ الصَّحِيحَةِ. الثانى، أنَّه إذا عَتَقَ بالأداء، لم تَلْزَمْه قِيمةُ نَفْسِه، ولم يَرْجِعْ على سَيِّدِه بما أَعطاهُ. ذَكَره أبو بكرٍ. وهو ظاهِرُ كلامِ أَحمدَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه. وقال الشافِعِىُّ، رَضِىَ اللَّه عنه: يتَراجَعان، فيجبُ على العبدِ قِيمَتُه، وعلى السَّيِّدِ ما أَخَذَه، فيتَقاصَّان بقَدْرِ أَقلِّهِما، إِنْ كانَا من جِنْسٍ واحِدٍ، ويأخُذُ ذو الفَضْلِ فَضْلَه؛ لأَنَّه عَقْدُ مُعاوَضَةٍ فاسِدَةٍ، فوجَبَ التَّراجُعُ فيه، كالبَيْعِ الفاسِدِ. ولَنا، أنَّه عَقْدُ كِتابَةٍ لمُعاوَضَةٍ حَصَلَ
(27) فى م: "يلغى".
(28)
سقط من: ب.
(29)
فى أ، ب:"وهذا".
(30)
فى م زيادة: "قد".
(31)
فى الأصل: "واختيار".
(32)
فى ب: "لوجودها لا حكم الكتابة". وفى أ: "حكم" مكان: "بحكم".
(33)
فى م: "إن".
(34)
فى ب: "ولم".
العِتْقُ فيها بالأَداءِ، فلم يجِبِ [التَّراجُعُ فييها، كما لو كان العَقْدُ صَحِيحًا، ولأنّ ما يأْخُذُه (35) السَّيِّدُ فهو من كَسْبِ عَبْدِه، الذى لم يَمْلِكْ كَسْبَه، فلم يجِبْ](36) عليه رَدُّه، والعبدُ عَتَقَ بالصِّفَةِ، فلم تَجِبْ عليه قِيمَتُه، كما لو قال: إِنْ دَخَلْتَ الدارَ، فأنْتَ حُرٌّ. وأمَّا البَيْعُ الفاسِدُ، فإنَّه إِنْ كان بينَ هذا وبين سَيِّدِه، فلا رُجُوعَ على السَّيِّدِ بما أخَذَه، وإِنْ كان بَيْنَه وبَيْنَ غيرِه، فإنَّه أخَذَ ما لا يَسْتَحِقُّه، ودَفعَ إلى الآخَرِ ما لا يَسْتَحِقّه، بعَقدٍ المقْصودُ منه المُعاوَضَةُ، وفى مسألتِنا بخلافِه. الثالِثُ، أَنَّ المُكاتَبَ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فى كَسْبِه؛ لأنَّ عَقْدَ الكتابةِ تَضَمَّنَ الإِذْنَ (37) فى ذلك، وله أخْذُ الصَّدَقاتِ والزَّكواتِ؛ ولأنَّه (38) مُكاتَبٌ يَعْتِقُ بالأداءِ، فمَلَكَ ذلك، كما فى الكتابةِ الصَّحِيحَةِ. الرابعُ، أنَّه إذا كاتبَ جماعَةً كتابَة فاسِدَةً، فأدَّى أَحَدُهُم حِصَّتَه، عَتَقَ. على قَوْلِ مَنْ قال: إنَّه يَعْتِقُ فى الكتابةِ الصَّحِيحَةِ بأداءِ حِصَّتِه. لأنَّ مَعْنَى العَقْدِ أَنَّ كُلَّ واحِدٍ منهم مُكاتَبٌ بقَدْرِ حِصَّتِه، متى أدَّى إلى كُلِّ واحِدٍ منهم قَدْرَ حِصَّتِه، فهو حُرٌّ. ومن قال: لا يَعْتِق فى الصَّحِيحَةِ إِلَّا أَنْ يُؤدِّىَ الجميعَ. فههُنا أوْلَى. وتُفارِقُ الصَّحِيحَةَ فى ثلاثةِ أحْكامٍ؛ أحدُها، أَنَّ لكُلِّ واحِدٍ من السَّيِّدِ والمُكاتَبِ فَسْخَها ورَفْعَها، سَواءٌ كان ثَمَّ صِفَةٌ أو لم تَكُنْ. وهذا قولُ أصْحابِ الشَّافعِىِّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه؛ لأنَّ الفاسِدَ لا يَلْزَمُ حُكْمُه، والصِّفَةُ ههُنا مَبْنِيَّةٌ على المُعاوَضَةِ، وتابِعَةٌ لها؛ لأنَّ المُعاوَضَةَ هى المَقْصُودُ (39)، فلمَّا أبْطَلَ المُعاوضَةَ التى هى الأَصْلُ، بطَلَت الصِّفَةُ المَبْنِيَّةُ عليها، بخلافِ الصِّفَةِ المُجَرَّدَةِ، ولأنَّ (40) السَّيِّدَ لم يَرْضَ بهذه الصِّفَةِ إلَّابأنْ يُسَلَمَ له العِوَضُ المُسَمَّى، فإذا لم يُسَلَّمْ، كان له إبْطالُها، بخلافِ الكتابةِ الصَّحِيحَةِ؛ فإِنَّ العِوَضَ سُلِّمَ له، فكان العقدُ لازِمًا له. الثانى، أَنَّ السيّدً إذا أَبْرَأَه من المالِ، لم تصِحَّ الْبَراءَةُ، ولا يَعْتِقُ بذلك؛ لأنَّ المالَ
(35) فى م: "أخذه".
(36)
سقط من: ب. نقل نظر.
(37)
فى ب: "بالإذن".
(38)
سقطت الواو من: أ، ب، م.
(39)
فى م: "المقصودة".
(40)
سقطت الواو من: الأصل.
غيرُ ثابِتٍ فى العَقْدِ، بخلافِ الكتابةِ الصَّحِيحَةِ، وجَرَى هذا مَجْرَى الصِّفَةِ المُجَرَّدَةِ، فى قولِه: إذا أَدَّيْتَ إِلىَّ ألْفًا، فأنْتَ حُرٌّ. الثالِثُ، أَنَّه لا يَلْزَمُ السَّيِّدَ (41) أَنْ يُؤَدِّىَ إليه شيئًا من الكتابةِ؛ لأنَّ العِتْقَ ههُنا بالصِّفَةِ المُجَرَّدَةِ، فأشْبَهَ ما لو قال: إذا أدَّيْتَ إِلىَّ ألْفًا، فأنْتَ حُرٌّ. واخْتُلِفَ فى أحكامٍ أرْبَعَةٍ؛ أحدُها، فى بُطْلانِ الكتابةِ بمَوْتِ السَّيِّدِ. فذَهَبَ القاضى وأصحابُه إلى بُطْلانِها. وهو قولُ الشَّافِعِىّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه؛ لأَنَّه عَقْدٌ جائِزٌ من الطَّرَفَيْنِ، لا يُؤُولُ إلى اللُّزومِ، فيَبْطُلُ بالمَوْتِ، كالوَكَالةِ، ولأنَّ المُغَلَّبَ فيها حكمُ الصِّفَةِ المُجَرَّدَةِ، والصِّفَةُ تبْطُلُ بالمَوْتِ، فكذلك هذه الكتابةُ. وقال أبو بكرٍ: لا تَبْطُلُ بالمَوْتِ، ويَعْتِقُ بالأداءِ إلى الوارِثِ. [وهو قولُ أبى حنيفةَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه؛ لأَنَّه مُكاتَبٌ يَعْتِقُ بالأداءِ إلى السَّيِّدِ، فيَعْتِقُ بالأداءِ إلى الْوارِثِ](42)، كما فى الكتابةِ الصحيحَةِ (41)، ولأنَّ الفاسِدَةَ كالصَّحِيحَة فى بابِ العِتْق بالأداءِ، وفى أَنَّ الوَلدَ يتْبَعُه، فكذلك فى هذا. والثانى، فى بُطْلانِها بجُنونِ السَّيِّدِ، والحَجْرِ عليه لسَفَهٍ، والخلافُ فيه كالخلافِ فى بُطْلانِها بمَوْتِه. والأَوْلَى أنها لا تبْطُلُ ههنا؛ لأنَّ الصِّفَةَ المُجرَّدَةَ لا تبْطُلُ بذلك، والمُغلَّبُ فى هذه الكتابةِ، حكمُ الصِّفَةِ المُجرَّدَةِ، فلا تبْطُلُ به. فعلى هذا، لو أدَّى إلى سيِّدِه بعدَ ذلك، عَتَقَ. وعلى قَوْلِ مَن أَبْطَلها، لا يَعْتِقُ. الثالِثُ، أَنَّ ما فى يَد المُكاتَبِ وما يَكْسِبُه، وما يفْضُلُ فى يَده بعدَ الأداءِ، له دُونَ سَيِّدِه. فى قولِ القاضِى، ومذهبِ الشافِعِىِّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، لأَنَّها كتابةٌ يَعْتِقُ بالأداءِ فيها، فكان هذا الحُكْمُ ثابِتًا فيها، كالصَّحِيحَةِ. وقال أبو الخَطَّاب: ذلك لِسَيِّدِه فى المَوْضِعَيْن؛ لأنَّ كَسْبَ العبدِ لِسَيِّدِه، بحُكمِ الأَصْلِ، والعَقْدُ ههُنا فاسِدٌ، لم يثْبُتِ الحُكْمُ فى وُجوبِ العِوَضِ فى ذِمَّتِه، فلم يُنْقَلِ المِلْكُ فى المُعَوَّضِ، كسائِرِ العُقودِ الفاسِدَةِ، ولأنَّ المُغلَّبَ فيها حكمُ الصِّفَةِ المُجَرَّدَةِ، وهى لا تُثْبِتُ المِلْكَ له فى كَسْبِه، فكذا ههُنا، وفارَقَ (43) الكتابَةَ
(41) سقط من: الأصل.
(42)
سقط من: أ، ب. نقل نظر.
(43)
فى م: "وفارقت".
الصَّحِيحَةَ، فإنَّها أثْبَتَتِ (44) المِلْكَ فى العِوَضِ، فأَثْبَتَتْه فى المُعَوَّضِ. الرابعُ، هل يتْبَعُ المُكاتَبَةَ ولَدُها؟ قال أبو الخَطَّاب: فيه وَجْهان؛ أحدُهما، يَتْبَعُها، لأَنَّها كتابَةُ تَعْتَقُ فيها بالأداءِ، فيَعْتِقُ ولدُها به، كالكتابةِ الصَّحِيحَةِ. والثانى، لا يَتْبَعُها. وهو أَقْيَسُ، وأصَحُّ؛ لما ذكرْنا فى الذى قبلَه، ولأنَّ الأَصْلَ بَقاءُ الرِّقِّ فيه، فلا يزُولُ إلَّا بنَصٍّ، أو مَعْنَى نَصٍّ، وما وُجِدَ واحِدٌ منهما، ولا يَصِحُّ القياسُ على الكتابةِ الصَّحِيحَةِ، لما ذَكَرْنا من الفَرْقِ بينَهما فيما تَقَدَّم، فيَبْقَى على الأَصْلِ. واللَّهُ أعلمُ.
(44) فى م: "تثبت".