الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زَنَى مرَّةً أُخْرَى. وما ذكرُوه يَبْطُلُ بالأصلِ الذى ذَكرْناه.
فصل:
وكذلك كلُّ شَهادةٍ على فِعْليْنِ، مثل أن يَشْهدَ اثنان أنَّه زنَى بامرأةٍ، وآخَران أنَّه زنَى بأُخْرَى، أو يَشْهدَا (2) أنَّه زَنَى بها فى يومٍ، وآخَرانِ أنَّه زَنَى بها فى آخَرَ، أو يَشْهدَا (2) أنَّه زنَى بها ليلًا، وآخَرانِ أنَّه زنَى بها نهارًا، أو يَشْهدَا (2) أنَّه زنَى بها غُدْوةً، ويَشْهدَ آخَرانِ أنَّه زنَى بها عَشِيًّا، وأشْباه هذا، فإنَّهم قَذَفَةٌ فى هذه المواضعِ، وعليهم الحدُّ؛ لما ذكرْناه. فإن شهِدَ اثنان أنَّه زنَى بها فى زَاويةِ بيتٍ، وشَهِدَ آخَران أنَّه زنَى بها فى زاويةٍ منه أُخْرَى، وكانتا مُتباعِدَتَيْن، فالحُكمُ فيه كما ذكرْنا. وقال أبو حنيفةَ: تُقْبَلُ شهادتُهم، ويُحَدُّ المشْهودُ عليه، اسْتِحْسانًا. وهو قولُ أبى بكرٍ. ولَنا، أنَّهما مَكانان لا يُمْكِنُ وُقوعُ الفعلِ الواحدِ فيهما، ولا يَصِحُّ نِسْبتُه إليهما، فأشْبَها البَيْتينِ. وأمَّا إن كانتا مُتقارِبَتيْنِ، تُمْكِنُ نِسْبتُه إلى كلِّ واحدةٍ منهما، لقُرْبِه منها، كَمَلَتِ الشَّهادةُ؛ لإِمْكانِ صِدْقِهم فى نِسْبتِه إلى الزَّاوِيَتيْنِ جميعًا.
فصل: ومتى كانتِ الشَّهادةُ على فعلٍ، فاخْتلَفَ الشاهدانِ فى زمنِه، أو مكانِه، أو صِفةٍ له تدُلُّ على تَغايُرِ الفِعْليْنِ، لم تَكْمُلْ شَهادتُهما، مثل أن يشْهدَ أحدُهما أنَّه غصَبَه دِينارًا يومَ السَّبتِ، ويشْهدَ الآخَرُ أنَّه غصَبَه دينارًا يومَ الجُمعةِ، أو يشْهدَ أحدُهما أنَّه غصَبَه بدمشقَ، ويشْهدَ الآخَرُ أنَّه غصبَه بمِصْرَ، أو يشْهدَ أحدُهما أنَّه غصَبَه دينارًا، ويشْهدَ الآخَرُ أنَّه غصَبه ثوبًا، فلا تَكْمُلُ الشَّهادةُ؛ لأنَّ كلَّ فعلٍ لم يَشْهَدْ به شاهدان. وهكذا إن اخْتلَفا فى زمنِ القَتلِ، أو مكانِه، أو صِفَتِه، أو فى شُرْبِ الخمرِ، أو القَذْفِ، لم تَكْمُلِ الشَّهادةُ؛ لأنَّ ما شهِدَ به أحدُ الشاهِدَيْنِ غيرُ الذى شهِدَ به الآخَرُ، فلم يَشْهَدْ بكلِّ واحدٍ من الفِعْليْنِ إِلَّا شاهِدٌ واحدٌ، فلم يُقْبَلْ إِلَّا على قولِ أبى بكرٍ، فإِنَّ هذه الشَّهادةَ (3) تَكْمُلُ. ويَثْبُتُ المشْهودُ به إذا اخْتلَفا فى الزَّمانِ والمكانِ، فأمَّا إن اختلَفا فى صِفَةِ الفِعْلِ، فشهِدَ أحدُهما أنَّه سرَقَ مع الزَّوالِ كِيسًا أبْيَضَ، وشهِدَ آخَرُ أنَّه سَرقَ مع الزَّوال كِيسًا أسودَ، أو شهِدَ أحدُهما أنَّه سرَقَ هذا الكِيسَ غُدْوة، وشهِدَ الآخَرُ أنَّه سَرَقَه عَشِيًّا،
(2) فى أ، ب، م:"يشهدان".
(3)
فى الأصل، أ، م زيادة:"لم".
لم تَكْمُلِ الشَّهادةُ. ذكرَه ابنُ حامدٍ. وقال أبو بكرٍ: تَكْمُلُ. والأَوَّلُ أصَحُّ؛ لأنَّ كلَّ فعلٍ لم يَشْهَدْ به إلًا واحدٌ، على ما قدَّمناه. وإن اخْتلَفا فى صِفَةِ المشْهودِ به اخْتلافًا يُوجِبُ تَغايُرَها (4)، مثل أن يشْهَدَ أحدُهما بثَوبٍ والآخَرُ بدينارٍ، فلا خلافَ فى أَنَّ الشَّهادةَ لا تَكْمُلُ؛ لأنَّه لا يُمْكِنُ إيجابُهما جميعًا؛ لأنَّه يكونُ إيجابًا بالحقِّ عليه بشَهادةِ واحدٍ، ولا إيجابُ أحدِهما بعَيْنِه؛ لأنَّ الآخَرَ لم يَشْهَدْ به، وليس أحدُهما أوْلَى من الآخَرِ. فأمَّا إِنْ شهِدَ بكلِّ فعلٍ شاهدانِ، واخْتلَفا فى الزَّمانِ، أو المَكانِ، أو الصِّفَةِ، ثَبَتَا جَمِيعًا؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما قد شهِدَتْ به بَيِّنةٌ عادلةٌ، لو انْفَردَتْ أثْبتَتِ الحقَّ، وشَهادةُ الأُخْرَى لا تُعارِضُها؛ لإِمْكانِ الجَمْعِ بينهما، إِلَّا أن يكونَ الفِعلُ ممَّا لا يُمْكِنُ تَكرُّرُه، كقتلِ رجلٍ بعَيْنِه، فتَتعارَضُ البَيِّنَتانِ، لِعْلمِنا أَنَّ إحْداهما كاذبةٌ، ولا نعلمُ أيَّتُهما هى، بخلافِ ما يتكرَّرُ ويُمْكِنُ صِدْقُ البَيِّنتَيْنِ فيه، فإنَّهما جميعًا يَثْبُتانِ إنِ ادَّعاهُما، وإن لم يَدَّعِ إِلَّا إحْداهما، ثَبَتَ له ما ادَّعاه دونَ ما لم يَدَّعِه. وإن شهدَ اثْنانِ أنَّه سرَقَ مع الزَّوالِ كِيسًا أسْوَدَ، وشهِدَ آخَران أنَّه سرَقَ مع الزَّوالِ كِيسًا أبْيَضَ، أو شهِدَ اثنان أنَّه سَرَقَ هذا الكِيسَ غُدْوةً، وشهِدَ آخَران أنَّه سرقَه عَشِيًّا، فقال القاضى: يَتَعارَضان. وهو مذهبُ الشَّافعىِّ. كما لو كان المشْهودُ به قَتْلًا. والصَّحيحُ أَنَّ هذا لا تَعارُضَ فيه؛ لأنَّه (5) يُمْكِنُ صِدْقُ البَيِّنتَيْنِ، بأنْ يَسْرِقَ عند الزَّوالِ كِيسَيْنِ أبيضَ وأسودَ، فتشْهدُ كلُّ بَيِّنَةٍ بأحَدِهما، ويُمْكِنُ أن يسْرِق كِيسًا غُدْوةً ثم يعودَ إلى صاحبِه أو غيرِه، فيَسْرقَه عَشِيًّا، ومع إمْكانِ الجَمْعِ لا تَعارُضَ. فعلى هذا، إن ادَّعاهما المشهودُ له، ثَبَتَا له فى الصُّورةِ الأولَى، وأمَّا فى الصَّورةِ الثانية، فيَثْبُتُ له الكِيسُ المشْهودُ به حَسْبُ، فإنَّ المشْهودَ به وإن كانا (6) فِعْليْنِ، لكنَّهما فى مَحَلِّ واحدٍ، فلا يَجبُ أكثرُ من ضَمانِه. وإن لم يدَّعِ المشهودُ له إِلَّا أحدَ الكِيسَيْنِ، ثَبَتَ له، ولم يَثْبُتْ له الآخَرُ؛ لعَدَمِ دَعْواه إيَّاهُ. وإن شهِدَ له شاهدٌ بسَرِقةِ كِيسٍ فى يومٍ، وشهِدَ آخَرُ بسَرِقةِ كِيس فى يومٍ آخَرَ، أو شهِدَ أحدُهما فى مَكانٍ، وشهِدَ آخَرُ (7)
(4) فى أ، ب، م:"تغبرهما".
(5)
فى م: "لا".
(6)
فى الأصل: "كان".
(7)
فى أ: "الآخر".