الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإنما وَصَّى له بالمالَ الذى عليه. وإن عَجَزَ، ورُدَّ فى الرِّفِّ، عاد عَبْدًا للوَرَثةِ، وما قَبَضَه (9) المُوصَى له من المالِ، فهو له؛ لأَنَّه قَبَضَه بحُكْمِ الوَصِيَّةِ الصَّحيحةِ، والأمْرُ فى تَعْجِيزِه إلى الوَرَثةِ؛ لأنَّ الحَقَّ ثَبَتَ (10) لهم بتَعْجِيزِه، ويَصِيرُ العبدُ لهم، فكانت الخِيَرَةُ فى ذلك إليهم. وأمَّا المُوصَى له، فإِنَّ حَقَّه ووَصِيَّتَه تَبْطُلُ بتَعْجِيزِه، فلم يَكُنْ له فى ذلك حَقٌّ. وإن وَصَّى بمالِ الكِتابةِ للمَساكِينِ، ووَصَّى إلى رجلٍ بقَبْضِه وتَفْرِيقِه بينَهم، صَحَّ. ومتى سَلَّمَ المالَ إلى الوَصِىِّ (11)، بَرِئَ، وعَتَقَ. وإن أبْرَأهُ منه لم يَبْرَأْ؛ لأنَّ الحَقَّ لغيرِه. وإن دَفَعَه المُكاتَبُ إلى المَساكِينِ، لم يَبْرَأْ منه، ولم يَعْتِقْ؛ لأنَّ التَّعْيِينَ إلى الوَصِىِّ دُونَه. وإِنْ وَصَّى بِدَفْعِ المالِ إلى غُرَمائِه، تَعَيَّنَ القَضَاءُ منه، كما لو وَصَّى به عَطِيّةً له. فإن كان إنَّما وَصّى (12) بقَضَاءِ دُيُونِه مُطْلَقًا، كان على المُكاتَبِ أن يَجْمعَ بينَ الوَرَثةِ والوَصِىِّ بقَضَاءِ الدَّيْنِ، ويَدْفَعَه إليهم بحَضْرَتِه؛ لأنَّ المالَ للوَرَثةِ، ولهم أَنْ يَقْضُوا الدَّيْنَ منه ومِن غيرِه، وللوَصِىِّ (13) فى قَضَاءِ الدَّيْنِ حَقٌّ فيه؛ لأنَّ له (14) مَنْعَهم من التَّصَرُفِ فى التَّرِكَةِ قبلَ قَضاءِ الدَّيْنِ.
فصل:
إذا مات رجلٌ، وخَلَّفَ ابْنَيْنِ وعَبْدًا، فادَّعَى العبدُ أَنَّ سَيِّدَه كاتَبَه، فصَدَّقَاه، ثَبَتَتِ الكِتابةُ؛ لأنَّ الحَقَّ لهما. وإن أنْكَرَاهُ، وكانت له بَيِّنَةٌ بدَعْواهُ، ثَبَتَتِ الكِتابةُ، وعَتَقَ بالأدَاءِ إليهما. وإن عَجَزَ، فلهما رَدُّه إلى الرِّقِّ. وإِنْ لم يُعَجِّزَاه، وصَبَرَا عليه، لم يَمْلِكِ الفَسْخَ. وإن عَجَّزَه أحَدُهما، وأُبى الآخَر تَعْجِيزَه، بَقِىَ نِصْفُه على الكِتابةِ، وعاد نِصْفُه الآخَرُ رَقِيقًا. وإن لم تكُنْ له بَيِّنَةٌ، فالقولُ قولُهما مع أَيْمانِهِما؛ لأنَّ الأصْلَ بَقَاءُ الرِّقِّ، وعَدَمُ الكِتابةِ، وتكونُ أَيْمانُهما (15) على نَفْىِ العِلْمِ، فيَحْلِفانِ باللَّهِ
(9) فى م زيادة: "الوصى".
(10)
فى أ، ب:"يثبت".
(11)
فى ب: "الموصى".
(12)
فى م: "أوصى".
(13)
فى ب: "والموصى".
(14)
فى ب، م:"لهم".
(15)
فى م: "أيمانهم".
أنَّهما لا يَعْلَمانِ أَنَّ أباهُما كاتَبَه؛ لأنَّها يَمِينٌ على نَفْىِ فِعْلِ الغيرِ، فإن حَلَفَا، ثَبَتَ رِقُّه، وإن نَكَلَا، قُضِىَ عليهما، أو رُدَّتِ اليَمِينُ (16)، على قولِ مَنْ قَضَى برَدِّها، فيَحْلِفُ العبدُ، وتَثْبُتُ الكِتابةُ. وإن حَلَفَ أحدُهما، ونَكَلَ الآخرُ، قُضِىَ برِقِّ نِصْفِه، وكِتابةِ نِصْفِه. وإن صَدَّقَه أحَدُهما، وكذَّبَه الآخَرُ، ثَبَتتِ الكِتابةُ فى نِصْفِه، وعليه البَيِّنَةُ فى نِصْفِه الآخَرِ. فإن لم تكُنْ له بَيِّنَةٌ، وحَلَفَ المُنْكِرُ، صار نِصْفُه مُكاتَبًا، ونِصْفُه رَقِيقًا قِنًّا. فإن شَهِدَ المُقِرُّ على أخِيه، قُبِلَتْ شَهادَتُه؛ لأَنَّه لا يَجُرُّ بها إلى نَفْسِه نَفْعًا، ولا يَدْفَعُ بها ضرَرًا. فإن كان معَه شاهدٌ آخَرُ، كَمَلَتِ الشَّهادةُ، وثَبَتَتِ الكِتابةُ فى جَمِيعه. وإن لم يَشْهَدْ معَه غيرُه، فهل يَحْلِفُ العبدُ معَه؟ على رِوَايتَيْنِ. وإن لم يَكُنْ عَدْلًا، أو لم يَحْلِفِ العبدُ معَه، وحَلَفَ المُنْكِرُ، كان نِصْفُه مُكاتَبًا، ونِصْفُه رَقِيقًا، ويكونُ كَسْبُه بينَه وبينَ المُنْكِرِ نِصْفَيْنِ، ونَفَقَتُه من كَسْبِه؛ لأنَّها على نَفْسِه، وعلى مالِكِ نِصْفِه، فإنْ لم يَكُنْ له كَسْبٌ، كان على المُنْكِرِ نِصْفُ نَفَقَتِه، ثم إن اتَّفَقَ هو ومالِكُ نِصْفِه على المُهايأَةِ، مُعاوَمةً أو مُشَاهَرَةً، أو كيفَما كان، جاز. وإن طَلَبَ ذلك أحَدُهما، وامْتَنَع الآخَرُ، فظاهِرُ كلامِ أحمدَ، أنَّه يُجْبَرُ عليها. وهو قولُ أبى حنيفةَ؛ لأنَّ المَنافِعَ مُشْتَرَكةٌ بينَهما، فإذا أراد أحَدُهما حِيازَةَ نَصِيبِه من غيرِ ضَرَرٍ، لَزِمَ الآخَرَ إجَابَتُه، كالأعْيانِ. ويَحْتَمِلُ أن لا يُجْبَرَ. وهو قولُ الشافعىِّ؛ لأنَّ المُهايأةَ تأْخِيرُ حَقِّهِ الحالِّ؛ لأنَّ المَنافِعَ فى هذا اليوم مُشْتَرَكَةٌ بينَهما، فلا تَجِبُ الإِجابةُ إليه، كتَأخِيرِ دَيْنِه الحالِّ. فإن اقْتَسَما الكَسْبَ مُهايأةً، أو مُناصَفةً، فلم يَفِ بأداءِ نُجُومِه، فللمُقِرِّ رَدُّه فى الرِّقِّ، وما فى يَده له خاصَّةً؛ لأنَّ المُنْكِرَ قد أخَذَ حَقَّه من الكَسْبِ. وإن اخْتَلَفَ المُنْكِرُ والمُقِرُّ فيما فى يَد المُكاتَبِ، فقال المنكرُ: هذا كان فى يَده قبلَ دَعْوَى الكِتابةِ، أوكَسَبَه (17) فى حياةِ أبِينَا. وأنْكَرَ ذلك المُقِرُّ، فالقولُ قولُه معَ يَمِينِه؛ لأنَّ المُنْكِرَ يَدَّعِى كَسْبَه فى وَقْتٍ الأصْلُ عَدَمُه فيه، ولأنَّه لو اخْتَلَفَ هو والمُكاتَبُ فى ذلك، كان القولُ قولَ المُكاتَبِ، فكذلك مَن يقومُ مَقامَه. وإِنْ أدَّى الكِتابةَ، عَتَقَ نَصِيبُ المُقِرِّ خاصَّة، ولم يَسْرِ إلى نَصِيبِ شَرِيكِه؛ لأَنَّه لم يُباشِرِ
(16) فى م زيادة: "عليه".
(17)
فى م: "وكسبه".