الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب عِتْقِ أُمَّهاتِ الأوْلادِ
أمُّ الوَلَدِ: هى التى وَلَدَت مِن سَيِّدِها فى مِلْكِه. ولا خِلافَ فى إباحةِ التَّسَرِّى ووَطْءِ الإِماءِ؛ لقولِ اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} (1). وقد كانت مارِيَةُ القِبْطِيَّةُ أُمَّ وَلَدٍ لِلنَّبِىِّ (2) صلى الله عليه وسلم، وهى أمُّ إبراهيمَ بنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، التى قال (3):"أَعْتَقَها وَلَدُها"(4). وكانتْ هاجَرُ أُمُّ إسماعيلَ عليه السلام، سُرِّيَّةً لإِبراهيمَ (5) خَلِيلِ الرحمنِ عليه السلام. وكان لعمرَ ابنِ الخَطَّابِ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أُمَّهاتُ أوْلادٍ وَصَّى (6) لكُلِّ واحِدَةٍ منهنَّ بأرْبَعِمائةٍ أربَعِمائةٍ (7). وكان لعَلِىٍّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أُمَّهاتُ أوْلادٍ (8). ولكثيرٍ من الصحابَةِ. وكان علىُّ ابنُ الحسين، والقاسِمُ بنُ محمد، وسالِمُ بن عبد اللَّه، من أُمَّهاتِ أوْلادٍ. ويُرْوَى (9) أنّ النَّاسَ لم يكونُوا يَرْغَبُون فى أُمَّهاتِ الأوْلادِ، حتى وُلدَ هؤلاء الثَّلاثةُ من أمَّهاتِ الأوْلادِ، فرَغِبَ الناسُ فِيهِنَّ. ورُوِىَ عن سالِم بنِ عبد اللَّه، قال: كان لابْنِ رَواحَةَ جارِيَةٌ، وكان يُرِيدُ الخَلْوَةَ بها، وكانت امْرَأَتُه تَرْصُدُه، فخَلَا البيتُ، فوَقَعَ عليها، فنَذِرَتْ به (10) امْرَأَتُه،
(1) سورة المؤمنون 5، 6.
(2)
فى الأصل، م:"النبى".
(3)
فى م زيادة: "فيها".
(4)
أخرجه ابن ماجه، فى: باب أمهات الأولاد، من كتاب العتق. سنن ابنِ ماجه 2/ 841. والبيهقى، فى: باب الرجل يطأ أمته بالملك فتلد له، من كتاب عتق أمهات الأولاد. السنن الكبرى 10/ 246. وعبد الرزاق، فى: بيع أمهات الأولاد، من كتاب الطلاق. المصنف 7/ 294.
(5)
فى م: "إبراهيم".
(6)
فى أ، م:"أوصى".
(7)
سقط من: م. وتقدم تخريج أثر عمر، فى: 8/ 520.
(8)
انظر: ما أخرجه عبد الرزاق، فى: باب بيع أمهات الأولاد، من كتاب الطلاق. المصنف 7/ 288.
(9)
فى ب، م:"وروى".
(10)
نذرت به: علمت به.
وقالتْ: أفَعَلْتَها (11)؟ قال: ما فَعَلْتُ. قالتْ: فاقْرَأْ إذًا (12). فقال:
شَهِدْتُ بأَنَّ وَعدَ اللَّهِ حَقٌّ
…
وأَنَّ النَّارَ مَثْوَى الكافِرينَا
وأنَّ العَرْشَ فوْقَ الماءِ طافٍ
…
وفوْقَ العَرْشِ رَبُّ العالَمِينَا
وتَحْمِلُه مَلائِكَةٌ شِدادٌ
…
مَلائِكَةُ الإِلهِ مُسَوّمِينَا
فقالتْ: أمَّا إذا قَراتَ فاذْهَبْ إذًا (13). فأَتَى النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، فأَخْبَرَه، قال (14): فلقد رَأيْتُه يَضْحَكُ حتى تَبْدُوَ نَواجِذُه، ويقول:"هِيهِ، كَيْفَ قُلْتَ؟ ". فأُكَرِّرُه عليه، فيَضْحَكُ (15).
فصل: فإذا وَطِئَ الرجلُ أمَتَه، فأتَتْ (16) بوَلَدٍ بعدَ وَطْئِه بِسِتَّةِ أشْهُرٍ فصاعِدًا، لَحِقَه نَسَبُه، وصارَت له بذلك أُمَّ ولدٍ. وإن أتَتْ بولدٍ تامٍّ لأقَلَّ مِن سِتَّةِ أشْهُرٍ، لم يَلْحَقْه نَسَبُه؛ لأنَّ أقلَّ مُدَّةِ الحَمْلِ سِتَّةُ أشْهُرٍ، بدَليلِ ما رَوَى الحسنُ، أن امْرَأةً ولدَتْ لسِتَّةِ أشْهُرٍ، فأُتِىَ بها (17) عمرُ بنِ الخطَّابِ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، فهَمَّ برَجْمِها، فقال له علىٌّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه: ليس لَكَ ذلك، إِنَّ اللَّه يقولُ:{وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} (18). فقد يكونُ فى البَطنِ سِتَّةَ أشْهُرٍ، والرَّضاعُ أرْبَعَةٌ وعشرون شَهْرًا، فذلك تَمامُ ما قال اللَّه تعالَى:{ثَلَاثُونَ شَهْرًا} فخَلَّى عنها عمرُ (19). ورُوِىَ عن ابنِ عبَّاسٍ، أنَّه قال ذلك لعثمانَ (20). ومَن اعْتَرَفَ بوَطْءِ أمَتِهِ، فأتَتْ بولَدٍ يُمْكِنُ أَنْ يكونَ منه، لَحِقَه نَسَبُه، ولم
(11) فى ب، م:"أفعلها".
(12)
سقط من: ب.
(13)
سقط من: الأصل، أ، ب.
(14)
سقط من: الأصل.
(15)
انظر ما تقدم فى: 13/ 298.
(16)
فى ب زيادة: "له".
(17)
فى م زيادة: "إلى".
(18)
سورة الأحقاف 18.
(19)
تقدم تخريجه، فى: 11/ 232.
(20)
أخرجه عبد الرزاق، فى: باب التى تضع لستة أشهر، من كتاب الطلاق. المصنف 7/ 351. وسعيد بن منصور، فى: باب المرأة تلد لستة أشهر، من كتاب الطلاق. السنن 2/ 66.
يَكُنْ له نَفْيُه؛ لما رُوِىَ عن عمرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أنَّه قال: حَصِّنُوا هذه الولائِدَ، فلا يَطَأُ رجُلٌ وَليدَتَه، ثم يُنْكِرُ ولدَها، إِلَّا أَلْزَمْتُه إيَّاهُ (21). روَاه سعيدٌ (22). وعَنْ ابنِ عمرَ، قال: قال عمرُ: أيُّمَا رجلٍ غَشِىَ أَمَتَه، ثم ضَيَّعها، فالضَّيْعَةُ عليه، والولَدُ ولَدُه. روَاه سعيدٌ أيضًا (23). ولأنَّ أَمَتَه صارت فِراشًا بالوَطْءِ، فلَحِقَه ولَدُها، كالمرأَةِ، ولقولِه صلى الله عليه وسلم:"الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ"(24). فإنْ نَفاهُ سيِّدُها، لم يَنْتَفِ عنه، إلا أَنْ يَدَّعِىَ أنَّه اسْتَبْرَأَها، وأَتَتْ بالولَدِ بعدَ اسْتِبْرائِهِا بستَّةِ أشْهُرٍ، فيَنْتَفِى عنه بذلك. وهل يَحْلِفُ على ذلك؟ على وَجْهَيْن. وقد رُوِىَ عن الحسنِ، قال: إذا انكَرَ الرجلُ ولدَه مِن أمَتِه، فلَه ذلك. وعن الشَّعْبِىِّ، أنَّه كان يقول: يَنْتَفِى مِن ولدِه، إذا كان مِن أمَتِه، متى شاءَ. ولَنا، قَولُ عمرَ، وأنَّه وُلِدَ على فِراشِه، فلِم يكُنْ له نَفْيُه، كولدِهِ مِن زَوْجَتِه. فإن أقرَّ به، لم يكُنْ له نَفْيُه بعدَ ذلك. لا نَعْلَمُ فيه خِلافًا. قال إبراهيمُ: إذا أقَرَّ بولدِه، فليس له أَنْ ينْتَفِىَ منه، فإن انْتَفَى منه، ضُرِبَ الحَدَّ، وأُلْحِقَ به الولدُ. وقال شُرَيْحٌ لرجلٍ (25) أقَرَّ بوَلدِه: لا سَبيلَ لكَ أَنْ تَنْتَفِىَ منه. وكذلك إن هُنِّئَ به، فسَكَتَ، أو أمّنَ على الدُّعاءِ؛ لأَنَّه دَليلٌ على الرِّضَى به، فقامَ مَقامَ الإِقْرارِ به. وإِنْ كان يَطَأُ جارِيتَه، وادَّعَى أنَّه كان يَعْزِلُ عنها، لم يَنْتَفِ الولدُ بذلك؛ لما رَوَى أبو سَعِيدٍ، أنَّه قال: يا رسولَ اللَّه، إنَّا نُصِيبُ النِّساءَ، ونُحِبُّ الأثْمانَ، أفَنَعْزِلُ عَنْهُنَّ؟ قال:"إِنَّ اللَّه إِذَا قَضَى خَلْقَ نَسْمَةٍ، خَلَقَها"(26). وعَنْ جابِرٍ، قال: جاءَ رَجُلٌ من الأنْصارِ إلى رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال: إِنَّ لِى جاريَةً، وأنا أطُوفُ عليها، وأنا أكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ. فقال:"اعْزِلْ عَنْهَا إِنْ شِئْتَ، فَإِنَّهُ سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا". قال: فلَبِثَ الرجلُ، ثم أتاهُ، فقال: إِنَّ الجارِيَةَ قد حَمَلَتْ. قال: "قَدْ
(21) فى ب: "إياها".
(22)
فى: بابُ ما جاء فى أمهات الأولاد، من كتاب الطلاق. السنن 2/ 63، 64.
كما أخرجه عبد الرزاق، فى: باب الرجل يطأ سريته وينتفى من حملها، من كتاب الطلاق. المصنف 7/ 132.
(23)
فى الباب السابق. السنن 2/ 63.
(24)
تقدم تخريجه، فى: 7/ 316.
(25)
فى م: "الرجل".
(26)
تقدم تخريجه، فى: 10/ 229.
أخْبَرْتُكَ، أنَّه سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا". روَاه أبو داودَ (27). وعَنْ أبى سَعِيدٍ، أنَّه قال: كُنْتُ أَعْزِلُ عن جارِيَتِى، فوَلَدَتْ أحَبَّ الخَلْقِ إلىَّ. يَعْنِى ابْنَه (27). وعَن ابنِ عمرَ، أَنَّ عمرَ قال: ما بالُ رجالٍ يَطأُون وَلائِدَهم، ثم يَعْزِلُونَهُنَّ، لا تَأْتِينِى وَلِيدَةٌ يَعْتَرِفُ سيِّدُها أنَّه أتَاهَا، إلَّا أَلْحَقْتُ به ولدَها، فاعْزِلُوا بعدَ ذلك أو اتْرُكُوا (28). ولأَنَّها بالوَطْءِ صارَتْ فِراشًا، وقد قال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: "الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ". ولمَّا تنازَعَ عبدُ بن زَمْعَةَ وسَعْدٌ، فى ابنِ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ، فقال عبدٌ: هو أخِى، وابنُ وليدَةِ أبِى، وُلِدَ على فِرَاشِه. فقال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: "هُوَ لكَ يَا عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ، الْوَلَدُ لِلْفِرِاشِ، وللْعَاهِرِ الحَجَرُ". مُتَّفَقٌ عليه. ولأنَّه قد يسْبِقُ من الماء ما لا يُحِسُّ به، فيُخْلَقُ منه الوَلَدُ. وقد رُوِىَ عن ابنِ عمرَ، وزيدِ بنِ ثابتٍ، ما يَدُلُّ على أنَّ الولدَ لا يُلْحَقُ به مع العَزْلِ، فرَوَى سَعِيدٌ (29)، حَدَّثَنا (30) سفيانُ، عن ابنِ أبى نَجِيحٍ، عن فَتًى من أهلِ المَدِينَةِ، أَنَّ عمرَ بنَ الخَطَّابِ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، كان يَعْزِلُ عن جارِيَةٍ له، فجاءَتْ بحَمْلٍ، فشَقَّ عليه، وقال: اللَّهُمَّ لا تُلْحِقْ بآلِ عمرَ مَنْ ليس منهم، فإِنَّ آلَ عمرَ ليس بهم خَفاءٌ. فولَدَتْ ولدًا أسْوَدَ، فقال: ممَّنْ هو؟ فقالتْ: مِن رَاعِى الإِبلِ. فحَمِدَ اللَّهَ، وأَثْنَى عليه. وقال (31): حَدَّثَنا سُفْيانُ (32)، عن أبى الزِّنادِ، عن خَارِجَةَ [بنِ زَيْدٍ](33) أَنَّ زيدَ بنَ ثابِتٍ، كانتْ له جارِيَةٌ فارِسِيَّةٌ، وكان يعْزِلُ عنها، فجاءَتْ بوَلَدٍ، فأعْتَقَ الولدَ، وجلَدَها الحَدَّ، وقال: إنَّما كنْتُ أسْتَطِيبُ (34) نَفَسَكِ، ولا أُريِدُكِ. وفى رِوايَةٍ، قال: مِمَّنْ حَمَلْتِ؟ قالت: مِنْكَ. فقال: كَذَبْتِ، وما وَصَلَ إليكِ منِّى ما يكونُ منه الحَمْلُ، وما أَطَأُكِ، إلَّا أَنِّى (35) أسْتَطِيبُ (34) نَفَسَكِ. وقال
(27) تقدم تخريجه، فى: 10/ 230.
(28)
تقدم تخريجه، فى: 11/ 130.
(29)
فى: باب ما جاء فى أمهات الأولاد، من كتاب الطلاق. السنن 2/ 65، 66.
كما أخرجه عبد الرزاق، فى: باب الرجل يطأ سريته وينتفى من حملها، من كتاب الطلاق. المصنف 7/ 136.
(30)
فى الأصل: "عن".
(31)
فى الباب السابق. السنن 2/ 65.
كما أخرجه عبد الرزاق، فى الباب السابق. المصنف 7/ 135.
(32)
فى م زيادة: "عن حماد". وليس فى السنن.
(33)
سقط من: الأصل، أ، ب.
(34)
فى أ، ب، م:"استطبت".
(35)
فى الأصل: "أن".