الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا يَفْعلُه لنَفْعِ نفسِه بتَحْصِيلِ (24) الأجرِ، والقُرْبةِ له، والولائمُ يُراعَى فيها حقُّ الدَّاعِى، فيَنْكَسِرُ قلبُ مَن لم يُجِبْه إذا أجابَ غيرَه.
1873 - مسألة؛ قال: (وَيَعْدِلُ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ فِى الدُّخُولِ عَلَيْهِ، والْمَجْلِسِ، وَالْخِطَابِ)
وجملتُه، أنَّ على القاضى العدلَ بين الخَصْمَيْنِ في كلِّ شىءٍ، مِن المَجْلسِ، والخِطابِ، [واللَّحْظِ واللَّفظِ](1)، والدُّخولِ عليه، والإِنْصاتِ إليهما، والاسْتِماعِ منهما. وهذا قولُ شُرَيْحٍ، وأبى حنيفةَ، والشَّافعيِّ. ولا أعلمُ فيه مُخالِفًا. وقد رَوَى عمرُ ابنُ شَبَّةَ، في كتابِ "قُضاةِ البصرةِ"، بإسْنادِه عن أُمِّ سلَمةَ، أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ بُلِىَ بِالْقَضَاءِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، فَلْيَعْدِلْ بَيْنَهُمْ فِى لَفْظِهِ، وَإشَارَتِهِ (2)، وَمَقْعَدِهِ، وَلَا يَرْفَعُ صَوْتَه عَلَى أَحَدِ الخَصْمَيْنِ مَا لَا يَرْفَعُهُ عَلَى الْآخَرِ"(3). وفى روايةٍ: "فَلْيُسَوِّ بَيْنَهُمْ؛ فِى النَّظَرِ، وَالْمَجْلِسِ، وَالإِشَارَةِ". وكتبَ عمرُ، رَضِىَ اللهُ عنه، إلى أبي موسى (4): سَوِّ (5) بينَ الناسِ في مجلِسِك وعدْلِك، حتى لا يَيْأسَ الضَّعِيفُ من عَدْلِك، ولا يَطْمَعَ شريفٌ في حَيْفِك (6). وقال سَعيدٌ، ثنا هُشَيمٌ، ثنا (7) سَيَّارٌ (8)، ثنا الشَّعْبِيُّ، قال: كان بين عمرَ بنِ الخطَّابِ، وأُبيِّ بنِ كعبٍ بِدَارٌ (9) في شىءٍ، فجَعلا بينهما زيدَ بنَ ثابتٍ، فأتَياهُ في منزلِه، فقال له عمرُ: أتَيْناكَ لتَحْكُمَ بينَنا، في بَيْتِهِ يُؤْتَى الحَكَمُ (10). فوسَّعَ له زيدٌ عن
(24) في م: "لتحصيل".
(1)
في الأصل: "واللحظة واللفظة".
(2)
في الأصل: "وإشاراته".
(3)
وأخرجه البيهقى، في: باب إنصاف الخصمين. . .، من كتاب آداب القاضى. السنن الكبرى 10/ 135.
(4)
سقط من: م.
(5)
في الأصل: "واس".
(6)
تقدم تخريجه، في: 13/ 193.
(7)
في الأصل: "أخبرنا".
(8)
في الأصل: "يسار". وما هنا في: السنن الكبرى 10/ 136 أيضا.
(9)
في السنن الكبرى: "تدارى".
(10)
في م: "الحاكم". وهو مثل معروف.
صَدْرِ فِرَاشِه، فقال: هاهُنا يا أميرَ المُؤمنينَ. فقال له عمرُ: جُرْتَ في أوَّلِ القضاءِ، ولكنْ أجْلِسُ مع خَصْمِى. فجَلَسا بين يديْه، فادَّعَى أُبيٌّ وأنْكَرَ عمرُ، فقال زيدٌ لأُبَيٍّ، أعْفِ أميرَ المؤمنين من اليمينِ، وما كنتُ لأسْألَها لأحدٍ غيرِه. فحلَفَ عمرُ، ثم أقسمَ: لا يُدْرِكُ زيدٌ بابَ القضاءِ، حتى يكونَ عمرُ ورجلٌ مِن عُرْضِ المسلمين عندَه سَواءً (11). ورَواهُ عمرُ بنُ شَبَّةَ، وفيه: فلما أتَيا بابَ زيدٍ، خرجَ فقالَ: السَّلامُ عليك يا أميرَ المؤمنينَ، لو أرسلتَ إليَّ أتَيْتُكَ (12). قال: في بَيْتِه يُؤْتَى الحَكَمُ. فلما دَخلا (13) عليه، قال: هاهُنا يا أميرَ المؤمنين. قال: بل أجلِسُ مع خَصْمِى. فادَّعَى أُبيٌّ وأنْكَرَ عمرُ، ولم تكنْ لأُبيٍّ بَيِّنَةٌ، فقال زيدٌ: أعفِ أميرَ المؤمنين مِن اليمينِ. فقالَ عمرُ: تَاللهِ إنْ زِلْتَ ظالمًا، السلامُ عليكَ يا أميرَ المؤمنين. هاهُنا [يا أميرَ المؤمنين. أعْفِ أميرَ المؤمنينِ](14). ولِمَ يُعفِى أميرَ المؤمنين؟ إنْ كانَ لِى حقٌّ اسْتَحْققتُه بيَمِينى، وإلَّا تَرَكْتُه، واللهِ الذى لا إلهَ إلَّا هو، إنَّ النَّخلَ لَنَخْلِى، وما لأُبيٍّ فيها حقٌّ. ثم أَقْسمَ عمرُ: لا يُصيبُ زيدٌ وَجْهَ القضاءِ حتى يكونَ عمرُ وغيرُه مِن الناسِ عندَه سواءً. فلمَّا خرَجا وهبَ النَّخلَ لِأُبَيٍّ، فقيل له: يا أميرَ المؤمنين، فهَلَّا كانَ هذا قبلَ أن تَحْلِفَ؟ قال: خِفتُ أنْ أتركَ اليَمِينَ، فتَصيرَ سُنَّةً، فلا يَحْلِفُ الناسُ على حُقوقِهم. وقال إبراهيمُ: جاءَ رجلٌ إلى شُرَيْحٍ، وعندَه السَّرِيُّ بنُ وَقَّاصٍ، فقال الرجلُ لشُرَيْحٍ: أعْدِنِى على هذا الجالسِ عندَك. فقال شريحٌ للسَّرِيِّ: قُمْ فاجْلِسْ مع خَصْمِك. قال: إنِّي أسْمَعُك مِن مَكانِى. قال: لا، قُمْ فاجْلِسْ مع خَصْمِك. فأبَى أنْ يَسْمع منه حتَّى أجْلَسَه مع خَصْمِه. وفى روايةٍ أنَّه (15) قال: إنَّ مَجْلِسَك يُرِيبُه، وإنِّى لا أدَعُ النُّصرَةَ وأنا عليها قادِرٌ. ولما تَحاكمَ عليٌّ، رَضِىَ اللهُ عنه، واليَهُودِيُّ إلى شُرَيْحٍ، قال
(11) تقدم تخريجه، في: صفحة 39.
(12)
في ب، م:"لأتيتك".
(13)
في الأصل: "دخل".
(14)
في م: "ههنا أعف أمير المؤمنين".
(15)
سقط من: م.
علىٌّ: إنَّ خَصْمِى لو كان مُسلِمًا لجَلسْتُ معه بينَ يَديْكَ (16). ولأنَّ الحاكمَ إذا ميَّزَ أحدَ الخَصْمَيْنِ على (17) الآخَرِ حُصِرَ، وانْكسَرَ قلبُه (18)، وربما لم تَقُمْ حُجَّتُه، فأدَّى ذلك إلى ظُلْمِه. وإنْ أذِنَ أحدُ الخَصْميْنِ للحاكمِ فى رَفعِ الخَصْمِ الآخَرِ عليه فى المجلسِ، جازَ؛ لأنَّ الحقَّ له، ولا يَنْكسِرُ قلبُه إذا كانَ هو الذى رَفعَه. والسُّنَّةُ أنْ يجلِسَ الخَصْمان بينَ يَدَىِ القاضى؛ لما رُوِىَ أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى أنْ يجلِسَ الخَصْمان بين يَدَىِ الحاكمِ. روَاه أبو داود (19). وقال علىٌّ رضى اللَّه عنه: لو أنَّ خَصْمى مُسلمٌ لَجلَستُ معه بين يَدَيْك. ولأنَّ ذلك أمْكنُ للحاكمِ فى العَدْلِ بينهما، والإِقْبالِ عليهما، والنَّظَرِ فى خُصومَتِهما. وإن كان الخَصْمانِ ذِمِّيَّيْنِ، سَوَّى بينهما أيضًا؛ لاسْتِوائِهِما فى دِينِهما، وإنْ كان أحدُهما مسلمًا والآخَرُ ذِمِّيًّا، جازَ رَفعُ المُسلمِ عليه، لما رَوَى إبراهيمُ التَّيْمِىُّ، قال: وَجَدَ علىٌّ، رَضِىَ اللهُ عنه (20)، دِرعَه مع يَهُودِىٍّ، فقال: دِرْعِى، سَقَطَتْ وَقْتَ كذا وكذا. فقال اليَهُودِىُّ: دِرْعِى، وفى يَدِى، بينى وبينَك قاضى المسلمين. فارْتَفَعَا إلى شُرَيْحٍ، فلمَّا رآهُ شُرَيْحٌ قامَ مِن مَجْلِسِه، وأجْلسَه فى مَوْضِعِه، وجلسَ مع اليَهُودِىِّ بين يَدَيْه، فقال علىٌّ: إنَّ خَصْمِى لو كان مُسلمًا لَجلسْتُ معه بينَ يديك، ولكنِّى سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يقولُ:"لَا تُسَاوُوهُمْ فِى الْمَجَالِسِ". ذكرَه أبو نُعَيْمٍ، فى "الحِلْيةِ". ولا يَنْبَغِى أنْ يُضِيفَ أحدَ الخَصْميْنِ دونَ صاحبِه، إمَّا أن يُضِيفَهما معًا أو يَدعَهما. وقد رُوِىَ عن علىٍّ، كرَّمَ اللهُ وجهَه، أنَّه نزلَ به رجلٌ، فقال له: ألَكَ (21) خَصْمٌ؟ قال: نعم. قال: تحوَّلْ عنَّا، فإنِّى سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: "لَا تُضِيفُوا أَحَدَ الخَصْمَيْنِ إلَّا
(16) أخرجه البيهقى، فى: باب إنصاف الخصمين. . .، من كتاب آداب القاضى. السنن الكبرى 10/ 136. وأبو نعيم، فى: الحلية 4/ 139. وكيع، فى: أخبار القضاة 2/ 200.
(17)
فى ب: "عن".
(18)
لم يرد فى: الأصل، ب.
(19)
فى: باب كيف يجلس الخصمان بين يدى القاضى، من كتاب الأقضية. سنن أبى داود 2/ 271. كما أخرجه البيهقى، فى: باب إنصاف الخصمين، من كتاب آداب القاضى. السنن الكبرى 10/ 135.
(20)
سقط من: ب، م.
(21)
فى ب، م:"إنك".