الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زادَ، لم يَثْبُتِ الحكمُ بهذه الزِّيادَةِ، بدليلِ ما لو مَلَكَها وهى حامِلٌ من زِنًى منه، أو من غيرِه، فوَطِئَها، لم تَصِرْ أُمَّ ولدٍ، وإِنْ زادَ الولدُ به، ولأنَّ حكمَ الاسْتِيلادِ إنَّما يثْبُتُ بالإِجْماعِ لى حقِّ مَن حَمَلَتْ منه فى مِلْكِه، وما عَداهُ ليس فى مَعْناهُ، وليس فيه نَصٌّ، ولا إجْماعٌ، فوجَبَ أَنْ لا يثْبُتَ هذا الحكمُ، ولأَنَّ الأَصْلَ الرِّقُّ، فيَبْقَى على ما كان عليه.
فصل:
قال أحمدُ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، فى مَن اشْتَرَى جارِيَةً حامِلًا مِن غيرِه، فوَطِئَها قبلَ وَضْعِها: فإِنَّ الولدَ لا يَلْحَقُ بالمُشْتَرِى، ولا يَبِيعُه، ولكنْ يَعْتِقُه؛ لأَنَّه قد شَرَكَ فيه؛ لأَنَّ الماءَ يَزِيدُ فى الولدِ. وقد رُوِىَ عن أبى الدَّرْداءِ، عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه مَرَّ بامْرَأَةٍ مُجِحٍّ (10)، على بابِ فُسْطاطٍ، فقال:"لَعَلَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُلِمَّ بِهَا؟ ". قالوا: نَعَم. فقال رسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنًا يَدْخُلُ مَعَهُ فِى قَبْرِهِ، كَيْفَ يَرِثُهُ (11) وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ! أمْ كَيْفَ يَسْتَخْدِمُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ! ". روَاه أبو داودَ (12). يعنى إن اسْتَلْحَقَه وشَركِهِ فى ميراثِه، لم يَحِلَّ له؛ لأَنَّه ليس بولدِه، فإِنَّ اتَّخَذَه مَمْلوكًا يَسْتَخْدِمُه، لم يَحِلَّ له؛ لأَنَّه قد شَرِكَ فيه؛ لكَوْنِ الماءِ يَزِيدُ فى الولدِ.
فصل: وإذا وَطِئَ الرجلُ جارِيةَ ولدِه، فإِن كان قد قَبَضَها، وتَمَلَّكَها (13)، ولم يكُن الولدُ وَطِئَها، ولا تَعَلَّقَت بها حاجَتُه، فقد مَلَكَها الأَبُ بذلك، وصارَتْ جارِيَتَه، والحكمُ فيها كالحُكْمِ فى جارَيَتِه التى مَلَكَها بالشِّراءِ (14). وإِنْ وَطِئَها قبل تَملُّكِها، فقد فعلَ مُحَرَّمًا؛ لأنَّ اللَّه تعالى قال:{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} (15). وهذه ليستْ زَوْجًا له، ولا مِلْكَ يَمِينِه. فإنْ قيلَ: فقد قال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: "أَنْتَ ومَالُكَ لأَبِيكَ"(16).
(10) المجح: هى الحامل المُقْرب التى عظم بطنها.
(11)
فى أ، ب، م:"يرثونه".
(12)
تقدم تخريجه، فى: 11/ 281.
(13)
فى ب: "وملكها".
(14)
فى الأصل: "المشترى".
(15)
سورة المؤمنون 5 - 7.
(16)
تقدم تخريجه، فى: 4/ 309.
فأضافَ مالَ الابنِ إلى أبِيه، بلامِ المِلْكِ والاسْتِحْقاقِ، فيَدُلُّ (17) على أنَّه مِلْكُه. قُلْنا: لى يُرِدِ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم حقيقةَ المِلْكِ، بدليلِ أنَّه أضافَ إليه الولدَ، وليس بمَمْلُوكٍ، وأضافَ إليه مالَهُ فى حالَةِ إضافَتِه إلى الولدِ، ولا يكونُ الشىءُ مَمْلوكًا لمالِكَيْنِ حَقِيقَةً فى حالٍ واحِدَةٍ، وقد يثْبُتُ (18) المِلْكُ لِلْوَلدِ (19) حقيقَةً، بدليلِ حِلِّ وَطْءِ إمائِه، والتَّصَرُّفِ فى مالِه، وصِحَّةِ بَيْعِه وهِبَتِه وعِتْقِه، ولأنَّ الولدَ لو ماتَ لم يَرِثْ منه أبُوه إِلَّا ما قُدِّرَ له، ولو كان مالَه، لاخْتَصَّ به، ولو ماتَ الأَبُ، لم يَرِثْ ورَثتُهُ مالَ ابْنِه، ولا يجبُ على الأبِ حَجٌّ ولا زَكاةٌ ولا جهادٌ بيَسارِ ابنِه، فعُلِمَ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم إنَّما أرادَ التَّجَوُّزَ، بتَشْبيهِه بمالِه فى بعضِ أحْكامِه (20). إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّه لا حَدَّ على الأبِ؛ للشُّبْهَةِ، لأَنَّه إذا لم يَثْبُتْ حقيقةُ المِلْكِ، فلا أقَلَّ من أَنْ يكونَ شُّبْهَةً تَدْرَأُ الحَدَّ، فإِنَّ الحُدودَ تُدْرَأُ بالشُّبُهاتِ، ولكن يُعَزَّرُ، لأَنَّه وَطِئَ جارَيةً لا يَمْلِكُها، وَطْئًا مُحَرَّمًا، فكانَ عليه التَّعْزِيرُ، كوَطْءِ الجارِيَةِ المُشْتَرَكةِ. وفيه وَجْهٌ آخَرُ، لا تَعْزِيرَ (21) عليه؛ لأنَّ مالَ ولدِه كمالِه (22). ولا يصِحُّ؛ لأنَّ مالَهُ مباحٌ له، غيرُ مَلُومٍ عليه، وهذا الوَطْءُ هو عادٍ فيه، مَلُومٌ عليه. وإِنْ عَلِقَتْ منه، فالولدُ حُرٌّ؛ لأَنَّه مِن وَطْءٍ دُرِئَ (23) فيه الحَدُّ لِشُبْهَةِ المِلْكِ، فكان حُرًّا، كولدِ الجارَيِة المُشْترَكَةِ، ولا تَلْزَمُه قِيمَتُه، لأَنَّ الجارِيَةَ تصِيرُ مِلْكًا له بالوَطْءِ، فيَحْصُل عُلوقُها بالولدِ وهى مِلْكٌ له، وتَصِيرُ أُمَّ ولدٍ له، تَعْتِقُ بمَوْتِه، وتنْتَقِلُ إلى مِلْكِه، فيَحِلُّ له وَطْؤُها بعدَ ذلك. وبهذا قال أبو حنيفةَ، والشافِعِىُّ، فى أحَدِ قَوْلَيْه، وقال فى الآخَرِ: لا تَصِيرُ أُمَّ ولدٍ له، ولا يَمْلِكُها؛ لأَنَّه اسْتَوْلَدَها فى غيرِ مِلْكِه، فأشْبَهَ الأجْنَبِىَّ، ولأنَّ ثُبوتَ أحْكامِ الاسْتِيلادِ، إنَّما كان بالإِجْماعِ فيما إذا اسْتَوْلَدَ مَمْلوكَتَه، وهذه ليستْ مَمْلوكَةً له، ولا فى مَعْنَى مَسْلوكَتِه، فإنَّها مُحَرَّمَةٌ عليه، فوجَبَ أَنْ لا يثْبُتَ لها هذا الحكمُ، ولأَنَّ الأَصْلَ
(17) فى م: "فدل".
(18)
فى أ، ب:"ثبت".
(19)
فى الأصل، م:"لولده".
(20)
فى م: "الأحكام".
(21)
فى ب، م:"يحزر".
(22)
فى الأصل، أ:"كولده".
(23)
فى ب، م:"ردىء".