الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إنَّكَ متى أدَّيْتَ إِلَىَّ كذا، فأَنْتَ حُرٌّ. فإذا أدَّى إليه ذلك، فيَنْبَغِى أَنْ يَعْتِقَ، فإنْ قيلَ: فإذا غُيِّرَ الأجَلُ والعِوَضُ، فكأنَّهما فَسَخَا الكتابةَ الأُولَى، وجَعَلاها كتابَةً ثانِيَةً. قُلْنا: لم يَجْرِ بينَهما فَسْخٌ، وإنَّما قَصَدا تَغْيِيرَ العِوَضِ والأَجَلِ، على وَجْهٍ لا يصِحُّ، فبَطَل (10) التَّغْيِيرُ وبَقِىَ (11) العَقْدُ بحالِه. ويَحْتَمِلُ أَنْ يصِحَّ ذلك، كما فى المسألةِ الأُولَى. فعلى هذا، لو اتَّفَقَا على ذلك. ثم رَجَعَ أحَدُهما، كان (12) له الرُّجوعُ. وكذلك فى المسألَة الأُولَى، لو قال: أُعَجِّلُ لَكَ مالَ الكتابةِ، وتُسْقِطُ عَنِّى منه كذا؟ فقال: نعم. ثم رَجَعَ أحَدُهما قبلَ التَّعْجِيلِ، فله الرُّجُوعُ، لما ذَكَرْنا من أَنَّ الدَّيْنَ المُؤَجَّلَ لا يَتَأخَّرُ عن أجَلِه ولا يَتَقَدَّمُ، وإنَّما له أَنْ يُؤَدِّيَه قبلَ مَحَلِّه، ولِمَنْ له الدَّينُ تَرْكُ قَبْضِه فى مَحَلِّه، وذلك إلى اخْتِيارِه، فإذا وَعَدَ به ثم رَجَعَ قبلَ الفِعْلِ، فله ذلك.
فصل:
وإِنْ صالَحَ المُكاتَبُ سَيِّدَهُ عمَّا فى ذِمَّتِه بغيرِ جِنْسِه، مثل أَنْ يُصالِحَه عن النُّقودِ بحِنْطَةٍ أو شعيرٍ، جازَ، إِلَّا أنَّه لا يجوزُ أَنْ يُصالِحَه على شىءٍ مُؤَجَّلٍ؛ لأَنَّه يكونُ بَيعَ دَيْنٍ بدَيْنٍ. وإِنْ صالَحَه عن الدَّراهِم بدَنانِيرَ، أو عن (13) الحِنْطَةِ بشَعيرٍ، لم يجُزِ التَّفَرُّقُ (14) قبلَ القَبْضِ؛ لأنَّ هذا بَيعٌ فى الحقيقَةِ، فيُشْتَرَطُ له القبضُ فى المَجْلِسِ. وقال القاضى: يَحْتَمِلُ أَنْ لا تَصِحَّ هذه المُصالَحةُ مُطْلَقًا؛ لأنَّ هذا دَيْنٌ من شَرْطِه التَّأْجِيلُ، فلم تجُزِ المُصالَحَةُ عليه بغيرِه، ولأنَّه دَيْنٌ غيرُ مُسْتَقِرٍّ، فهو كدَيْنِ السَّلَمِ. وقال ابنُ أبى موسى: لا يَجْرِى الرِّبَا بينَ المُكاتَبِ وسَيِّدِه. فعلى قَوْلِه، تجوزُ المُصالَحَةُ كيفَما كانتْ، كما يجوزُ ذلك بين العبدِ القِنِّ وسَيِّدِه. والأوْلَى ما ذَكَرْناه، ويفارِقُ دَيْنُ الكتابة دَيْنَ السَّلَمِ؛ فإنَّه يُفارِقُ سائِرَ الدُّيونِ بما ذَكَرْنا فى هذه المسألةِ، فمُفارَقَتُه لِدَيْنِ السَّلَمِ أعْظمُ. واللَّهُ أعلمُ.
(10) فى أ، ب، م:"فيبطل".
(11)
فى م: "يبقى".
(12)
فى ب، م:"فإن".
(13)
فى ب: "وعن".
(14)
فى ب، م:"التصرف".
2007 -
مسألة؛ قال: (وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ (1)، فَكَاتَبَ أَحَدَهُمَا، فَلَمْ يُؤدِّ كُلَّ كِتَابَتِهِ حَتَى أَعْتَقَ الآخَرُ، وَهُوَ مُوسِرٌ، فَقَدْ صَارَ العَبْدُ (2) حُرًّا، ويَرْجِعُ الشَّرِيكُ عَلَى الْمُعْتِقِ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ)
قد ذكرْنا فيما تقدَّم، أَنَّ العبدَ المُشْترَكَ يجوزُ لأحَدِ الشَّريكَيْنِ كتابَةُ (3) نَصِيبِه منه (4)، بغيرِ إذْنِ شَرِيكِه، ويَبْقَى سائِرُه غيرَ مُكاتَبٍ، فإذا فعلَ هذا، فأعْتَقَ (5) الذى لم يُكاتِبْه حِصَّتَه منه، وهو مُوسِرٌ، عَتَقَ، وسَرَى العِتْقُ إلى باقِيه، فصارَ كُلُّه حُرًّا، ويَضْمَنُ لشَرِيكِه قِيمةَ حَقِّه (6) منه، ويكونُ الرُّجُوعُ (7) بقِيمَتِه مُكاتَبًا، يَبْقَى على ما بَقِىَ مِن كتابتِه؛ لأنَّ الرُّجوعَ عليه بقِيمَةِ ما أتْلفَ، وإنَّما أتْلفَ مُكاتَبًا. وإِنْ كان المُعْتِقُ مُعْسِرًا، لم يَسْر العِتْقُ. على ما مَضَى فى بابِ العِتْقِ (8). وقال أبو بكرٍ، والقاضِى: لا يَسْرِى العِتْقُ فى الحالِ، لكنْ يُنْظَرُ؛ فإنْ أدَّى كتابَتَه، عَتَقَ باقِيهِ بالكتابَةِ، وكان وَلاؤُه بينَهما، وإِنْ فُسِخَتْ كتابَتُه لعَجْزِه، سَرَى العِتْقُ، وقُوِّمَ عليه حِينَئذٍ؛ لأنَّ سِرايَةَ العِتْقِ فى الحالِ مُفْضِيَةٌ إلى إبْطالِ الوَلاءِ الذى انْعَقَدَ سَبَبُه، ونَقْلِه عن المُكاتِبِ إلى غيرِه. وقال ابنُ أبى لَيْلَى: عِتْقُ الشَّريكِ مَوْقُوفٌ حتى يُنْظَرَ ما يَصْنَعُ فى الكتابةِ، فإن أدَّاها، عَتَقَ، وكان المُكاتِبُ ضامِنًا لقِيمَةِ نَصِيبِ شَرِيكِه، ووَلاؤُه كلُّه للمُكاتِبِ. وإِنْ عَجَزَ، سَرَى عِتْقُ الشَّرِيكِ، وضَمِنَ نِصْفَ القِيمَةِ للمُكاتِبِ، وكان وَلاؤُه كُلُّه له. وأمَّا (9) الشافِعِىُّ فلا يُجَوِّزُ كتابَةَ أحَدِ الشَّرِيكَيْنِ، إِلَّا أَنْ يأذَنَ فيه شَرِيكُه، فيكونَ فيه قَوْلان، فإذا كاتَبَهُ بإذْنِ شَرِيكِه، ثم أعْتَقَ الذى لم يُكاتِبْ، فهل يَسْرِى فى الحالِ، أو يَقِف على العَجْزِ؟ فيه قَوْلان. ولَنا، قولُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِى عَبْدٍ، وكَانَ لَهُ مَا يَبْلُغُ قِيمَةَ الْعَبْدِ،
(1) فى أ، م:"اثنين".
(2)
فى م زيادة: "كله".
(3)
فى الأصل: "كتابته".
(4)
سقط من: ب.
(5)
فى م: "عتق".
(6)
فى م: "حصته".
(7)
فى م: "المرجوع".
(8)
انظر ما تقدم فى: صفحة 351، 358.
(9)
فى م زيادة: "مذهب".