الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رجَعُوا، ولا ضَمانَ على الحاكمِ؛ لأنَّه أمْكَنَ إحالةُ الضَّمانِ على الشُّهودِ، فأشْبَهَ ما إذا رجَعُوا عن الشَّهادةِ. وقولُه: إِنَّ شهادتَهم شَرْط. لا يَصِحُّ؛ لأنَّ مِن أصْلِنا أَنَّ شهودَ الإِحْصانِ يَلْزَمُهم الضَّمانُ، وإن لم يَشْهدُوا بالسَّبَبِ. وقد نَصَّ عليه أحمدُ. وقولُ أبى الخَطَابِ لا يَصِحُّ؛ لأنَّ شُهودَ الزِّنَى لم يرْجِعُوا، ولا عُلِمَ كذِبُهم، بخلافِ المُزَكِّيَيْنِ؛ فإنَّه تبَيَّنَ كَذِبُهم، وأنَّهم شهِدُوا بالزُّورِ. وأمَّا إن تبَيَّنَ فِسْقُ المُزَكِّيَيْنِ، فالضَّمانُ على الحاكمِ؛ لأنَّ التَّفْريطَ منه، حيثُ قَبِلَ شهادةَ فاسقٍ من غيرِ تَزْكِيَةٍ ولا بَحْثٍ، فيَلْزَمُه الضَّمانُ، كما لو قَبِلَ شهادةَ شُهودِ الزِّنَى من غيرِ تَزْكِيَةٍ، ثم تَبَيَّنَ فِسْقُهم.
فصل:
ولو جلَدَ الإِمامُ إنسانًا بشهادةِ شُهودٍ، ثم بانَ أنَّهم فَسَقةٌ، أو كَفَرةٌ، أو عَبِيدٌ، فعلى الإِمامٍ ضَمانُ ما حصَلَ من أثرِ (7) الضَّربِ. وبهذا قال الشافعىُّ. وقال أبوٍ حنيفةَ: لا ضَمان عليه. ولَنا، أنَّها جنايةٌ صدَرَتْ عن خَطأِ الإِمامِ، فكانتْ مَضْمونةً عليه، كما لو قَطَعَه أو قَتَلَه.
فصل: ولو حكمَ الحاكمُ بمالٍ بشَهادةِ شاهديْنِ، ثم بانَ أنَّهما فاسِقان، أو كافِرانِ، فإنَّ الإِمامَ ينْقُضُ حُكْمَه، ويَرُدُّ المالَ إن كان قائمًا، وعِوَضَه إن كان تالِفًا. فإنْ تعذَّر ذلك لإِعْسارِه أو غيرِه، فعاى الحاكمِ ضَمانُه، ثم يَرْجِعُ على المشْهودِ له. وعن أحمدَ، رواية أُخْرَى، لا يَنْقُضُ حُكْمَه إذا كانا فاسِقَيْنِ، ويَغْرَمُ الشُّهودُ المالَ، وكذلك الحكمُ إذا شهِدَ عندَه عَدْلان أَنَّ الحاكمَ قَبْلَهَ حكمَ بشَهادةِ فاسِقَيْنِ، ففيه الرِّوايتان (8). واخْتَلفَ أصْحابُ الشافعىِّ فيه أيضًا. ولا خلافَ بين الجميعِ فى أنَّه يَنْقُضُ حكمَه إذا كانا كافريْنِ، وينْقُضُ حكمَ غيرِه إذا ثبتَ عندَه أنَّه حَكَمَ بشَهادةِ كافِرَيْنِ، فنَقيسُ على ذلك ما إذا حكَمَ بشهادةِ فاسقَيْنِ، فإِنَّ شهادةَ الفاسِقَيْنِ مُجْمَعٌ على رَدِّها، وقد نَصَّ اللَّه تعالَى على التَّبَيُّنِ فيها، فقال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} (9). وأمرَ
(7) سقط من: ب.
(8)
فى ب، م:"روايتان". وبعده فى ب، م زيادة:"ولا يغرم الشهود المال وكذلك الحاكم إذا شهد". خطأ وتكرار.
(9)
سورة الحجرات 6.
بإشْهادِ العُدُولِ. وقال سُبْحانَه: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} (10). واعْتبرَ الرِّضىَ بالشُّهداءِ، فقال تعالى:{مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} (11). فيجِبُ نَقْضُ الحُكمِ لفوَاتِ العدالةِ، كما يجبُ نَقْضُه لِفَوات الإِسْلامِ؛ ولأنَّ الفِسْقَ معنًى لو ثَبَتَ عندَ الحاكمِ قَبْلَ الحُكمِ مَنَعَه، فإذا شهِدَ شاهدان أنَّه كان مَوْجودًا حالةَ الحُكْمِ، وجَبَ نَقْضُ الحُكمِ، كالكُفرِ والرِّقِّ فى العُقوباتِ. إذا ثبَتَ هذا، فإِنَّ أبا حنيفةَ قال: لا يَسْمَعُ الحاكمُ الشَّهادةَ بفِسْقِ الشاهِدَيْنِ، لا قبلَ الحُكمِ ولا بعدَه. ومتى جرَّحَ المشْهودُ عليه (12) البَيِّنَةَ، لم تُسْمعْ بَيِّنتُه بالفِسْقِ، ولكنْ يُسْألُ عن الشاهِدَيْنِ، ولا تُسْمَعُ على الفِسْقِ شَهادةٌ؛ لأنَّ الفِسْقَ لا يتَعلَّقُ به حقُّ أحدٍ، فلا تُسْمعُ فيه الدَّعْوَى والْبَيِّنَةُ. ولَنا، أنَّه معنًى يتعلَّقُ الحكمُ به، فسُمِعتْ فيه الدَّعْوَى والبَيِّنَةُ، كالتَّزْكِيَةِ. وقولُه: لا يتعلَّقُ به حقُّ أحدٍ. مَمْنوعٌ؛ فإن المشهودَ عليه يتعلَّقُ حَقُه بفِسْقِه (13) فى مَنْعِ الحُكمِ عليه قبلَ الحكمِ، ونَقْضِه بعدَه، وتَبْرِئتِه من أخْذِ مالِه أو عُقوبتِه بغيرِ حَقٍّ، فوجبَ أن تُسْمعَ فيه الدَّعْوَى والْبَيِّنَةُ، كما لو ادَّعَى رِقَّ الشاهِدِ (14) ولم يَدَّعِه لنفْسِه، ولأنَّه إذا لم تُسْمعِ البَيِّنَةُ بالفِسْقِ (15)، أدَّى إلى ظُلْمِ المشْهودِ عليه؛ لأنَّه يُمْكِنُ أن لا يَعْرِفَ. فِسْقَ الشاهِدَيْنِ إِلَّا شُهودُ المشْهودِ عليه، فإذا لم تُسْمعْ شهادتُهم، وحُكِمَ عليه بشهادةِ الفاسِقَيْن، كان ظالمًا له. فأمَّا إن قامتِ البَيِّنَةُ أنَّه حكَمَ بشهادةِ والِديْنِ، أو وَلدَينِ، أو عَدُوَّيْنِ، نَظَر (16) فى الحاكِمِ الذى حَكَمَ بشهادتِهما، فإن كان ممَّن يَرَى الحُكْمَ به، لم يُنْقَضْ حكمُه؛ لأنَّه حَكَمَ باجْتهادِه فيما يَسُوغُ فيه الاجْتِهادُ، ولم يُخالِفْ نَصًّا ولا إجماعًا. وإن كان ممَّن لا يَرَى الحُكْمَ بشهادتِهم، نَقَضَه؛ لأنَّ الحاكمَ به يعْتقِدُ بُطْلانَه. والفَرْقُ بين المالِ والإِتْلافِ، أَنَّ المالَ إن كان باقيًّا، وجبَ رَدُّه إلى صاحبِه؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ أحقُّ بمالِه. وإن كان تالِفًا،
(10) سورة الطلاق 2.
(11)
سورة البقرة 282.
(12)
فى الأصل زيادة: "دعا".
(13)
فى أ: "بنفسه".
(14)
فى م: "الشاهدين".
(15)
فى م: "الفسق".
(16)
فى م: "نظرًا".