الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لكَوْنِه مُعْتَقًا، فإن خَرَجَ من الثُّلثِ، كانت الكتابةُ لازِمةً، وإن لم يَخْرُجْ مِن الثُّلثِ، لَزِمَتِ (59) الكتابةُ فى قَدْرِ الثُّلثِ، وسائِرُه موقوفٌ على إجازَةِ الوارِثِ (60)، فإنْ أجازَها (61)، جازَتْ، وإن رَدَّها (62)، بَطَلَتْ. وهذا قولُ الشَّافِعىِّ. وقال أبو الخَطَّابِ، فى "رُءُوسِ المسائلِ": تجوزُ الكِتابةُ من رَأْسِ المالِ؛ لأَنَّه عَقْدُ مُعاوَضةٍ، أشْبَهَ البَيْعَ.
1978 - مسألة؛ قال: (وَإِذَا كَاتَبَ عَبْدهُ، أَوْ أمَتَهُ عَلَى أَنْجُمٍ، فَأُدِّيَتِ الْكِتَابَةُ، فَقَدْ صَارَ الْعَبْدُ حُرًّا، ووَلَاؤُهُ لِمُكَاتِبِهِ)
فى هذه المسألةِ ثلاثةُ فُصولٍ:
أحدُها:
أَنَّ ظاهرَ هذا الكلامِ، أَنَّ الكِتابةَ لا تَصِحُّ حالَّةً، ولا تجوزُ إِلَّا مُؤَجَّلَةً مُنَجَّمةً. وهذا (1) ظاهرُ المذهبِ. وبه قال الشافعىُّ. وقال مالكٌ، وأبو حنيفةَ: تجوزُ حالَّةً؛ لأَنَّه عَقْدٌ على عَيْنٍ، فإذا كان عِوَضُه فى الذِّمَّةِ، جازَ أن يكونَ حالًّا، كالبَيْعِ. ولَنا، أنَّه رُوِىَ عن جماعةٍ من الصَّحابةِ، رضِىَ اللَّهُ عنهم، أنَّهم (2) عَقَدُوا الكتابةَ، ولم يُنْقَلْ عن واحدٍ منهم أنَّه عَقَدَها حالَّةً، ولو جازَ ذلك، لم يَتَّفِقْ جَمِيعُهم على تَرْكِه، ولأنَّ الكِتابةَ عَقْدُ مُعاوَضةٍ، يَعْجِزُ عن أداءِ عِوَضِها فى الحالِ، فكان من شَرْطِه (3) التَّأْجيلُ، كالسَّلَم (4) عندَ (5) أبى حنيفةَ، ولأنَّها عَقْدُ مُعاوَضةٍ يَلْحَقُه الفَسْخُ، مِن شَرْطِه ذِكْرُ
(59) فى الأصل: "لزمه".
(60)
فى م: "الورثة".
(61)
فى م: "أجازت".
(62)
فى م: "ردتها".
(1)
فى ب، م:"وهو".
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
فى أ: "شرطها".
(4)
فى الأصل: "كالمسلم".
(5)
فى النسخ: "على".
العِوَضِ، فَإذا وَقَع على وَجْهٍ يتَحَقّقُ فيه العَجْزُ عن العِوَضِ، لم يَصِحَّ، كما لو أسْلَمَ فى شىءٍ لا يُوجَدُ عندَ مَحَلِّه، ويُفارِقُ البَيْعَ؛ لأَنَّه لا يتحَقّقُ فيه العَجْزُ عن العِوَضِ؛ لأنَّ المُشْتَرِىَ يَمْلِكُ المَبِيعَ، والعبدُ لا يَمْلِكُ شيئًا، وما فى يَدِه لسَيِّدِه. وفى التَّنْجِيمِ حِكْمَتانِ؛ إحداهما، يَرْجِعُ إلى المُكاتَبِ، وهى التَّخْفِيفُ عليه؛ لأنَّ الأداءَ مُفَرَّقًا أسْهَلُ، ولهذا تُقَسَّطُ (6) الدُّيونُ على المُعْسِرِينَ عادةً، تخْفيفًا عليهم. والأُخْرَى، للسَّيِّدِ، وهى أَنَّ مُدَّةَ الكِتابةِ تَطُولُ غالبًا، فلو كانتْ على نَجْمٍ واحدٍ، لم يَظْهَرْ عَجْزُه إِلَّا فى آخِرِ المُدَّةِ، فإذا عجَز، عادَ إلى الرِّقِّ، وفاتَتْ مَنافِعُه فى مُدَّةِ الكتابةِ كلِّها على السَّيِّدِ، من غيرِ نَفْعٍ حَصَلَ له، وإذا كانتْ مُنَجَّمةً نُجُومًا، فعَجَزَ عن النَّجْمِ الأوَّلِ، فمُدّتُه يَسِيرةٌ، وإن عَجَزَ عن مَا بعدَه، فقد حَصَلَ للسَّيِّدِ نَفعٌ بما (7) أخَذَه (8) من النُّجومِ قبلَ عَجْزِه. إذا ثَبَتَ هذا، فأقَلُّه نَجْمانِ فصاعِدًا. وهذا مذهبُ الشَّافِعىِّ. ونُقِلَ عن أحمدَ، أنَّه قال: مِن النَّاسِ مَنْ يقول: نَجْمٌ واحدٌ. ومنهم مَن يقولُ: نَجْمانِ. ونَجْمانِ أحَبُّ إلىَّ. وهذا يَحْتَمِلُ أن يكونَ معناه، أنِّى أذْهَبُ إلى أنَّه لا يجوزُ إِلَّا نَجْمانِ. ويَحْتَمِلُ أن يكونَ المُسْتَحَبُّ نَجْمَيْنِ، ويجوزُ نَجْمٌ واحدٌ. قال ابنُ أبى موسى: هذا على طَريقِ الاخْتِيارِ، وإن جُعِلَ المالُ كلُّه فى نَجْمٍ واحدٍ، جاز؛ لأَنَّه عَقْدٌ يُشْتَرَطُ فيه التَّأْجيلُ، فجاز أن يكونَ إلى أجلٍ واحدٍ، كالمُسْلَمِ، ولأنَّ اعْتِبارَ التَّأْجِيلِ ليتَمكَّنَ من تَسْلِيمِ العِوَضِ، وهذا يَحْصُلُ بنَجْمٍ واحدٍ. ووَجْهُ الأوَّلِ، ما رُوِىَ عن علىٍّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أنَّه قال: الكِتابةُ على نَجْمَيْنِ، والإِيتاءُ من الثَّانِى (9). وهذا يَقْتَضِى أَنَّ هذا أقَلُّ ما تجوزُ عليه الكِتابةُ؛ لأنَّ أكْثرَ مِن نَجْمَيْنِ يجوزُ بالإِجْماعِ. ورُوِىَ عن عثمانَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أنَّه غَضِبَ على عبدٍ له، فقال: لأعاقِبَنَّكَ (10)، ولأُكاتِبَنَّكَ على نَجْمَيْنِ (11). ولو كان يجوزُ أقلُّ من هذا، لعَاقَبَه به فى
(6) فى أ، م:"تسقط".
(7)
فى أ: "لما".
(8)
فى الأصل، أ:"أخذ".
(9)
انظر: تلخيص الحبير 4/ 217، حيث عزاه لابن أبى شيبة، ولم نجده فى المصنف.
(10)
فى الأصل: "لأعتقنك".
(11)
أخرجه البيهقى، فى: باب مكاتبة الرجل عبده أو أمته على نجمين، من كتاب المكاتب. السنن الكبرى 10/ 320، 321.