الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولو كانتِ الأرضُ لاثْنَينِ، فأرادا قِسْمةَ البئرِ والشَّجرةِ دونَ الأرضِ، لم تكنْ قِسْمةَ إجبارٍ، وهكذا الأرضُ ذاتُ الشَّجَرِ، إذا اقْتُسِمَ الشجرُ دونَ الأرضِ، لم تكُنْ قِسْمةَ إجْبارٍ. ولو اقْتَسماها بشَجرِها، كانت قِسْمةَ إجْبارٍ؛ لأنَّ الشجرَ يَدْخُلُ تَبَعًا للأرضِ، فيَصِيرُ الجميعُ كالشىءِ الواحدِ، ولهذا تجِبُ فيه الشُّفْعةُ إذا بيعَ شىءٌ من الأرضِ بشَجَرهِ. وإذا قُسِمَ ذلك دونَ الأرضِ، صارَ أصْلًا فى القِسْمةِ، ليس بتابعٍ لشىءٍ واحدٍ، فيَصِيرُ كأعْيانٍ مُفْرَدةٍ من الدُّورِ والدَّكَاكينِ المُتفرِّقةِ، ولهذا لا تَجِبُ فيه الشُّفْعةُ إذا بِيعَ مُفْرَدًا. وكلُّ قِسْمةٍ غيرِ واجبةٍ، إذا تَراضَيا بها، فهى بَيْعٌ، حُكمُها حُكْمُ البَيْعِ.
1881 - مسألة؛ قال: (وَإِذَا قُسِمَ، طُرِحَتِ السِّهَامُ، فَيَصِيرُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مَا وَقَعَ سَهْمُهُ عَلَيْهِ، إِلَّا أنْ يَتَرَاضَيَا، فَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مَا رَضِىَ بِهِ)
وجملتُه أنَّ القِسْمةَ على ضَرْبيْنِ؛ قِسْمةُ إجْبارٍ، وقِسمَةُ تَراضٍ. وقد ذَكرْنا أنَّ قِسْمةَ الإِجْبارِ ما أمْكَنَ التَّعْدِيلُ فيها مِن غيرِ رَدٍّ. ولا تخْلُو مِن أربعةِ أقسامٍ؛ أحدُها، أن تكونَ السِّهامُ مُتَساوِيَةً، وقيمةُ أجْزاءِ المَقسومِ مُتَساويةً. الثانى، أن تَكونَ السِّهامُ مُتَساويةً، وقِيمةُ الأجْزاءِ مُخْتلِفةً. الثالث، أن تكونَ السِّهامُ مُخْتلِفةً وقيمةُ الأجْزاءِ مُتَساوِيَةً. الرابع، أن تكونَ السِّهامُ مُخْتلِفةً، والقِيمةُ مُخْتلِفةً (1). فأمَّا الأوَّلُ، فمِثلُ أرضٍ بين سِتَّةٍ، لكلِّ واحدٍ منهم (2) سُدسُها، وقِيمةُ أجْزاءِ الأرضِ مُتَساويةٌ، فهذه تَعْدِلُها بالمساحةِ سِتَّةُ أجزاءٍ مُتساويةٍ، لأنَّه يَلْزَمُ من تَعْديلِها بالمساحةِ تَعْديلُها بالقِيمةِ، لتَساوِى أجْزائِها فى القِيمةِ، ثم يُقْرَعُ بينهم، وكيفما أُقْرِعَ بينهم جازَ، فى ظاهرِ كلامِ أحمدَ؛ فإنَّه قال فى روايةِ أبى دَاودَ: إن شاءَ رِقاعًا، وإن شاءَ خَواتيمَ، يُطْرَحُ ذلك فى حِجْرِ مَن لم يَحْضُرْ، ويكونُ لكلِّ واحدٍ خاتَمٌ مُعَيَّنٌ، ثم يقالُ: أخْرِجْ خاتَمًا على هذا السَّهْمِ. فمَن خَرَجَ خاتمَهُ فهو له، وعلى هذا، لو أُقرِعَ بالحَصا أو غيرِه جازَ. واخْتارَ أصحابُنا فى القُرْعةِ أن يَكْتُبَ رِقاعًا مُتساوِيَةً بعددِ السِّهامِ، وهو هاهُنا مُخَيَّرٌ بين أن يُخْرِجَ الأسْماءَ على السِّهامِ، وبين
(1) لم يرد فى: الأصل.
(2)
فى م: "منهما".
إخْراجِ السِّهامِ على الأسْماءِ، فإن أخْرَجَ الأسماءَ على السِّهامِ، كتبَ فى كلِّ رُقْعةٍ اسمَ كلِّ (3) واحدٍ من الشُّركاءِ، وتُتْرَكُ فى بَنادِقِ طِينٍ أو شَمْعٍ مُتَساوِيةِ القَدْرِ والوَزْنِ، ويُتْرَكُ فى حِجْرِ مَن لم يَحْضُرِ القِسْمةَ، ويُقالُ له: أخْرجْ بُندقةً على هذا السَّهمِ. فإذا أخْرَجَها كان ذلك السَّهمُ لمَن خرجَ اسمُه فى البُنْدُقةِ، ثم يُخْرِجُ أُخْرَى على سهمٍ آخرَ، كذلك حتى يَبْقَى الأخيرُ، فيتَعيَّنُ لمَن بَقِىَ. وإن اخْتارَ إخْراجَ السِّهامِ على الأسْماءِ، كتبَ فى الرِّقاعِ أسْماءَ السِّهامِ، فيكْتبُ فى رُقْعةٍ الأوَّلَ ممَّا يَلِى جهَةَ كذا، وفى أُخْرَى الثانىَ، حتى يكْتُبَ السِّتَّةَ، ثم يُخْرِجُ الرُّقْعةَ على واحدٍ بعَيْنِه، فيكَونُ له السَّهْمُ الذى فى الرُّقْعةِ. ويَفْعلُ ذلك حتى يَبْقَى الأخيرُ، فيتَعيَّنُ لمن بَقِىَ. وذكرَ أبو بكرٍ، أنَّ البَنادِقَ تُجْعَلُ طِينًا، وتُطرحُ فى ماءٍ، ويُعَيَّنُ واحدٌ، فأىُّ البَنادقِ انْحَلَّ الطِّينُ عنها، وخرَجتْ رُقْعتُها (4) على الماء، فهى له، وكذلك الثَّانى والثالثُ وما بعدَه، فإنْ خرَجَ اثْنانِ معًا (5) أُعيدَ الإِقْراعُ. والأُولَى (6) أوْلَى وأسْهَلُ. القسم الثانى، أن تكونَ السِّهامُ مُتَّفِقةً والقِيمةُ مُختلِفةً، فإنَّ الأرضَ تُعَدَّلُ بالقِيمةِ، وتُجْعَلُ سِتَّةَ أسْهُمٍ مُتسَاويةِ القِيمةِ. ويُفْعَلُ فى إخْراجِ السِّهامِ مِثلُ الذى قبلَه سواءٌ، لا فَرْقَ بينهما إلَّا أنَّ التَّعْدِيلَ تَمَّ بالسِّهامِ، وهاهُنا بالقِيمَةِ. القسم الثالث، أن تكونَ القيمةُ مُتَساويةً والسِّهامُ مُخْتلفةً؛ مثل أرضٍ بينَ ثلاثةٍ، لأحدِهم نِصْفُها، وللآخرِ ثُلثُها، وللآخرِ سُدسُها، وأجْزاؤها مُتَساويةُ القِيَمِ (7)، فإنَّها تُجْعَلُ سِهامًا بقَدْرِ أقلِّها، وهو السُّدسُ، فتُجْعَلُ سِتَّةَ أسْهُمٍ، وتُعَدَّلُ بالأجْزاءِ، ويَكْتُبُ ثلاثَ رِقاعٍ بأسْمائهم، ويُخْرِجُ رُقْعةً على السَّهْمِ الأوَّلِ، فإن خرَجتْ لصاحبِ السُّدسِ، أخذَه، ثم يُخْرِجُ أُخْرَى على الثانى، فإن خرَجتْ (8) لصاحبِ الثُّلثِ، أخذَ الثانىَ والثالثَ، وكانتِ الثَّلاثةُ الباقيةُ لصاحبِ النِّصفِ بغيرِ قُرْعَةٍ، وإن خرَجتِ القُرْعةُ الثانيةُ لصاحبِ النِّصْفِ، أَخذَ الثانىَ والثالثَ والرابعَ، وكان الخامسُ والسادسُ لصاحبِ
(3) فى ب زيادة: "كل".
(4)
فى ب "برقعتها".
(5)
سقط من: ب، م.
(6)
فى م: "والأول".
(7)
فى م: "القيمة".
(8)
سقط من: م.
الثُّلثِ، وإن خرَجتِ القُرْعةُ الأُولَى لصاحبِ النِّصْفِ، أخذَ الثَّلاثةَ الأُوَلَ، وتَخْرُجُ الثانيةُ على الرَّابعِ، فإن خَرَجتْ لصاحبِ الثُّلثِ، أخذَه والذى يَلِيه، وكان السادسُ لصاحبِ السُّدسِ، فإن خرَجتِ الثانيةُ لصاحبِ السُّدسِ، أخذَه، وأخذَ الآخَرُ الخامسَ والسَّادسَ، وإن خرَجتِ الأُولَى لصاحبِ الثُّلثِ، أخذَ الأوَّلَ والثانىَ، ثم يُخْرجُ الثانيةَ على الثالثِ، فإن خَرَجتْ لصاحبِ النِّصْفِ، أخذَ الثالثَ والرابعَ والخامسَ، وأخذَ الآخِرُ السَّادسَ، وإن خرَجتِ الثانيةُ لصاحبِ السُّدسِ، أخذَه، وأخذَ صاحبُ النِّصْفِ ما بَقِىَ. وقيلَ: تُكْتَبُ سِتُّ رِقاعٍ، باسمِ صاحبِ النِّصْفِ ثلاثٌ، وباسْمِ صاحبِ الثُّلثِ اثْنتان، وباسْمِ صاحبِ السُّدسِ واحدةٌ. وهذا لا فائدةَ فيه؛ فإنَّ المقْصودَ خُروجُ اسْمِ صاحبِ النِّصْفِ، وإذا كَتَبَ ثلاثَ رِقاعٍ حصلَ المَقْصودُ فأغْنَى. ولا يَصحُّ أن يَكْتُبَ رِقاعًا بأسْماءِ السِّهامِ، ويُخْرِجَها على أسْماءِ المُلَّاكِ؛ لأنَّه إذا أَخرَجَ واحدةً فيها السَّهْمُ الثانى لصاحبِ السُّدسِ، ثم أخْرَجَ أُخْرَى لصاحبِ النِّصْفِ أو الثُّلثِ فيهما السَّهْمُ الأوَّلُ، احْتاجَ أن يأْخُذَ نَصِيبَه مُتَفرِّقًا، فيَتضرَّرُ بذلك. القسم الرابع، إذا اخْتَلفتِ السِّهامُ والقِيمةُ، فإنَّ القاسمَ يُعَدِّلُ السِّهامَ بالقِيمةِ، ويَجْعلُها سِتَّةَ أسْهُمٍ مُتَساويةَ القِيَمِ، ثم يُخْرِجُ الرِّقاعَ فيها الأسْماءُ على السِّهامِ، كما ذكرْنا فى القسمِ الثالثِ سواءً، لا فَضْلَ بينهما، إلَّا أنَّ التَّعْدِيلَ هاهُنا بالقِيَمِ، وفى التى قبلَها بالمِساحةِ. وأمَّا الضَّرْبُ الثانى، وهى قِسْمةُ التَّراضِى التى فيها رَدٌّ، ولا يُمْكنُ تَعْدِيلُ السِّهامِ إلَّا أن يُجْعَلَ مع بعضِها عِوَضٌ، فهذه لا إجْبارَ فيها؛ لأنَّها مُعاوَضةٌ، ولا يُجْبَرُ على المُعاوضةِ، وكذلك سائرُ ما لا تجِبُ قِسْمتُه، كالدَّاريْنِ تُجْعَلُ كلُّ واحدةٍ منهما سَهْمًا، وما يَدْخلُ الضَّررُ عليهما بقِسْمتِه، وأشْباهِ هذا، وقد ذكرْنا منه صُوَرًا فيما تقدَّمَ. إذا ثبتَ هذا، فإنَّ قِسْمةَ الإِجْبارِ تَلْزَمُ بإخْراجِ القُرْعةِ؛ لأنَّ قُرْعةَ قاسمِ الحاكمِ بمَنْزلةِ حُكْمِه، فيَلْزَمُ بإخْراجِها كلُزُومِ حُكْمِ الحاكمِ. وأمَّا قِسْمةُ التَّراضِى، ففيها وَجْهان؛ أحدُهما، تلزمُه أَيضًا، كقِسْمةِ الإِجْبارِ؛ لأنَّ القاسِمَ كالحاكمِ، وقُرْعتَه كحُكْمِه. والثانى، لا تَلْزَمُ؛ لأنَّها بَيْعٌ، والبيعُ [لا يَلْزَم إلَّا](9) بالتَّراضِى، لا بالقُرْعةِ، وإنَّما القُرْعَةُ هاهُنا لتَعْريفِ (10) البائعِ من
(9) فى م: "يلزم".
(10)
فى م: "لتعرف".