الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
ولا تدخلُ اليَمينَ النِّيابةُ، ولا يَحْلِفُ أحدٌ عن غيرِه، فلو كان المُدَّعَى عليه صغيرًا أو مَجنونًا، لم يُحْلَفْ عنه، ووُقِفَ الأمرُ حتى يَبلُغ الصَّبِىُّ ويَعْمِلَ المجنونُ، ولم يَحْلِفْ عنه وَليُّه. ولو ادَّعَى الأبُ لابنِه الصَّغيرِ حقًّا، أو ادَّعاه الوَصِىَّ أو الأمِينُ له، فأنْكَرَ المُدَّعَى عليه، فالقولُ قولُه مع يَمينِه، فإن نَكَلَ قُضِىَ عليه. ومَن لم يَرَ القضاءَ بالنُّكولِ، ورأَىَ رَدَّ اليَمِينِ على المُدَّعِى، لم يُحْلِفِ الوَلِىَّ (32) عنهما، ولكن تَقِفُ اليَمِينُ، ويكْتُبُ الحاكمُ مَحْضرًا بنُكولِ المُدَّعَى عليه. وإن ادَّعَى على العبدِ دَعْوَى، نَظَرْتَ؛ فإن كانَتْ ممَّا يُقْبَلُ قَولُ العَبدِ فيها على نَفسِه، كالقِصاصِ، والطَّلاقِ، والقَذْفِ، فالخُصومةُ معه دونَ سيِّدِه. فإن قُلْنا: إِنَّ اليَمِينَ تُشْرَعُ فى هذا. حَلَفَ (33) العبدُ دون سيِّده، وإن نكَلَ لم يَحْلِفْ غيرُه، وإن كانَ ممَّا لا يُقْبَلُ قولُ العَبدِ فيه، كإتْلافِ مالٍ، أو جِنَايةٍ تُوجبُ المالَ، فالخَصْمُ السَّيِّدُ، واليَمِينُ عليه، ولا يَحْلِفُ العبدُ فيها بحالٍ.
فصل: وإذا نَكَلَ مَن توجَّهتْ عليه اليَمينُ عنها، وقال: لى بَيِّنَةٌ أُقِيمُها، أو حِسابٌ أسْتثْبِتُه، لأَحلِفَ على ما أتيَقَّنُ. فذكرَ أبو الخَطَّابِ، أنَّه لا يُمْهَلُ، وإِنْ لم يَحْلِفْ، جُعِلَ ناكِلًا. وقيل: لا يكونُ ذلك نُكولًا، ويُمْهَلُ مُدَّةً قريبةً. وإن قال: ما أُريدُ أن أحْلِفَ. أو سَكَتَ، فلم يَذَكُرْ شيئًا، نظرْنا فى المُدَّعَى؛ فإن كان مالًا، أو المقصودُ منه المالَ، قُضِىَ عليه بنُكولِه، ولم تُرَدَّ اليَمِينُ على المُدَّعِى. نَصَّ عليه أحمدُ، فقال: أنا لا أرَى رَدَّ اليَمِينِ، إِنْ حلَفَ المُدَّعَى عليه، وإلَّا دَفَعَ إليه حَقَّه. وبهذا قال أبو حنيفةَ. واخْتارَ أبو الخَطَّابِ، أَنَّ له رَدَّ اليَمِينِ على المُدَّعِى، إِنْ رَدَّها حلَفَ المُدَّعِى، وحُكِمَ له بما ادَّعاه. قال: وقد صوَّبه أحمدُ، فقال: ما هو ببعيدٍ، يَحْلِفُ ويَسْتَحِقُّ (34). وقال: هو قولُ أهلِ المدينةِ، رُوِىَ ذلك عن علىٍّ، رَضِىَ اللَّهُ عنه. وبه قال شُرَيْحٌ، والشَّعْبِىُّ، والنَّخَعىُّ، وابنُ سِيرينَ، ومالك فى المالِ خاصَّةً. وقالَه (35) الشَّافعىُّ فى جميعِ
(32) سقط من: أ.
(33)
فى ب، م:"أحلف".
(34)
سقطت الواو من: الأصل، أ.
(35)
فى الأصل، أ:"وقال".
الدَّعاوَى؛ لما رُوِىَ عن نافعٍ، عن ابنِ عُمرَ، أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم رَدَّ اليَمِينَ على طالبِ الحَقِّ. روَاه الدَّارَقُطْنِىُّ (36)، ولأنَّه إذا نَكَلَ ظهرَ صِدْقُ المُدَّعِى، وقَوِىَ جانِبُه، فتُشْرَعُ اليَمِينُ فى حَقِّه، كالمُدَّعَى عليه قبلَ نُكولِه، وكالمُدَّعِى إذا شهِدَ له شاهدٌ واحدٌ، ولأنَّ النُّكوَل قد يكونُ لجَهلهِ بالحالِ، وتَورُّعِه عن الحَلِفِ على ما لا يتحقَّقُه، أو للخَوْفِ من عاقبةِ اليَمِينِ، أو تَرَفُّعًا عنها، مع عِلْمِه بصِدْقِه فى إنْكارِه، ولا يَتعيَّنُ بنُكولِه صِدْقُ المُدَّعِى، فلا يجوزُ الحُكْمُ له مِن غيرِ دَليلٍ، فإذا حلَفَ كانتْ يَمِينُه دليلًا عندَ عَدَمِ ما هو أقْوَى منها، كما فى مَوْضعِ الوِفاقِ. وقال ابنُ أبى ليلَى: لا أدَعُه حتى يُقِرَّ أو يَحْلِفَ. ولَنا، قولُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم:"وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى (37) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ"(38). فحصَرَها فى جانِبِ المُدَّعَى عليه. وقولُه: "الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِى، وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ"(38). [فجعلَ جِنْسَ اليَمِينِ فى جَنَبةِ المُدَّعَى عليه](39)، كما جعلَ جِنْسَ البَيِّنةِ فى جَنَبةِ المُدَّعِى. وقال أحَمدُ: قدِمَ ابنُ عمرَ إلى عُثمانَ فى عبدٍ له، فقال له: احْلِفْ أنَّك ما بِعْتَه وبه عَيْبٌ عَلِمْته. فأبَى ابنُ عمرَ أن يَحْلِفَ، فرَدَّ العبدَ عليه، ولم يَرُدَّ اليَمِينَ على المُدَّعِى. ولأنَّها بَيِّنَةٌ فى المالِ، فحُكِمَ فيها بالنُّكولِ، كما لو ماتَ مَن لا وارثَ له، فوجدَ الإِمامُ فى دَفْتَرِه دَيْنًا له على إنسانٍ، فطالَبَه به، فأنْكرَه، وطلبَ منه اليَمِينَ، فأنْكَرَه، فإنَّه لا خلافَ أَنَّ اليَمِينَ لا تُرَدُّ. وقد ذكرَ أصْحابُ الشَّافعىِّ فى هذا، أنَّه يُقْضَى بالنُّكولِ، فى أحَدِ الوَجْهيْنِ، وفى الآخَرِ، يُحْبَسُ المُدَّعَى عليه، حتى يُقِرَّ، أو يَحْلِفَ. وكذلك لو ادَّعَى رجلٌ على ميِّتٍ أنَّه وَصَّى إليه بتَفْريقِ ثُلثِه، وأنْكرَ الورثةُ، ونَكَلُوا عن اليَمِينِ، قُضِىَ عليهم. والخبرُ لا تُعْرَفُ صِحَّتُه، ومُخالَفةُ ابنِ عمرَ له فى القصَّةِ التى ذكرْناها، تدُلُّ على ضَعْفِه، فإنَّه لم يَرُدَّ اليَمِينَ على المُدَّعِى، ولا ردَّها عثمانُ. فعلى هذا، إذا نكَلَ عن اليَمِينِ، قال له الحاكمُ: إن
(36) فى: كتاب فى الأقضية والأحكام. سنن الدارقطنى 4/ 213.
كما أخرجه الحاكم فى: كتاب الأحكام. المستدرك 4/ 100. والبيهقى، فى: باب النكول ورد اليمين، من كتاب الشهادات. السنن الكبرى 10/ 184.
(37)
فى ب، م زيادة:"جانب".
(38)
تقدم تخريجه، فى: 6/ 587.
(39)
سقط من: أ. نقل نظر.