الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحُكْمِ، إلَّا (62) الْخُلُوَّ مِن الغَضَبِ وما في معناه، فإنَّ في اشْتراطِه رِوايتيْنِ.
فصل:
وإذا جلسَ الحاكمُ في مجلسِه، فأوَّلُ ما يَنْظُرُ فيه أمرُ المَحْبُوسِينَ؛ لأنَّ الحبسَ عذابٌ، وربَّما كان فيهم مَن لا يَسْتحِقُّ البقاءَ فيه، فيُنْفِذُ إلى حَبْسِ القاضي الذي كانَ قبلَه ثِقَةً، يكْتُبُ اسمَ كلِّ مَحْبُوسٍ، وفيمَ حُبِسَ؟ ولمن حُبِسَ؟ فيحملُه إليه، فيأمرُ مُنادِيًا يُنادِي في البلدِ ثلاثةَ أيامٍ: ألا إنَّ القاضِىَ فُلانَ بنَ فُلانٍ يَنْظرُ في أمْرِ المَحْبوسِين يومَ كذا، فمَن كان له مَحْبُوسٌ فلْيَحْضُرْ. فإذا حضَرَ ذلك اليومُ، وحضرَ الناسُ، تركَ الرِّقاعَ التي فيها اسمُ المَحْبُوسِين بين يدَيْه، ومَدَّ يدَه إليها، فما وقَعَ في يده منها نظرَ إلى اسمِ المَحْبُوسِ، وقال: مَن خَصْمُ فلانٍ المَحْبوسِ. فإذا قالَ خَصْمُه: أنا. بعثَ معه ثِقَةً إلى الحَبْسِ، فأخْرَجَ خَصْمَه، وحضرَ معه مَجْلسَ الحُكْمِ، ويفعلُ ذلك في قَدْرِ ما يعلمُ أنَّه يتَّسِعُ زمانُه للنَّظَرِ فيه في ذلك المجلسِ، ولا يُخْرِجُ غيرَهم، فإذا حضَر المحبوسُ وخَصْمُه، لم يسْألْ خَصْمَه: لمَ حَبَسْتَه؟ لأنَّ الظاهرَ أنَّ الحاكمَ إنَّما حبسَه بحَقٍّ، لكنْ يسْألُ المحبوسَ: بِمَ حُبِستَ؟ ولا يخْلُو جَوابُه من خمسةِ أقسامٍ؛ أحدها، أن يقولَ: حبسَنِي بحقٍّ له حالٍّ، أنا مَلِىءٌ به (63). فيقولَ له الحاكمُ: اقْضِهِ، وإلَّا رَدَدْتُك في الحَبْسِ. الثاني، أنْ يقولَ: له عليَّ دَينٌ، أنا مُعْسِرٌ به. فيَسْألُ خَصْمَه، فإن صدَّقَه، فَلَّسَهُ الحاكمُ وأطْلقَه. وإنْ كذَّبه، نظَرَ في سَبَبِ الدَّيْنِ، فإنْ كانَ شيئًا حصَلَ له به مالٌ، كقَرْضٍ أو شِرَاءٍ، لم يَقْبَلْ قولَه في الإعْسارِ إلَّا ببَيِّنةٍ بأنَّ مالَه تلِفَ أو نَفِدَ، أو ببَيِّنةٍ أنَّه مُعْسِرٌ، فيزُولُ الأصلُ الذي ثبَتَ، ويكونُ القولُ قولَه فيما يدَّعِيهِ عليه من المَالِ. وإنْ لم يثْبُتْ له أصلُ مالٍ، ولم تكُنْ لخَصْمِه بَيِّنَةٌ بذلك، فالقولُ قولُ المحْبُوسِ مع يَمِينِه أَنَّه مُعْسِرٌ؛ لأنَّ الأصلَ الإعْسارُ. وإن شَهِدتْ لخَصْمِه بَيِّنَةٌ بأنَّ له مالًا، لم تُقْبَلْ حتى يُعيَّن (64) ذلك المالُ بما يتميَّزُ به، فإنْ شَهِدتْ عليه البَيِّنَةُ
(62) في الأصل زيادة: "أن".
(63)
في الأصل: "فيه".
(64)
في ب، م:"تعين".
بدارٍ مُعَيَّنَةٍ أو غيرِها، وصدَّقَها، فلا كلامَ، وإن كذَّبها، وقال: ليس هذا لي، وإنَّما هو في يَدى لغَيْرِي. لم يُقْبَلْ إلَّا أن يُقرَّ به إلى واحدٍ بعَيْنِه، فإن كان الذي أقَرَّ له به حاضِرًا، نَظَرْتَ، فإن كذَّبه في إقْرارِه، سقَطَ، وقُضِىَ من المالِ دَيْنُه، وإنْ صدَّقَه نَظَرْتَ، فإن كان له به بَيِّنةٌ، فهو أوْلَى؛ لأنَّ له بَيِّنةً، وصاحبُ اليَدِ يُقِرُّ له به، وإن لم تَكُنْ له بَيِّنَةٌ، فذَكَرَ القاضي أنَّه لا يُقْبَلُ قولُهما، ويُقْضَى الدَّيْنُ منه؛ لأنَّ الْبَيِّنةَ شَهِدتْ لصاحبِ اليدِ بالمِلْكِ، فتَضَمَّنَتْ شَهادتُهما (65) وُجوبَ القضاءِ منه، فإذا لم تُقْبَلْ شَهادتُهما (65) في حقِّ نَفْسِه، قُبلَتْ فيما تضَمَّنَتْه؛ لأنَّه حَقٌّ لغيرِه؛ ولأنَّه مُتَّهَمٌ في إقْرارِه لغيرِه، لأنَّه قد يفْعَلُ ذلك ليُخَلِّصَ مالَه، ويعُودَ إليه، فتَلْحَقُه تُهْمَةٌ، فلم تَبْطُلِ البَيِّنةُ بقَوْلِه. وفيه وَجْهٌ آخَرُ، يثْبُتُ الإقْرارُ، وتَسْقُطُ البَيِّنَةُ؛ لأنَّها تشْهَدُ بالمِلْكِ لمن لا يَدَّعِيهِ ويُنْكِرُه. الجواب الثالث، أن يقولَ: حبسَني لأنَّ البَيِّنَةَ شَهِدتْ عليَّ لخَصْمِي بحَقٍّ ليبْحثَ عن حالِ الشُّهودِ. فهذا يَنْبَنِي على أصلٍ، وهو أنَّ الحاكمَ هل له ذلك أو لَا؟ فيه وَجْهانِ؛ أحدُهما، ليس له ذلك؛ لأنَّ الحَبْسَ عذابٌ، فلا يَتَوَجَّه عليه قبلَ ثُبوتِ الحقِّ عليه. فعلى هذا لا يَرُدُّه إلى الحَبْسِ إن صدَّقَه خَصْمُه في هذا. والثاني، يجوزُ حَبْسُه؛ لأنَّ المُدَّعِيَ قد أقامَ ما عليه، وإنَّما بَقِيَ ما على الحاكمِ من البَحْثِ. ولأصْحابِ الشَّافعيِّ وَجْهانِ كهذَيْن، فعلى هذا الوَجْهِ، يرُدُّه إلى الحَبْسِ حتى يَكْشِفَ عن حالِ شُهودِه. وإن كذَّبه خَصْمُه، وقال: بل قد عَرَفَ الحاكمُ عَدالةَ شُهودِى، وحكَمَ عليه بالحقِّ. فالقولُ قولُه؛ لأنَّ الظَّاهرَ أنَّ حَبْسَه بحَقٍّ. الجوابُ الرابعُ، أنْ (66) يقولَ: حبَسنِى الحاكمُ بثَمَنِ كلبٍ، أو قِيمةِ خمرٍ أرَقتُه لذِمِّيٍّ؛ لأنَّه كان يرى ذلك. فإنْ صدَّقَه خَصْمُه، فذكرَ القاضي أنَّه يُطْلِقُه؛ لأنَّ غُرْمَ هذا ليس بوَاجبٍ. وفيه وَجْهٌ آخَرُ، أنَّ الحاكمَ يُنفِّذُ حكمَ الحاكِم الأوَّلِ؛ لأنَّه ليس له نَقْضُ حُكْمِ غيرِه باجْتهادِه. وفيه وَجْهٌ آخَرُ، أنَّه يتوقَّفُ ويجْتَهِدُ أن يَصْطلِحا على شىءٍ؛ لأنَّه لا يُمْكِنُه
(65) في ب، م:"شهادتها".
(66)
سقط من: الأصل، م.