الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يكونَ له نُظَراءُ. وحُكِىَ عن عثمانَ، أنَّه قال: وَدَّتِ الزَّانيةُ أَنَّ النساءَ كلَّهنَّ زَنَيْنَ. ولَنا، عمومُ الآياتِ، أنَّه عَدْلٌ مَقْبولُ الشَّهادةِ فى غيرِ الزِّنَى، فيُقْبَلُ (1) فى الزِّنَى كغيرِه، ومَن قُبلَتْ شهادتُه فى القَتْلِ، قُبلَتْ فى الزِّنَى، كوَلدِ الرِّشْدةِ (2). قال ابنُ المُنْذِرِ: وما احْتجُّوا به غَلَطٌ من وُجوهٍ؛ أحدِها، أَنَّ ولَدَ الزنَى لم يَفْعَلْ فِعْلًا قَبيحًا، يُحِبُّ أن يكونَ له نُظَراءُ فيه. والثانى، أنَّنِى لا أعْلَمُ ما ذُكر عن عثمانَ ثابتا عنه، وأشْبَهُ ذلك أن لا يكونَ ثابتًا عنه (3) وغيرُ جائزٍ أن يُطْلِقَ عثمانُ كَلامًا بالظَّنِّ عن ضَميرِ امرأةٍ لم يَسْمَعْها تَذْكرُه. الثالث، أنَّ الزَّانِىَ لو تابَ، لَقُبِلَتْ شهادتُه، وهو الذى فَعَلَ الفِعْلَ القبيحَ، فإذا قُبلَتْ شَهادتُه مع ما ذَكَروه، فغيرُه أوْلَى؛ فإنَّه لا يجوزُ أن يَلْزمَ ولدَه من وِزْرِه [أكثرُ مما لَزِمَه، ولا (4) يَتعدَّى الحُكْمُ إلى غيرِه مِن غيرِ أن يَثْبُت فيه، مع أَنَّ ولدَه لا يَلْزَمُه شىءٌ من وِزْرِه](5)؛ لقولِ اللَّهِ تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (6). ووَلَدُ الزِّنَى لم يَفْعَلْ شيئًا يَسْتَوْجِبُ به حُكْمًا.
1902 - مسألة؛ قال: (وَإِذَا تَابَ الْقَاذِفُ، قُبِلَتْ شَهَادَتهُ)
وجملتُه أنَّ القَاذِفَ إِنْ كان زَوْجًا، فحقَّقَ قَذْفَه ببيِّنةٍ أو لِعانٍ، أو كان أجْنَبِيًّا، فحقَّقَه بالبَيِّنةِ أو بإقْرارِ المقْذوفِ، لم يَتعلَّقْ بقَذْفِه فِسْقٌ، ولا حَدٌّ، ولا رَدُّ شَهادَةٍ، وإن لم يُحقِّقْ (1) قَذْفَه بشىءٍ من ذلك، تَعلَّقَ به وُجوبُ الحَدِّ عليه، والحُكمُ بفِسْقِه، وردِّ شَهادتِه؛ لقولِ اللَّهِ تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (2). فإن تابَ، لم يَسْقُطْ عنه الحَدُّ، وزَالَ الفِسْقُ، بلا خِلافٍ. وتُقْبَلُ شَهادتُه عندَنا. ورُوِىَ
(1) فى الأصل، م:"فقبل".
(2)
فى م: "الرشيدة".
(3)
سقط من: أ، ب.
(4)
فى م: "وما".
(5)
سقط من: ب. نقل نظر.
(6)
سورة الإسراء 15.
(1)
فى أ: "يتحقق".
(2)
سورة النور 4.
ذلك عن عُمرَ، وأبى الدَّرْداءِ، وابنِ عباس (3). وبه قال عَطاءٌ، وطَاوسٌ، ومُجاهدٌ، والشَّعْبىُّ، والزُّهْرىُّ، وعبدُ اللَّهِ بنُ عُتبةَ، وجَعفرُ بنُ أبى ثابتٍ، وأبو الزِّنادِ، ومالكٌ، والشَّافِعىُّ، والبَتِّىُّ، وإسْحاقُ، وأبو عُبَيْدٍ، وابنُ المُنْذِرِ. وذكرَه ابنُ عبدِ البَرِّ، عن يحيى ابنِ سعيدٍ، ورَبيعةَ. وقالَ شُرَيحٌ، والحَسنُ، والنَّخَعىُّ، وسَعيدُ بنُ جُبَيْرٍ، والثَّوْرِىُّ، وأصْحابُ الرَّأْىِ: لا تُقْبَلُ شَهادتُه إذا جُلِدَ، وإن تابَ. وعند أبى حنيفةَ، لا تُرَدُّ شَهادتُه قبلَ الجَلْدِ، وإن لم يَتُبْ. فالخِلافُ معه فى فَصلَيْنِ، أحدِهما، أنَّه عندَنا تَسْقُطُ شَهادتُه بالقَذْفِ [إذا لم يُحَقِّقْه](4)، وعندَ أبى حنيفةَ ومالكٌ، لا تَسْقُطُ إِلَّا بالجَلْدِ. والثانى، أنَّه إذا تابَ، قُبِلَتْ شهادتُه وإن جُلِدَ. وعندَ أبى حنيفةَ، لا تُقْبَلُ. وتعلَّقَ بقولِ اللَّهِ تعالى:{وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} . ورَوَى ابنُ ماجَه (5)، بإسْنادِه عن عَمرِو بنِ شُعيبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه، قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ، وَلَا مَحْدُودٍ فِى الإِسْلَامِ". واحْتَجَّ فى الفصِل الآخَرِ بأنَّ القَذْفَ قبلَ حُصولِ الجَلْدَ يجوزُ أن تقومَ به البَيِّنَةُ، فلا يَجبُ به التَّفْسِيقُ. ولَنا، فى الفصل الأوَّلِ، إجْماعُ الصَّحابةِ، رَضِىَ اللَّهُ عنهم، فإنَّه يُرْوى عن عمرَ، رضِىَ اللَّه عنه، أنَّه كان يقولُ لأبى بَكْرةَ، حين شَهِدَ على المُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ: تُبْ، أقْبَلْ شَهادتَك (6). ولم يُنكِرْ ذلك مُنكِر، فكان إجْماعًا. قال سَعيدُ بنُ المُسَيَّبِ: شَهِدَ على المُغيرةِ ثَلاثةُ رجالٍ؛ أبو بَكرةَ، ونافِعُ بنُ الحارثِ، وشِبْلُ بنُ مَعْبَدٍ، ونكَلَ زيادٌ، فجلدَ عُمرُ الثَّلاثةَ، وقال لهم: تُوبوا، تُقْبَلْ شَهادتُكم. فتَابَ رجلان، وقَبِلَ عُمرُ شهادتَهما، وأبى أبو بَكرةَ، فلم يَقْبَلْ شهادتَه (6). وكان قد عادَ مثلَ النَّصْلِ مِن العِبادةِ. ولأنَّه تابَ من ذَنْبِه، فقُبِلَتْ شَهادتُه، كالتَّائبِ من الزِّنَى، يُحَقِّقُه أَنَّ الزِّنَى أعْظمُ من القَذْفِ به (7)، وكذلك قَتْلُ النَّفسِ التى حرَّمَ اللَّهُ، وسائرُ الذُّنوبِ، إذا تابَ فاعلُها، قُبلَتْ شهادتُه، فهذا أوْلَى. وأمَّا الآيةُ، فهى حُجَّةٌ لنا، فإنَّه اسْتثنَى التَّائبين،
(3) أخرجه عنهم البيهقى، فى: باب شهادة القاذف، من كتاب الشهادات. السنن الكبرى 10/ 152 - 154.
(4)
فى ب: "وإن جلد".
(5)
تقدم تخريجه، فى: صفحة 151.
(6)
أخرجه البيهقى، فى: باب شهادة القاذف، من كتاب الشهادات. السنن الكبرى 10/ 152. وعبد الرزاق، فى: باب شهادة القاذف، من كتاب الشهادات. المصنف 8/ 362.
(7)
سقط من: ب.
بقولِه تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} (8). والاسْتِثْناءُ من النَّفِى إثْباتٌ، فيكونُ تَقْديرُه:{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} فاقْبَلوا شَهادتَهم، ولَيسوا بفاسِقينَ. فإن قال (9): إنَّما يَعودُ الاسْتِثْناءُ إلى الجُملةِ التى تَلِيه؛ بدليلِ أنَّه لا يَعودُ إلى الجَلْدِ. قُلْنا: بل يعودُ إليه أيضًا؛ لأنَّ هذه الجُمَلَ مَعطوفٌ بعضُها على بعضٍ بالواوِ، وهى للجَمْعِ تَجْعَلُ الجُمَل كلَّها كالجُملةِ الواحدةِ، فيعودُ الاسْتِثْناءُ إلى جميعِها، إِلَّا ما مَنَعَ منه مانِعٌ، ولهذا لمَّا قال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم:"لا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ (10) فِى بَيْتِهِ، وَلَا يَجْلِسُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلَّا بإِذْنِهِ"(11). [عادَ الاسْتِثْناءُ إلى الجُملتيْنِ جميعًا، ولأن الاسْتِثْناءَ يُغايِرُ ما قبلَه، فعادَ إلى الجُمَلِ المعطوفِ](12) بعضُها على بعضٍ بالواوِ، كالشَّرطِ، فإنَّه لو قال: امرأتُه طالقٌ، وعبدُه (13) حُرٌّ، إِنْ لم يَقُمْ. عادَ الشرطُ إليهما، كذا الاسْتثناءُ، بل عَوْدُ الاسْتِثْناءِ إلى رَدِّ الشَّهادةِ أوْلَى؛ لأنَّ رَدَّ الشَّهادةِ هو المأمورُ به، فيكونُ هو الحُكْمَ، والتَّفْسِيقُ خَرَجَ مَخْرَجَ الخَبرِ والتَّعْليلِ لردِّ الشَّهادةِ، فعَودُ الاسْتِثْناءِ إلى الحُكْمِ المقصودِ، أوْلَى. مِن رَدِّه إلى التَّعليلٍ، وحديثُهم ضَعِيفٌ، يَرْوِيه الحجَّاجُ بنُ أَرْطاة، وهو ضَعيفٌ. قال ابنُ عبدِ الْبَرِّ: لم يَرْفعْه مَن فى (14) رِوايتهِ حُجَّةٌ. وقد رُوىَ من غيرِ طريقه، ولم تُذْكَرْ فيه هذه الزِّيادةُ فدلَّ ذلك على أنَّها من غلَطِه، ويَدُلُّ على خَطأِهِ قَبولُ شَهادةِ كلِّ مَحْدودٍ فى غيرِ القَذفِ بعدَ تَوْبتِه، ثم لو قُدِّرَ صِحَّتُه، فالمُرادُ به مَن لم يَتُبْ، بدليلِ: كلُّ مَحدودٍ تائبٌ سِوَى هذا. وأما الفصل الثانى فدَليلُنا فيه الآيةُ، فإنَّه رَتَّبَ على رَمْىِ المُحْصَناتِ ثَلاثةَ أشياءَ؛ إيجابُ الجَلْدِ، ورَدُّ الشَّهادةِ، والفِسْقُ، فيَجبُ أن يَثْبُتَ رَدُّ الشَّهادةِ بوُجودِ الرَّمْى الذى لم يُمْكِنْه تَحْقيقُه، كالجَلْدِ؛ ولأن الرَّمْىَ هو المعصيةُ، والذَّنْبُ الذى يَسْتحِقُّ به العقوبةَ، وتثبُتُ به المَعْصِيةُ الموجِبَةُ لردِّ الشَّهادةِ، والحدُّ كفَّارةٌ وتطْهيرٌ، فلا يجوزُ تعْليقُ رَدِّ الشهادةِ به، وإنَّما الجَلْدُ
(8) سورة النور 5.
(9)
فى الأصل، م:"قالوا".
(10)
سقط من: أ. على أنه: "لا يُؤمَّنَّ الرجلُ".
(11)
تقدم تخريجه، فى: 3/ 42.
(12)
سقط من: أ.
(13)
فى ب: "أو عبده".
(14)
سقط من: م.