الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أجْلِه، فقال: دَعُوه، فإِنَّ قائلَ هذا الشِّعرِ، كان زوجَها. فأمَّا الشاعرُ، فمتى كان يَهْجُو المسلمين أو يَمْدَحُ بالكَذِبِ، أو يَقْذِفُ مُسلِمًا أو مُسلِمةً، فإنَّ شهادتَه تُرَدُّ، وسواءٌ قَذَفَ المُسلمةَ بنَفسِه أو بغيرِه. وقد قيلَ: أعْظَمُ الناسِ ذَنْبًا، رجلٌ يُهاجِى رَجلًا، فيَهجو القَبيلةَ بأسْرِها. وقد رَوينا أَنَّ أبا دُلامةَ (115) شهِدَ عند قَاضٍ، أظُنُّه ابنَ أبى ليلَى، [ولعلَّ القاضىَ سَوَّارٌ](116)، فخافَ أن يَرُدَّ شهادتَه. فقال:
إنِ النَّاسُ غَطُّونِى تَغطَّيْتُ عنهمُ
…
وإِنْ بَحثُوا عنِّى فَفِيهم مَباحِثُ
فقال القاضى: ومن يَبْحَثُكَ يا أبا دُلامةَ. وغَرِمَ المالَ مِن عندِه، ولم يُظْهِرْ أنَّه رَدَّ شهادتَه.
فصل:
فى قِراءةِ القُرآنِ بالألْحَانِ: أمَّا قراءتُه مِن غيرِ تَلْحِين، فلا بَأْسَ بِه، وإن حسَّنَ صَوْتَه، فهو أفْضَلُ، فإنًّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، قال:["زَيِّنُوا أصْوَاتَكُمْ بِالْقُرْآنِ". ورُوِىَ](117): "زَيِّنُوا القُرْآنَ بأَصْوَاتِكُمْ"(118). وقال: "لَقَدْ أُوتِىَ أَبُو مُوسَى مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاودَ"(119). [ورُوِى أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قال لأبى موسى: "لَقَدْ مَرَرْتُ بِكَ البَارِحَةَ، وَأَنْتَ تَقْرَأُ، وَلَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ](120)". فقال أبو موسى: لو أعلمُ أنَّك تَسْمَعُ، لحَبَّرتُه لك تَحْبيرًا (121). ورُوِىَ أَنَّ عائِشةَ، رَضِىَ اللَّهُ عنها، أبْطأَتْ على النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم ليلةً، فقال: "أَيْنَ كُنْتِ يَا عَائِشَةُ؟ ". فقالتْ: يا رسولَ اللَّهِ، كنتُ أسْتَمِعُ قراءةَ رَجلٍ فى المسجدِ، لم أسْمَعْ أحدًا يَقْرأُ أحْسَنَ مِن قراءَتِه. فقامَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم، فاسْتمَعَ قِراءتَه، ثم قال: "هَذَا سَالِمٌ مَولَى أَبِى حُذَيْفَةَ، الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِى جَعَلَ فِى أُمَّتِى مِثْلَ هَذَا" (121). وقال صالح: قلتُ لأبى: "زَيِّنُوا القُرآنَ بأصْواتِكُمْ". ما مَعناه؟
(115) هو زيد بن الجون، كوفى أسود. كان مولى لبنى أسد، وأدرك آخر أيام بنى أمية، والقصة والبيت فى: عيون الأخبار 1/ 69، الكامل، للمبرد 2/ 45، 46، الأغانى 10/ 238، 239.
(116)
سقط من: م.
(117)
سقط من: الأصل.
(118)
تقدم تخريجه، فى: 2/ 614.
(119)
تقدم تخريجه، فى: 2/ 615.
(120)
سقط من: ب. نقل نظر.
(121)
تقدم تخريجه، فى: 2/ 615.
قال: أن يُحسِّنهَ. وقيل له: ما مَعنَى: "مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بالقُرْآنِ". قال: يَرْفَع صَوْتَه به. وهكذا قال الشَّافعىُّ. وقال اللَّيْثُ: يَتحزَّنُ به، ويَتخشَّعُ به، ويَتَباكَى به. وقال ابنُ عُيَيْنَةَ، وعَمْرُو بنُ الحارِثِ، ووَكِيعٌ: يَستَغْنِى به. فأمَّا القِراءةُ بالتَّلْحينِ، فيُنْظَرُ فيه؛ فإن لم يُفْرِطْ فى التَّمْطيطِ والْمَدِّ وإشْباعِ الحَرَكاتِ، فلا بأْسَ به؛ فإِنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قد قرأَ، ورجَّعَ، ورفَعَ صَوْتَه. قال الرَّاوِى: لولا أَنْ يَجتمعَ النَّاسُ علىَّ، لَحَكَيْتُ لكم قراءَتَه (122). وقال عليه السلام:"لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ"(123). وقال: "مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَىْءٍ كَإِذْنِهِ لِنَبِىٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ، يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ، يَجْهَرُ بِهِ"(123). ومعنى أَذِنَ: اسْتَمَعَ. قال الشاعرُ (124):
* فى سَمَاعٍ يَأْذَنُ الشَّيْخُ له *
وقال القاضى: هو مَكْروهٌ على كلِّ حالٍ. ونحوُه قولُ أبى عُبَيْدٍ، وقال (125) مَعنَى قولِه:"لَيْسَ مِنَّا مَن لَمْ يَتَغَنَّ بالقُرْآنِ". أى: يَسْتغنِى به. قال الشَّاعِرُ:
وَكنتُ امْرَءًا زَمنًا بالعِراقِ
…
عَفيفَ المُناخِ كَثيرَ التَّغنِّى
قال: ولو كانَ من الغِناءِ بالصَّوتِ، لَكانَ مَن لم يُغنِّ بالقُرآنِ ليس من النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم.
(122) أخرجه البخارى، فى: باب أين ركز النبى صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح، من كتاب المغازى، وفى: باب تفسير سورة الفتح، من كتاب التفسير، وفى: باب القراءة على الدابة، وباب الترجيع، من كتاب فضائل القرآن. وفى: باب ذكر النبى صلى الله عليه وسلم وروايته عن ربه، من كتاب التوحيد. صحيح البخارى 5/ 187، 6/ 69، 238، 241، 9/ 192. ومسلم، فى: باب ذكر قراءة النبى صلى الله عليه وسلم سورة الفتح يوم فتح مكة، من كتاب صلاة المسافرين. صحيح مسلم 1/ 547. وأبو داود، فى: باب استحباب الترتيل فى القراءة، من كتاب الوتر. سنن أبى داود 1/ 338. وانظر: تحفة الأشراف 17/ 180، 181. والراوى هو عبد اللَّه بن مغفل المزنى.
(123)
تقدم تخريجه، فى: 2/ 614.
(124)
هو عدى بن زيد، وهذا صدر بيت، عجزه:
* وحديثٍ مثلْ مَاذِىٍّ مُشارٍ *
وهو فى: غريب الحديث 2/ 140، الصحاح 2/ 704، مقاييس اللغة 1/ 76، 3/ 226، 3/ 60، اللسان والتاج (ش ور، أذن).
والماذى المشار: العسل الأبيض المجتنى.
(125)
فى غريب الحديث 2/ 171، 172.
والبيت للأعشى الكبير، وهو فى ديوانه 25.
ورُوِىَ نحوُ هذا التَّفسيرِ عن ابنِ عُيَيْنةَ. وقال القاضى أحمدُ بنُ محمدٍ البِرْتِىُّ (126): هذا قولُ مَن أدرَكْنا مِن أهلِ العلمِ. وقال الوليدُ بنُ مسلمٍ: يَتغنَّى بالقُرآنِ، يَجهرُ به. وقيلَ: يُحسِّنُ صوتَه به (127). والصَّحيحُ أَنَّ هذا القَدْرَ من التَّلْحينِ لا بأسَ به؛ لأَنَّه لو كانَ مَكْروهًا، لم يَفْعَلْه النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم. ولا يَصحُّ حَمْلُه (128) التَّغَنِّىَ فى حديثِ:"مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَىْءٍ، كَإِذْنِه لِنَبىٍّ يَتَغَنَّى (129) بِالْقُرْآنِ". على الاسْتِغْناءِ؛ لأنَّ معنَى أذِنَ: اسْتمَعَ، وإنَّما تُسْتمَعُ القِراءةُ، ثم قال: يَجْهَرُ به. والجَهْرُ صِفَةُ القِراءَةِ، لا صِفةُ الاسْتِغناءِ. فأمَّا إِن أفْرَطَ فى الْمَدِّ والتَّمْطيطِ وإشْباعِ الحَرَكاتِ، بحيثُ يَجْعلُ الضَّمَّةَ واوًا، والفَتْحةَ ألفًا، والكَسرةَ ياءً، كُرِهَ ذلك. ومنِ أصْحابِنا مَن يُحرِّمُه؛ لأَنَّه يُغَيِّرُ القُرآنَ، ويُخرِجُ الكَلماتِ عن وَضْعِها، ويَجْعلُ الحَركاتِ حُروفًا. وقد روينَا عن أبى عبدِ اللَّه، أَنَّ رجلًا سألَه عن ذلك، فقال له: ما اسمُك؟ قال: محمدٌ. قال: أيَسُرُّكَ (130) أَنَّ يُقال لك: يَا مُو حَامَّد؟ . قال: لا. فقال: لا يُعجِبُنى أن يَتعلَّمَ الرَّجلُ الألحانَ، إِلَّا أن يَكونَ جِرْمُه (131) مِثلَ جرْمِ (132) أبى موسى. فقال له رجلٌ: فيُكَلَّمون؟ فقال: لا، كُلْ ذا. واتَّفقَ العُلماءُ على أنَّه تُسْتَحبُّ قِراءةُ القُرآنِ بالتَّحْزينِ والتَّرْتيلِ والتَّحْسينِ. ورَوَى بُرَيْدَةُ قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اقْرَأُوا الْقُرْآنَ بِالْحُزْنِ، فَإِنَّهُ نَزَلَ بِالْحُزْنِ"(133). وقال المَرُّوذِىُّ: سَمِعتُ أَبا عَبدِ اللَّهِ قال لرَجُلِ: لو قَرَأتَ. وجعلَ أبو عبدِ اللَّهِ ربَّما تَغَرْغَرَتْ عَيْنُه. وقال زُهَيْرُ ابنُ حَربٍ: كنَّا عندَ يحيى القطَّانِ، فجاءَ محمدُ بنُ سعيدٍ التِّرْمِذِىُّ، فقال له يحيى:
(126) أبو العباس أحمد بن محمد بن عيسى البرتى الفقيه الحنفى، توفى سنة ثمانين ومائة. الجواهر المضيئة 1/ 301 - 303.
(127)
سقط من: أ.
(128)
فى أ، م زيادة:"على".
(129)
فى الأصل: "يغنى".
(130)
فى الأصل: "أسرك".
(131)
فى أ، ب، م:"حرمه".
(132)
فى أ، ب، م:"حرم".
(133)
عزاه السيوطى إلى الطبرانى فى الأوسط وأبى يعلى، وأبى نصر السجزى فى الإبانة. الجامع الكبير 1/ 134. وانظر الأوسط 3/ 427.