الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نفسِه، ولا يُمْكنُه ذلك فى فِعْلِ غيرِه، فافْترَقا فى اليَمِينِ، كما افْتَرقَتِ الشَّهادةُ، فإنَّها تكونُ بالقَطْعِ فيما يُمْكنُ القَطْعُ فيه من العُقودِ، وعلى الظَّنِّ فيما لا يُمْكِنُ فيه القَطْعُ من الأمْلاكِ والأنْسابِ، وعلى نَفْىِ العلمِ فيما لا تُمْكِنُ الإِحاطةُ بانْتفِائِه، كالشَّهادةِ على أنَّه لا وارثَ له غيرُ فُلانٍ وفُلانٍ. وحديث القاسمِ بنِ عبدِ الرحمنِ، مَحْمُولٌ على اليَمِينِ على نَفْىِ فعلِ الغيرِ. إذا ثبَتَ هذا، فإنَّه يَحْلِفُ فيما عليه على البَتِّ، نَفْيًا كان أو إثْباتًا. وأمَّا ما يتعلَّقُ بفعلِ غيرِه، فإن كان إثْباتًا، [مثلَ أن يَدَّعِىَ أنَّه أقَرَّ أو باعَ، ويُقيمَ شاهِدًا بذلك، فإنَّه يَحْلِفُ مع شاهدِه على البَتِّ والقَطْعِ. وإن كان على نَفْىِ العلمِ](8)، مثلَ أن يَدَّعىَ عليه دَينٌ أو غَصْبٌ أو جِنايةٌ أو خِيانةٌ (9)، فإنَّه يَحْلِفُ على نَفْىِ العلمِ، لا غيرُ. وإن حلَفَ عليه على البَتِّ كَفاهُ، وكان التَّقْديرُ فيه العلمَ، كما فى الشَّاهد إذا شهِدَ بعَدَدِ الوَرثةِ، وقال: ليس له وارثٌ غيرَهم. سُمِعَ ذلك، وكان التَّقْديرُ فيه عِلْمَه. ولو ادُّعِىَ عليه أَنَّ عبدَه جنَى أو اسْتدانَ، فأنْكرَ ذلك، فيَمِينُه على نَفْىِ العلمِ؛ لأنَّها يَمين على نَفْىِ فعلِ الغَيرِ، فأشْبَهتْ يَمِينَ الوارثِ على نَفْىِ المَوروثِ.
فصل:
قال ابنُ أبى موسى: اخْتَلفَ قولُ أحمدَ، فى مَن باعَ سِلعةً، فظَهرَ المُشْترِى على عَيْبٍ بها، وأنْكَرَه البائعُ، هل اليَمِينُ على البَتَاتِ أو على عِلْمِه؟ على رِوايتَيْنِ. ولو أبَقَ عَبْدُ المُشْترِى، فادَّعَى على البائعِ أنَّه اسبقَ عندَه، فأنْكَرَ، هل يَلْزمُه أن يخْلِفَ أنَّه لم يَأْبِقْ قَطُّ، أو على نَفْىِ عِلْمِه؟ على روَايَتيْنِ، إلا أَنْ يكون ولدَه، [فيَلْزَمُه أن يَحْلِفَ](10) أنَّه لم يَأْبِقْ قَطُّ. ووجهُ كَونِ اليَمينِ على (11) عِلْمِه، أنَّها على نَفْىِ فعلِ الغيرِ، فأشْبَهَ ما لو ادَّعى عليه أَنَّ عبدَه جنَى. ووَجْهُ الأُخْرَى، أنَّه إذا (12) ادَّعى عليه أنَّه باعَه مَعِيبًا، يَسْتَحِقُّ به ردَّه عليه، فلَزِمَتْه اليَمِينُ على البَتِّ، كما لو كان إثْباتًا.
فصل: ومَن توجَّهتْ عليه يَمِينٌ هو فيها صادقٌ، أو توجَّهتْ له، أُبِيحَ له الحَلِفُ،
(8) سقط من: الأصل، أ.
(9)
سقط من: ب، م.
(10)
فى م: "فيحلف".
(11)
سقط من: الأصل.
(12)
سقط من: الأصل، أ.
ولا شىءَ عليه مِن إثْمٍ ولا غيرِه؛ لأنَّ اللَّه تعالى شرَعَ اليَمِينَ، ولا يَشْرَعُ مُحَرَّمًا. وقد أمرَ اللَّهُ تعالى نَبِيَّه، عليه السلام، أن يُقْسِمَ على الحقِّ، فى ثلاثةِ مَواضِعَ مِن كتابِه. وحلفَ عمرُ لأُبَىٍّ على نَخيلٍ، ثم وَهَبَه له، وقال: خِفْتُ إن لم أحْلِفْ أن يَمْتنِعَ الناسُ من الحَلِفِ على حُقوقِهم، فتَصِيرَ سُنَّةً (13). قال حَنْبَلٌ: بُلِىَ أبو عبدِ اللَّهِ بنحو هذا، جاءَ إليه ابنُ عمِّه، فقال: لى قِبَلَكَ حقٌّ من ميراثِ أبى، وأُطالِبُك بالقاضى، وأحَلِّفُك. فقيل لأبى عبدِ اللَّهِ: ما تَرَى؟ قال: أحْلِفُ له، إذا لم يكُنْ له قِبَلى حَقٌّ، وأنا غيرُ شاكٍّ فى ذلك، حَلَفتُ له، كيفَ لا أحْلِفُ، وعمرُ (14) قد حلَفَ، وأنا مَن أنا؟ وعزمَ أبو عبدِ اللَّهِ على اليَمِينِ، فكَفَاه اللَّهُ ذلك، ورجَعَ الغلامُ عن تلكَ المُطالَبةِ. واختُلِفَ فى الأَوْلَى، فقالَ قومٌ: الحَلِفُ أوْلَى من افْتداءِ يَمِينِه؛ لأنَّ عمرَ حَلَفَ؛ ولأنَّ فى الحَلِفِ فائدتَيْنِ؛ إحداهما، حِفْظُ مالِه عن الضَّياعِ، وقد نَهَى النَّبىُّ صلى الله عليه وسلم عن إضاعتِه (15). والثانية، تخْليصُ أخيه الظَّالمِ مِن ظُلْمِه، وأكلِ المالِ بغيرِ حَقِّه، وهذا من نَصِيحتِه ونُصْرتِه بكَفِّه عن ظُلمِه (16)، وقد أشارَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم على رجلٍ أن يَحْلِفَ ويأْخُذَ حقَّه (17). وقال أصْحابُنا: الأفْضَلُ افتْداءُ يَمِينِه؛ فإِنَّ عثمانَ افْتدَى يَمِينَه، وقال: خِفْتُ أن تُصادِفَ قَدرًا، فيقالُ: حلَفَ فعُوقِبَ، أو هذا شُؤْمُ يَمِينِه (18). وروَى الخلَّالُ، بإسنادِه، أَنَّ حُذَيفَةَ عرَفَ جَمَلًا سُرِقَ له، فخاصَمَ فيه إلى قاضِى المُسلمين، فصارَتِ اليَمِينُ على حُذَيْفةَ، فقال: لك عَشرةُ دَراهمَ. فأبَى، فقال [لك عِشرون، فأبَى، فقال: ](19) لك ثَلاثون. فأبَى، فقال: لك أرْبَعونَ. فأبَى، فقال حُذَيفةُ: أَتُرانِى أتْرُكُ جَمَلى؟ فحلَفَ باللَّهِ أنَّه له ما باعَ ولا وَهَبَ (20). ولأنَّ فى اليَمِينِ عند الحاكِم تَبذُّلًا، ولا يَأْمَنُ أن يُصادِفَ قَدَرًا، فيُنْسَبَ إلى
(13) تقدم تخريجه، فى: 13/ 242.
(14)
فى النسخ: "وابن عمر". وابن عمر لم يحلف كما جاء فى صفحة 234 الآتية.
(15)
تقدم تخريجه، فى: 6/ 516.
(16)
فى الأصل: "الظلم".
(17)
انظر فى صفحة 234 الآتية الحديث الذى أخرجه الدارقطنى، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ردَّ اليمين على طالب الحق.
(18)
انظر ما تقدم فى: 13/ 442.
(19)
سقط من: الأصل، أ.
(20)
أخرجه الدارقطنى، فى: كتاب الأقضية والأحكام وغير ذلك. سنن الدارقطنى 4/ 242. والبيهقى، فى: باب =