الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللَّهِ، أَنَّ تَدْبِيرَه يَبْطُلُ بالرِّدَّةِ، فإن عادَ إلى الإِسلامِ، اسْتَأْنفَ التَّدْبِيرَ. وقال الشَّافِعىُّ: التَّدْبِيرُ باقٍ، ويَعْتِقُ بمَوْتِ سَيِّدِه؛ لأنَّ تَدْبِيرَه سَبَقَ رِدَّتَه، فهو كبَيْعِه وهِبَتِه قبلَ ارْتِدادِه. وهذا يَنْبَنِى على القَوْلِ فى مالِ (10) المُرْتَدِّ، هل هو باقٍ على مِلْكِه، أو قد زال برِدَّتِه؟ وقد ذُكِرَ فى بابِ المُرْتَدِّ (11). فأمَّا إن دَبَّرَ فى حالِ رِدَّتِه، فتَدْبِيرُه مُرَاعًى، فإن عادَ إلى الإِسْلامِ، تَبَيَّنَّا أَنَّ تَدْبِيرَه وقَعَ صَحِيحًا، وإن قُتِلَ أو مات على رِدَّتِه، تَبَيَّنَّا أنَّه وقَعَ باطِلًا، ولم يَعْتِقِ المُدَبَّرُ. وقال ابنُ أبى موسى: تَدْبِيرُه باطلٌ. وهذا قولُ أبى بكرٍ؛ لأنَّ [المِلْكَ عنده](12) يَزُولُ بالرِّدَّةِ، وإذا أسْلَمَ رُدَّ إليه تَمْلِيكًا (13) مُسْتَأْنَفًا.
1972 - مسألة؛ قال: (وَمَا ولَدَتِ الْمُدبَّرَةُ بَعْدَ تَدْبِيرِهَا، فَوَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا)
وجملتُه أَنَّ الولَدَ الحادِثَ من المُدَبَّرةِ بعدَ تَدْبِيرِها، لا يَخْلُو من حالَيْنِ؛ أحدهما، أن يكونَ مَوْجودًا حالَ تَدْبِيرِها، ويُعْلَمُ ذلك بأن تَأْتِىَ به لأقَلَّ مِن سِتَّةِ أشْهُرٍ مِن حينِ التَّدْبِيرِ، فهذا يَدْخُلُ معها فى التَّدْبِيرِ. بلا خِلافٍ نَعْلَمُه؛ لأَنَّه بمَنْزلةِ عُضْوٍ من أعْضائِها. فإنْ بَطَلَ التَّدْبِيرُ فى الأُمِّ؛ لبَيْعٍ، أو مَوْتٍ، أو رُجُوعٍ بالقولِ، لم يَبْطُلْ فى الولَدِ؛ لأَنَّه ثَبَتَ فيه أصْلًا. الحال الثانى، أَنْ تَحْمِلَ به بعدَ التَّدْبِيرِ، فهذا يَتْبَعُ أُمَّه فى التَّدْبِيرِ، ويكونُ حُكْمُه كحُكْمِها فى العِتْقِ بمَوْتِ سَيِّدِها. فى قَوْلِ أكثرِ أهلِ العلمِ، رُوِىَ ذلك عن ابنِ مسعودٍ (1)، وابنِ عمرَ. وبه قال سعيدُ بن المُسَيَّبِ، والحسنُ، والقاسمُ، ومُجاهِدٌ، والشَّعْبِىُّ، والنَّخَعِىُّ، وعمرُ بن عبدِ العزيزِ، والزُّهْرِىُّ، ومالِكٌ، والثَّوْرِىُّ، والحسنُ بن صالحٍ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. وذكَر القاضى، أَنَّ حَنْبَلًا نَقَلَ عن أحمدَ، أَنَّ ولَدَ المُدَبَّرةِ عبدٌ، إذا لم يَشْتَرِطِ (2) المَوْلَى. قال: فظاهِرُ هذا أنَّه لا يَتْبَعُها، ولا يَعْتِقُ بمَوْتِ سَيِّدِها. وهذا قولُ جابرِ بن زيدٍ، وعَطاءٍ. وللشَّافِعىِّ قَوْلان، كالمذْهَبَيْنِ؛ أحدُهما، لا يَتْبَعُها.
(10) فى الأصل، ب:"ملك".
(11)
تقدم فى: 12/ 274.
(12)
فى أ: "المال".
(13)
فى ب، م:"تملكا".
(1)
أخرجه ابن أبى شيبة، فى: باب فى ولد المدبرة من قال: هم بمنزلتها، من كتاب البيوع والأقضية. المصنف 6/ 165.
(2)
فى ب، م:"يشرط".
وهو اخْتِيارُ المُزنِىِّ؛ لأنَّ عِتْقَها مُعَلَّقٌ بصِفَةٍ، تَثْبُتُ بقَوْلِ المُعْتِقِ وحدَه، فأشْبَهَتْ مَنْ عُلِّقَ عِتْقُها بدُخولِ الدارِ. قال جابرُ بن زيدٍ: إنَّما هو بمَنْزِلةِ الحائطِ تَصَدَّقْتَ به إذا مِتَّ، فإِنَّ ثمَرَتَه لكَ ما عِشْتَ. ولأنَّ التَّدْبِيرَ (3) وَصِيَّةٌ، ووَلَدُ المُوصَى بها قبلَ الموتِ لسَيِّدِها. ولَنا، ما رُوِىَ عن عمرَ، وابنِ عمرَ، وجابرٍ (4)، أنَّهم قالوا: ولَدُ المُدَبَّرةِ بمَنْزِلَتِها. ولم نَعْرِفْ لهم فى الصحابةِ مُخالِفًا، فكان إجْماعًا، ولأنَّ الأُمَّ اسْتَحَقَّتِ الحُرِّيَّةَ بمَوْتِ سَيِّدِها، فيَتْبَعُها ولَدُها، كأُمِّ الوَلَدِ، ويُفارقُ التَّعْلِيقَ بصِفَةٍ فى الحياةِ، والوَصِيَّةَ، من جهَةِ أَنَّ التَّدْبِيرَ آكَدُ من كلِّ واحدٍ منهما؛ لأَنَّه اجْتَمَعَ فيه الأمْرانِ، وما وُجِدَ فيه سَبَبَان آكَدُ ممَّا وُجِدَ فيه أحَدُهما، وكذلك لا تَبْطُلُ بالمَوْتِ، ولا بالرُّجُوعِ عنه. فعلى هذا، إن بَطَلَ التَّدْبِيرُ فى الأُمِّ لمعنًى اخْتَصَّ بها؛ من بَيْعٍ، أو مَوْتٍ، أو رُجُوعٍ، لم يَبْطُلْ فى ولَدِها، ويَعْتِقُ بمَوْتِ سَيِّدِها، كما لو كانت أمُّه باقِيَةً على التَّدْبِيرِ، فإن لم يَتَّسِعِ الثُّلثُ لهما جميعًا، أُقْرِعَ بينهما، فأيُّهما وقَعَتِ القُرْعةُ عليه، عَتَقَ إن احْتَمَلَه الثُّلثُ، وإلَّا عَتَقَ منه بقَدْرِ الثُّلثِ. وإن فَضَلَ من الثُّلثِ بعَد عِتْقِه شىءٌ، كُمِّلَ من الآخَرِ؛ كما لو دَبَّرَ عَبْدًا وأمَةً معًا. وأمَّا الولَدُ الذى وُجدَ قبلَ التَّدْبِيرِ، فلا نَعْلَمُ خِلافًا فى أنَّه لا يَتْبَعُها؛ لأَنَّه لا يَتْبَعْ (5) فى العِتْقِ المُنْجَزِ، ولا فى حُكْمِ الاسْتِيلادِ، ولا فى الكِتابةِ، فلَأنْ لا يَتْبَعَ فى التَّدْبِيرِ أَوْلَى. قال الْمَيْمُونِىُّ: قلتُ لأحمدَ: ما كان من ولَدِ المُدَبَّرةِ قبلَ أن تُدَبَّرَ، يَتْبَعُها؟ قال: لا يَتْبَعُها من ولَدِها ماكان قبلَ ذلك، إنَّما يَتْبَعُها ما كان بعدَ ما دُبِّرَتْ. وقال حَنْبَلٌ: سَمِعْتُ عَمِّى يقولُ، فى الرَّجُلِ يُدَبِّرُ الجارِيةَ ولها ولَدٌ، قال: ولَدُها معها. وجَعَلَ أبو الخَطَّابِ هذه رِوَايةً، فى أَنَّ ولَدَها قبلَ التَّدْبِيرِ يَتْبَعُها. وهذا بعيدٌ، والظَّاهرُ أَنَّ أحمدَ لم يُرِدْ أَنَّ ولَدَها قبلَ التَّدْبِيرِ معَها، وإنَّما أراد ولَدَها بعدَ التَّدْبِيرِ، على ما صَرَّحَ به فى غيرِ هذه الرِّوايةِ؛ فإِنَّ ولَدَها المَوْجُودَ لا يَتْبَعُها فى عِتْقٍ، ولا كِتابةٍ، ولا اسْتيلادٍ، ولا بَيْعٍ، ولا هِبةٍ، ولا رَهْنٍ، ولا شىءٍ من الأسْبابِ النَّاقلةِ للمِلْكِ فى الرَّقَبةِ.
(3) سقط من: الأصل.
(4)
أخرجه عن جابر وابن عمر، البيهقى، فى: باب ما جاء فى ولد المدبرة. . .، من كتاب المدبر. السنن الكبرى 10/ 315. وعن ابن عمر، عبد الرزاق، فى: باب أولاد المدبرة، من كتاب المدبر. المصنف 9/ 144.
(5)
فى ب: "يعتق".