الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شهادتُه لأخيه إذا كان مُنقطعًا إليه فى صِلَتِه وبِرِّه؛ لأَنَّه مُتَّهَمٌ فى حَقِّه. وقال ابنُ المُنْذِرِ: قال مالكٌ: لا تجوزُ شَهادةُ الأَخِ لأخيِه فى النَّسَبِ، وتجوزُ فى الحُقوقِ. ولَنا، عمومُ الآياتِ، ولأنَّه عَدْل غيرُ مُتَّهَمٍ، فتُقْبَلُ شهادتُه له، كالأَجْنَبِىِّ، ولا يَصحُّ القياسُ على الوالدِ والولدِ؛ لأنَّ بينَهما بَعْضِيَّة وقَرابة قَوِيَّة، بخِلافِ الأَخِ.
فصل:
وشَهادةُ العمِّ وابنِه، والخالِ وابنِه، وسائرِ الأقارب، أوْلى بالجَوازِ؛ فإِنَّ شهادةَ الأَخِ إذا أُجِيزَتْ مع قُرْبِه، كان تَنْبِيهًا على شَهادةِ مَن هو أبعَدُ منه، بطَريقِ الأوْلَى.
فصل: وتُقْبَلُ شَهادةُ أحدِ الصَّديقيْنِ لصَاحبِه، فى قولِ عامَّةِ العُلماءِ، إِلَّا مالكًا، قال: لا تُقْبَلُ شَهادةُ الصَّدِيقِ المُلاطِفِ؛ لأَنَّه يَجُرُّ إلى نفسِه نَفْعًا بها، فهو مُتَّهَمٌ، فلم تُقْبَلْ شهادتُه، كشَهادةِ العَدُوِّ على عَدُوِّه. ولَنا، عُمومُ أدلَّةِ الشَّهادةِ، وما قالَه يَبْطُلُ بشَهادَةِ (2) الغَرِيمِ للمَدينِ قَبْلَ الحَجْرِ، وإن كان رُبَّما قَضاه دَيْنَه منه، فَجَرَّ إلى نفسِه نَفْعًا أعْظمَ ممَّا يُرْجَى ههُنا بينَ الصَّديقيْنِ. فأمَّا العَداوةُ، فسببُها مَحْصورٌ (3)، وفى الشَّهادةِ عليه شِفاءُ غَيْظِه منه، فخالَفَتِ الصَّداقةَ.
1900 - مسألة؛ قال: (وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْعَبْدِ فِى كُلِّ شَىْءٍ، إِلَّا فِى الْحُدُودِ، وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَمَةِ فِيمَا تَجُوزُ فِيه شَهَادَةُ النِّسَاءِ)
الكلامُ فى هذهِ المسألةِ فى فُصولٍ ثلاثةٍ؛
أحدُها:
فى قَبولِ شَهادةِ العبدِ فيما عدا الحُدودَ والقِصاصَ، فالمذهبُ أنَّها مَقْبولةٌ. رُوىَ ذلك عن علىٍّ، وأنس، رَضِىَ اللَّهُ عنهما. قال أنَسٌ: ما عَلِمْتُ أَنَّ أحدًا رَدَّ شهادةَ العبدِ. وبه قال عُرْوَةُ، وشُريْحٌ، وإياسٌ، وابنُ سِيرينَ، والْبَتِّىُّ، وأبو ثَوْرٍ، وداودُ (1)، وابنُ المُنْذِرِ. وقال عَطاءٌ، ومُجاهِدٌ، والحَسنُ، ومالكٌ، والأوْزاعىُّ، والثَّورىُّ، وأبو حنيفةَ، والشَّافعىُّ، وأبو عُبَيْدٍ: لا تُقْبَلُ شَهادتُه؛ لأَنَّه غيرُ ذى مُروءةٍ، ولأنَّها مَبْنِيَّةٌ على
(2) فى النسخ: "شهادة". والتصحيح من: الشرح الكبير 6/ 279.
(3)
فى أ، ب، م:"محظور".
(1)
سقط من: أ.
الكَمالِ لا تَتَبعَّضُ، فلم يَدْخُلْ فيها العبدُ، كالميراثِ. وقال الشَّعْبِىُّ، والنَّخَعِىُّ، والحَكَمُ: تُقْبَلُ فى الشَّىْءِ اليَسيرِ. ولَنا، عمومُ آياتِ الشَّهادةِ، وهو داخل فيها، فإنَّه مِن رِجالِنا، وهو عَدْل تُقْبَلُ رِوايتُه وفُتْياه وأخْبارُه الدِّينيَّةُ. ورَوَى عُقبةُ بنُ الحارثِ، قال: تَزوَّجتُ أُمَّ يَحيى بنتَ أبى إهابٍ، فجاءَتْ أُمة سَوداءُ، فقالَتْ: قد أرْضَعتُكما. فذكرْتُ ذلك لرسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقالَ: "كَيْفَ، وَقَدْ زَعَمَتْ ذَلِكَ؟ ". مُتَّفَقٌ عليه (2). وفى رواية أبى داودَ، فقُلْتُ: يا رسولَ اللَّهِ، إنَّها لَكاذِبة. قال:"وَمَا يُدْرِيكَ، وَقَدْ قَالَتْ مَا قَالَتْ، دَعْهَا عَنْكَ". ولأنَّه عَدْل غيرُ مُتَّهَمٍ، فتُقْبَلُ شَهادتُه، كالحُرِّ. ولا نُسلِّمُ أنَّه غيرُ ذى مُروءةٍ، فإنَّه كالحُرِّ ينْقَسِمُ إلى مَن له مُروءةٌ، ومَن لا مُروءةَ له، وقد يكونُ منهم الأمراءُ والعُلَماءُ والصَّالحونَ والأتْقياءُ. سُئلَ إياسُ بنُ مَعاويةَ، عن شَهادةِ العبدِ (3)، فقال: أنا أرُدُّ شَهادةَ عبدِ العزيزِ بنِ صُهَيْب (4)! وكان منهم زِيادٌ مَوْلَى [ابنِ عَيَّاشٍ](5)، من العُلماءِ الزُّهَّادِ، وكان عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ يَرفعُ قدرَه، ويُكرِمُه. ومنهم عِكْرِمةُ مولَى ابنِ عبَّاسٍ، أحدُ العلماءِ الثِّقاتِ. وكثيرٌ من العُلماءِ الموالى كانوا عبيدًا، أو أبْناءَ عَبيدٍ، لم يَحْدُثْ فيهم بالإِعْتاقِ إِلَّا الحُرِّيَّةُ، والحرِّيَّةُ لا تُغَيِّرُ طَبْعًا، ولا تُحْدِثُ عِلْمًا، [ولا دِينًا](6)، ولا مُروءَةً، ولا يُقْبَلُ منهم إلا مَن كان ذَا مُروءَةٍ. ولا يَصحُّ قياسُ الشَّهادَةِ على المِيراثِ، [فإِنَّ المِيراثَ](7) خِلافَةٌ للمَوروثِ فى مالِه وحُقوقِه، والعَبْدُ لا يُمْكِنُه الخِلافةُ؛ لأنَّ ما يَصيرُ إليه يَمْلِكُه سيِّدُه، فلا يُمْكِنُ أن يُخْلَف فيه (8)، ولأنَّ الميراثَ يَقْتَضِى التَّمْليكَ، والعَبدُ لا يَمْلِكُ، ومَبْنَى الشَّهادةِ على العَدالةِ التى هى مَظِنَّةُ الصِّدْقِ، وحُصولِ الثِّقَةِ من القَوْلِ، والعبدُ أهلٌ لذلك، فوجَبَ أن تُقْبَلَ شَهادتُه.
(2) تقدم تخريجه، فى: 11/ 310.
(3)
فى م: "العبيد".
(4)
البنانى مولاهم، البصرى الأعمى، ثقة، توفى سنة ثلاثين ومائة. تهذيب الهذيب 6/ 341، 342.
(5)
فى الأصل: "مولى ابن أبى عياش". وفى م: "مولى ابن عباس". وهو زياد بن أبى زياد ميسرة المخزومى، مولى عبد اللَّه بن عياش، ثقة، عابد، زاهد، توفى سنة خمس وثلاثين ومائة. تهذيب التهذيب 3/ 367، 368.
(6)
سقط من: م.
(7)
سقط من: الأصل.
(8)
فى م زيادة: "الميراث".