الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال مالكٌ: هو الذى يأتى بشَهادتِه، ولا يَعْلَمُ بها الذى هى له. وهذا الحديثُ وإن كان مُطْلَقًا، فإنَّه يَتعيَّنُ حَمْلُه على هذه الصُّوَرِ، جَمْعًا بين الحَديثيْنِ؛ ولأنَّه إذا لم يَكُنْ عالمًا بها، فتَرْكُه طلبَها لا يَدُلُّ على أنَّه لا يُرِيدُ إقامتَها، بخِلافِ العالمِ بها. وهذا مذهبُ الشَّافعىِّ.
فصل:
ويُعْتَبَرُ لفظُ الشَّهادةِ فى أدائِها، فيَقولُ: أشْهَدُ أنَّه أقَرَّ بكذا. ونحوَه. ولو قال: أعلمُ، أو أُحِقُّ، أو أتَيقَّنُ، أو أَعرِفُ. لم يُعْتَدَّ به؛ لأنَّ الشَّهادةَ مَصدرُ شَهِدَ يَشْهَدُ شَهادَةً، فلابُدَّ من الإِتْيانِ بفِعْلِها المُشْتقِّ منها، ولأنَّ فيها معنًى لا يَحْصُلُ فى غيرِها من اللَّفَظاتِ؛ بدليلِ أنَّها تُسْتعمَلُ فى اليَمِينِ، فيُقالُ: أشْهَدُ باللَّهِ. ولهذا تُسْتَعْمَلُ فى اللِّعانِ، ولا يَحْصُلُ ذلك من غيرِها. وهذا مذهبُ الشَّافعىِّ، ولا أعْلَمُ فيه خِلافًا.
1909 - مسألة؛ قال: (وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْمُسْتَخْفِى، إِذَا كَانَ عَدْلًا)
المُستَخْفِى: هو الذى يُخْفِى نَفسَه عن المَشْهودِ عليه؛ ليَسْمَعَ إقْرارَه، ولا يَعْلَمُ به، مثلُ مَن يَجْحَدُ الحَقَّ عَلانِيَةً، ويُقِرُّ به سِرًّا، فيَخْتَبِئُ شاهدان فى مَوْضعٍ لا يَعْلَمُ بهما، ليَسْمَعا إقْرارَه به، ثم يَشْهَدا به، فشَهادتُهما مَقْبولَةٌ، على الرِّوايةِ الصَّحيحةِ. وبهذا قالَ عمرُو (1) بنُ حُرَيْثٍ. وقال: كذلك يُفْعَلُ بالخائنِ والفاجر (2). ورُوِىَ مثلُ ذلك عن شُرَيْحٍ (3). وهو قولُ الشَّافِعىِّ. ورُوِىَ عن أحمدَ، رِوايةٌ أُخْرَى، لا تُسْمَعُ شَهادتُه، وهو اخْتيارُ أبى بكرٍ، وابنِ أبى موسى. ورُوِىَ ذلك عن شُرَيْحٍ (4)، والشَّعْبِىِّ؛ لأنَّ اللَّه تعالى قال:{وَلَا تَجَسَّسُوا} (5). ورُوِىَ عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال: "مَنْ حَدَّثَ بِحَدِيثٍ
= والإمام أحمد، فى: المسند 4/ 115 - 117، 5/ 192، 193.
(1)
عمرو بن حريث بن عمرو المخزومى الكوفى، له صحبة، ولد فى أيام بدر. وقيل: قبل الهجرة بسنتين. توفى سنة خمس وثمانين. الإصابة 4/ 619.
(2)
أورده البخارى، فى: باب شهادة المختبئ، من كتاب الشهادات. صحيح البخارى 3/ 220. والبيهقى، فى: باب ما جاء فى شهادة المختبئ، من كتاب الشهادات. السنن الكبرى 10/ 251. وعبد الرزاق، فى: باب السمع شهادة وشهادة المختفى، من كتاب الشهادات. المصنف 8/ 356.
(3)
ذكره وكيع، فى: أخبار القضاة 2/ 239.
(4)
أخرجه عبد الرزاق، فى: باب السمع شهادة وشهادة المختفى، من كتاب الشهادات. المصنف 8/ 356.
(5)
سورة الحجرات 12.
ثُمَّ الْتَفَتَ، فَهِىَ أَمَانَةٌ" (6). يَعنى أنَّه لا يجوزُ لسامعه ذِكْرُه عنه؛ لالْتِفاتِه وحَذَرِه. وقال مالكٌ: إن كان المشْهودُ عليه ضَعِيفًا ينْخَدِعُ (7)، لم يُقْبَلا عليه، وإن لم يَكنْ كذلك، قُبلَتْ. ولَنا، أنَّهما شَهِدَا بما سَمِعاه يَقينًا، فقُبِلَتْ شهادتُهما، كما لو عَلِمَ بهما (8).
(6) أخرجه أبو داود، فى: باب فى نقل الحديث، من كتاب الأدب. سنن أبى داود 2/ 566. والترمذى، فى: باب ما جاء أن المجالس أمانة، من أبواب البر والصلة. عارضة الأحوذى 8/ 138. والإمام أحمد، فى: المسند 3/ 324، 352، 380، 394.
(7)
فى الأصل: "يتخدع". وفى أ: "يخدع".
(8)
فى أ، ب، م:"بها".