الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إنَّهما بما شَهِدَا به عالِمان، وله مُحقِّقان، وإنَّهما لا يَعْلمان خلافَ ما شَهِدَا به إلى حينَ أقاما الشَّهادةَ عندِى، فأمْضَيْتُ ما ثبَتَ عندِى مِن ذلك، وحكَمْتُ بمُوجِبِه بسُؤالِ مَن جازَتْ مسألتُه، وسألَنى مَن جازَ سؤالُه، وسوَّغَتِ الشَّريعةُ المطهَّرةُ إجابتَه المكاتبةَ بذلك إلى القُضاةِ والحُكَّامِ، فأجَبْتُه (27) إلى مُلْتمَسِه؛ لجَوازِه له شرعًا، وتقدَّمْتُ بهذا الكتابِ فكُتِبَ، وبإلْصاقِ المَحْضَرِ المُشارِ إليه فأُلْصِقَ، فمَن وَقفَ عليه (28) منهم، وتأمَّلَ ما ذكَرْتُه، وتصَفَّحَ ما سَطَّرْتُه، واعْتَمَدَ فى إنْفاذِه والعملِ بمُوجَبِ ما يُوجِبُه الشَّرعُ المُطَهَّرُ، أحرزَ مِن الأجْرِ أجْزَلَه. وكَتبَ من مَجْلسِ الحُكمِ المَحْروسِ، مِن مكانِ كذا، فى وقتِ كذا. ولا يُشْتَرطُ أن يَذْكُرَ القاضى اسمَه فى العُنوانِ، ولا ذِكْرُ اسم المَكتوبِ إليه فى باطنِه. وبهذا قال الشَّافعىُّ. وقال أبو حنيفةَ: إذا لم يَذْكُرِ اسمَه، فلا يُقْبَلُ؛ لأَنَّ الكتابَ ليس إليه، ولا يَكْفِى ذكرُ اسْمِه فى العُنوانِ دونَ باطنِه؛ لأنَّ ذلك لم يَقَعْ على وَجْهِ المُخاطَبةِ. ولَنا، أنَّ المُعَوَّلَ فيه على شَهادةِ الشَّاهِدَيْنِ على القاضى الكاتبِ بالحُكْمِ، وذلك لا يَقْدَحُ فيها (29)، ولو ضاعَ الكتابُ أو امْتَحَى، سُمعَتْ شَهادتُهما، وحُكِمَ بها.
1875 - مسألة؛ قال: (وَلَا يُقْبَلُ الْكِتَابُ إلَّا بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ يَقُولَانِ: قَرَأهُ عَلَيْنَا، أوْ قُرِئَ عَلَيْهِ بِحَضْرَتِنَا، فَقَالَ: اشْهَدَا عَلَى أنَّهُ كتابِى إلَى فُلَانٍ)
وجملتُه أنَّه يُشْتَرطُ لقَبولِ كتابِ القاضِى شُروطٌ ثَلاثَةٌ؛ أحدُها، أنْ يَشهدَ به شاهدانِ عَدْلانِ، ولا يَكْفِى معرِفةُ المكتوبِ إليه خَطَّ الكاتبِ، وخَتْمَه، ولا يَجوزُ له قَبولُه بذلك، فى قولِ أئمَّةِ الفَتْوَى. وحُكِىَ عن الحسنِ، وسَوَّارٍ، والعَنْبَرِىِّ، أنهم قالوا: إذا كان يَعْرِفُ خَطَّه وخَتْمَه، قبِلَه. وهو قولُ أبى ثَوْرٍ، والإصْطَخْرِىِّ. ويَتخرَّجُ لنا مِثْلُه بِناءً على قولِه فى الوَصِيَّةِ إذا وُجِدَتْ بخَطِّه؛ لأنَّ ذلك تَحْصُلُ به غَلَبةُ الظَّنِّ، فأشْبَهَ شَهادةَ
(27) فى ب، م:"فأوجبته".
(28)
فى م: "عليهم".
(29)
سقط من: الأصل، ب.
الشَّاهِدَيْنِ. ولَنا، أنَّ ما أمْكَنَ إثباتُه بالشَّهادةِ، لم يَجُزِ الاقْتصارُ فيه على الظَّاهرِ، كإثْباتِ العُقودِ؛ ولأنَّ الخَطَّ يُشْبِهُ الخَطَّ، والخَتْمَ يُمْكِنُ التَّزْويرُ عليه، ويُمْكِنُ الرُّجوعُ إلى الشَّهادةِ، فلم يُعوَّلْ على الخَطِّ، كالشَّاهدِ لا يُعَوِّلُ فى الشَّهادةِ على الخَطِّ، وفى هذا انْفِصالٌ عمَّا ذَكرُوه. إذا ثبتَ هذا، فإنَّ القاضىَ إذا كتبَ الكتابَ، دَعَا رجليْنِ يَخْرُجان إلى البَلَدِ الذى فيه القاضى المكتوبُ إليه، فيَقْرَأُ عليهما (1) الكتابَ، أو يَقرؤُه غيرُه عليهما، والأحْوَطُ أنْ يَنْظُرَا معه فيما يَقرؤُه، فإن لم يَنظُرا، جازَ؛ لأنَّه لا يَسْتَقْرِئُ إلَّا ثِقَةً، فإذا قُرِئَ عليهما قالَ: اشْهَدَا (2) علىَّ أنَّ هذا كِتابى إلى فُلانٍ. وإنْ قال: اشْهَدا علىَّ بما فيه. كان أوْلَى، وإنِ اقْتصرَ على قولِه: هذا كِتابى إلى فُلانٍ. فظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ أنَّه لا يُجْزِئُ؛ لأنَّه يُحمِّلُهما الشَّهادةَ، فاعْتُبِرَ فيه أنْ يَقولَ: اشْهَدَا علىَّ. كالشَّهادةِ على الشَّهادةِ. وقال القاضى: يُجْزِئُ. وهو مذهبُ الشَّافعىِّ. ثم إنْ كان ما فى الكتابِ قليلًا، اعْتمدَا (3) على حِفْظِه، وإنْ كَثُرَ فلم يَقْدِرا على حِفظِه، كتَبَ كلُّ واحدٍ منهما مَضْمُونَه، وقابَلَ بها لتكونَ معه، يذكرُ بها ما يَشْهَدُ به، ويَقْبِضَان (4) الكِتابَ قبلَ أن يَغِيبا؛ لئلَّا يَدْفَعَ إليهما غيرَه، فإذا وصلَ الكتابُ معهما إليه، قرأه الحاكمُ أو غيرُه عليهما، فإذا سَمِعاه قالا: نَشْهدُ أنَّ هذا كتابُ فلانٍ القاضى إليك، أشهدَنا على نَفْسِه بما فيه. لأنَّه قد يكونُ كتابُه غيرَ الذى أشْهدَهما عليه. قال أبو الخَطَّابِ: ولا يُقْبَلُ إلَّا أنْ يَقولا: نَشْهَدُ أنَّ هذا كتابُ فلانٍ. لأنَّها أداءُ شَهادةٍ، فلا بُدَّ فيها مِن لفظِ الشَّهادةِ. ويجبُ أن يَقُولا: مِن عَمَلِه. لأنَّ الكتابَ لا يُقْبَلُ إلَّا إذا وَصلَ مِن مَجْلسِ عَمَلِه. وسواءٌ وصَلَ الكتابُ مَخْتُومًا أو غيرَ مَخْتومٍ، مَقبولًا أو غيرَ مَقْبُولٍ؛ لأنَّ الاعْتِمادَ على شَهادتِهما، لا على الخطِّ والخَتْمِ. فإن امْتَحَى الكتابُ، وكانا يحْفَظانِ ما فيه، جازَ لهما أنْ يشْهَدا بذلك، وإن لم يحفَظا ما فيه، لم تُمْكِنْهما الشهادةُ. وقال أبو حنيفةَ، وأبو ثَوْرٍ: لا يُقْبَلُ الكتابُ حتى يشْهدَ شاهدان على خَتْمِ القاضى. ولَنا، أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم كتبَ كِتابًا إلى قَيْصَرَ، ولم يَخْتِمْه، فقِيلَ له: إنَّه لا يَقْرأُ كتابًا غيرَ
(1) فى الأصل: "عليه".
(2)
فى الأصل: "اشهدوا".
(3)
فى ب، م. "اعتمد".
(4)
فى الأصل، أ:"ويفتضان".
مَخْتُومٍ. فاتَّخذَ الخاتَمَ (5). واقْتصارُه على الكِتابِ دونَ الخَتْمِ، دليلٌ على أنَّ الخَتْمَ ليس بشَرْطٍ فى القَبولِ، وإنَّما فعلَه النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم ليقْرَأُوا كتابَه، ولأنَّهما شَهِدَا بما فى الكتابِ وعَرَفا ما فيه، فوجَبَ قَبولُه، كما لو وَصلَ مَخْتُومًا وشَهِدَا بالخَتْمِ. إذا ثبتَ هذا، فإنَّه إنما يُعْتبَرُ ضَبْطُهما لمعنَى الكتابِ، وما يتعلَّقُ به الحُكْمُ. قال الأثْرَمُ: سمِعتُ أبا عبدِ اللَّه يُسْأَلُ عن قومٍ شهِدُوا على صحيفةٍ، وبعضُهم يَنْظُرُ فيها، وبعضُهم لا ينْظُرُ؟ قال: إذا حفِظَ فَلْيَشْهَدْ. قِيلَ: كيف يَحْفَظُ، وهو كلامٌ كثيرٌ! قالَ: يَحْفَظُ ما كانَ عليه الكلامُ والوَضْعُ. قُلْتُ: يَحْفَظُ المعنَى؟ قال: نعم. قيل له: والحدودَ والثَّمنَ وأشْباهَ ذلك؟ قال: نعم. ولو أدرجَ الكتابَ وختَمَه، وقال (6): هذا كِتابى، اشْهَدَا (7) علىَّ بما فيه. أو قال (8): أشْهَدْتُكما على نفسِى بما فيه. لم يصِحَّ هذا التَّحمُّلُ. وبه قالَ أبو حنيفةَ، والشافعىُّ. وقال أبو يوسفَ: إذا خَتَمَه بخَتْمِه وعُنْوانِه، جازَ أن يتحَمَّلا (9) الشَّهادةَ عليه مُدْرَجًا، فإذا وصلَ الكتابُ شَهِدَا عندَه أنَّه كتابُ فُلانٍ. ويَتَخَرَّجُ لنا مثلُ هذا؛ لأنَّهما شَهِدَا بما فى الكتابِ، فجازَ، وإنْ لم يعْرِفا (10) تفصِيلَه، كما لو شَهِدَا (11) بما فى هذا الكِيسِ من الدَّراهمِ، جازت شهادَتُهما (12)، وإن لم يَعْرِفا قَدْرَها. ولَنا، أَنَّهما شَهِدَا بمَجْهولٍ لا يَعْلَمانِه، فلم تَصِحَّ شهادتُهما، كما لو شَهِدَا أنَّ لفُلانٍ على فُلانٍ مالًا. وفارَقَ ما ذكرَه، فإنَّ تعْيِينَه الدَّراهِمَ التى فى الكِيس أغْنَى عن مَعْرفةِ قَدْرِها، وهاهُنا الشهادةُ على ما فى الكتابِ دُونَ الكتابِ، وهما لا يَعْرِفانِه. الشَّرْطُ الثانى، أن يَكْتُبَه القاضى مِن مَوْضعِ وِلايَتِه وعَمَلِه (13)، فإن كتَبَه مِن غيرِ وِلايَتِه، لم يَسُغْ قَبولُه؛ لأنَّه لا يسُوغُ له فى غيرِ وِلايَتِه حُكمٌ، فهو فيه
(5) انظر: ما أخرجه أبو داود، فى: باب ما جاء فى اتخاذ الخاتم، من كتاب الخاتم. سنن أبى داود 2/ 405.
(6)
سقطت الواو من: م.
(7)
فى الأصل: "اشهدوا".
(8)
فى ب، م:"قد".
(9)
فى الأصل: "يتحمل".
(10)
فى ب، م:"يعلما".
(11)
فى م زيادة: "لرجل".
(12)
فى م: "الشهادة".
(13)
فى م: "وحكمه".